خامساً: تفهم الآخرين أولاً ثم اطلب منهم أن يفهموك
Seek to Understand Before you are understood
كثيرا ما نخفق في تحقيق أهدافنا لأن الآخرين لم يفهمونا جيداً. وهم يفعلون ذلك لأننا لم نعطهم الوقت الكافي لنفهمهم. معادلة بسيطة جداً، إذا أردت من الآخرين أن يفهموك فعليك أن تبادر في ذلك وتفهمهم أوَّلاً، والنجاح الحقيقي في هذا الباب هو أن نستطيع إيصال ما نريد قوله للآخرين دون أن يُساء فهمنا، وعندما نستمع بقصد الفهم تصبح اتصالاتنا أكثرَ فعالية، ونعبِّر عن أنفسنا بطريقة أفضل، كما وعلينا أن ندع تحوير كلِّ شيء حسب رغباتنا ونوقف قراءة توجهاتنا في حياة الآخرين ونبدأ في الاهتمام بما يحاول الآخرون قوله ونكون مستعدين أكثر للإنصات بقصد الفهم والتجاوب والاستفادة أيضاً فذلك هو الجسر الذي يمكن بواسطته الوصول للآخرين. إن الاستماع بشكل جيد للآخرين أمر مهم من ناحية إمكانية أن يطرح الآخرون أفكاراً هامة جدّاً أو يكشفوا عن أشياء كانت خافية قد تؤدي إلى قلب كل التوقعات، بحيث تجعل الشخص يترك كل ما كان يفكر فيه ليبدأ من جديد البداية الصحيحة. والجزء الثاني من هذه العادة أن تحاول أن يفهمك الآخرين تحتاج إلى الجرأة والمهارة، الجرأة في التعبير عن مشاعرك الحقيقية بتفتح وبصدق، ومهارة لتبين بشكل جيد وجهة نظرك، وبناء على قدراتك يفهمونك فحاول أوَّلاً أن تفهمهم والإصغاء مهارة وفن ولها دور كبير في تقوية علاقتنا مع الآخرين وتتيح لنا تبادل المعلومات مع الآخرين بجدوى وفعالية أكثر ومن مشاكل التواصل مع الآخرين اعتقادنا بأننا مفهومون للآخرين، والحقيقة أن الآخرين لا يمكن أن يعرفوا ما بداخلنا إلا إذا أفصحنا نحن عن ذلك، ولا يمكن أن نعرف ما بدواخل الآخرين دون أن نشجعهم على الإفصاح عمَّا يجول في نفوسهم، فكلما تمكنا من التعبير عن مشاعرنا أكثر اقتربت المسافاتُ بيننا وبين الآخرين، وابتعدنا عن المراء السلبي الذي لا طائل منه. وقد كان أساسُ الفهم في القرآن الكريم هو مبدأ (الحوار) حين يكون الكلام بين اثنين من نفس المستوى أو النوع، قال تعالى: ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾ [الكهف: 34 ]. وقد ذكر القرآن الكريم مجموعة من الحوارات، منها: المحاورة التي جرت بين موسى عليه السلام وفرعون، والحوار بين إبراهيم عليه السلام وبين النمرود، والحوار بين لوط عليه السلام وبين قومه، وقصة شعيب عليه السلام مع قومه في سورة هود، فالآيات العشر الأولى من هذه القصة كلها حوار. والحوار هو أن يتكلم الإنسان ويدلي بدلوه، ثم يعطي الفرصةَ للآخر ليقول ما عنده ويستمع له ويتفهم مقالته، بغض النظر عن مدى صحة أو حقيقة ما يقول المقابل.. وهذا يتطلب مهارات معينة للتواصل مع الآخرين، كاستخدام الكلمات بطريقة فعالة وصحيحة والوضوح في الكلام، واستخدام لغة الجسد أحياناً كنظرات العينين وحركة اليدين وطريقة الجلوس وعدم السخرية والاستهزاء بالآخرين والسيطرة على الانفعالات. وحين نقرأ نصَّ وصية أبي بكر رضي الله عنه لأول بعث وجهه للجهاد بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام: (يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر: لا تخونوا، ولا تغُلُّوا، ولا تغدُروا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تقعروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم، وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإذا أكلتم منها شيئاً فاذكروا اسم اللّه عليها)[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]، وهذه الوصية فيها فهم كبير وواسع للآخرين ورغباتهم وأمنياتهم وحقوقهم. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "حدِّثوا الناسَ بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله " [مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. وأن تُحِّدثَ الناسَ بما يفهمون وما تدركه عقولهم يستوجب فهم ودراسة إمكانياتهم ومستوياتهم الثقافية والعلمية، كما أن الأمر يتطلب معرفة عاداتهم وأعرافهم الاجتماعية وما إلى ذلك.. وتفهم الناس في النظام الإسلامي يعني أن تكون معهم في حالة واحدة تشعر بما يشعرون كأقصى ما يكون من التفاهم، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مَثلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهر والحمَّى"[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. سادساً: اعمل مع الجماعة
Synergize
تدعو هذه العادة إلى التعاضد مع الآخرين والعمل معا للوصول إلى الأهداف الشخصية من خلال الجماعة.. وهذه العادة مع العادة الرابعة والخامسة يسميها علم التنمية البشرية (عادات النصر الجماعي).. وهذه العادات تنقلنا نقلة نوعية كبيرة في التعامل مع الآخرين لأن الإنسان يجب أن يدرك تماماً أن نتائج الحياة التي يعيشها تتناسب طرديّاً مع علاقاته مع الآخرين، وأن أكثر من 50% من النجاح الذي يطمح له أي إنسان يرتبط بمن يعيش معهم؛ سواء في البيت أو في المدرسة أو الجامعة أو العمل بشكل عام.. وهنا أمر في غاية الأهمية وهو أن التعاضد والتكاتف مع الآخرين لا يعني الاعتماد عليهم وإنكار ذات الشخص بل على العكس تماماً فلن يكون هناك نتاج واضح مع الجماعة ما لم يعتمد الشخص على ذاته (مستقلاً).. وذلك فرق كبير مع مفهوم (التبعية).. والإسلام يعترفُ باجتماعية الإنسان ويقرُّ بها، وأن الله خلقه ليعيش في جماعة يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]. ونجد هاهنا أن الإسلام دعا بقوة قد تختلف عن باقي دعواته إلى أمور أخرى من صميم الإسلام.. فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]. فالتعاون الجماعي يكون على البر والتقوى بالتحديد وليس على شيء آخر والمفروض أن يتوفر مبدأ العدالة فالأفراد سيتعاونون أكثر وبإخلاص إذا ما شعروا أنهم سواسية، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك: "كلُّكم بنو آدم، وآدمُ خُلق من تراب، لينتهينَّ قومٌ يفتخرون بآبائهم أو ليكونُنَّ أهونَ على الله من الجُعْلان"[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]، وقبل ذلك فقد أمر القرآن الكريم بالعدل، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90] والمنهج الإسلامي في العدل يلزم الفرد أن يكون مبدأ العدالة ديدنه حتى مع غير المسلمين، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [ المائدة: 8]. وهنا قصة لابد منها تظهر ثمرة العدل وحقيقته في المنهج الإسلامي والقصة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين ولَّى عمرو بن العاص على مصر حدث أن كان هناك سباقٌ للخيل واشترك فيه محمد بن عمرو بن العاص ورجل ذمي (غير مسلم)، فاختلفا في فرس من فاز!! فقال محمد وهو ابن الوالي فرسي، وقال الذمي: فرسي، فأثير محمد فضرب الذميَّ على رأسه، وقال: خذها وأنا ابنُ الأكرمين!! فانطلق الرجل مسافراً من مصر وذهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة المنورة فشكا له ما حصل.. فلم يتأخر عمر، وفي الحال أرسل إلى عمرو بن العاص وأخبره أن يأتي بابنه معه فحضروا جميعاً، فقام عمر وأعطى الدرة للذمي وقال له: اضرب رأسَ محمد بن عمرو بن العاص، اضرب ابن الأكرمين.. فصار الذميُّ يضربُ ويضربُ حتى شفى غليله، وعمر بن الخطاب يقول له: زد ابن الأكرمين، ثم طلب منه عمر أن يحول الدرة إلى رأس عمرو بن العاص لأنَّ ابنه لم يظلم إلا لأن أباه الوالي، لكنَّ الذمي قال: اكتفيتُ، ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قولته المشهورة: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، هذه شذرة براقة من نظام العدالة في الإسلام، وهي حادثة حقيقية وليس تنظيراً أو كلاماً في الدعوة إلى نظام مثالي فحسب.. وحين يكون الإنسان مع الجماعة أو الفريق فإنه يكون في الخير، قَالَ الرسُول - صلى الله عليه وسلم -: "إن من الناس مفاتيح للخير، مغاليق للشر. وإن من الناس مفاتيح للشر، مغاليق للخير. فطوبى لمن جعل اللّه مفاتيحَ الخير عَلَى يديه. وويلٌ لمن جعل اللّه مفاتيح الشر عَلَى يديه"[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. وعن الحارث الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" آمركم بخمس أمرني الله بهنَّ: الجماعةُ، والسمعُ، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله. فمن فارق الجماعةَ فقد خَلع رِبْقَة الإسلامِ من عنقه إلا أن يراجع"[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ].. ويلاحظ هنا الترهيب الشديد من ترك الجماعة باعتبار مفارقها مرتداً وهو من الأمور العظيمة في الإسلام، وعن ابن عمر: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: من خرج من الجماعة قِيْدَ شِبرٍ فقد خَلع رِبْقةَ الإسلام عن عنقه حتى يراجعه، ومن مات وليس عليه إمامُ جماعةٍ فإن موتته ميتة جاهلية)[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، يَا رَسُولَ اللهِ! أَمِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ؟ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لا، وَلِكنْ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يعِينَ الرَّجُل قَوْمهُ عَلَى الظُّلْمِ"[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ المؤمنَ للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضُه بعضاً، وشبك أصابعه "[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: (الزموا هذه الطاعةَ والجماعةَ، فإنه حبلُ الله الذي أمر به، وإنَّ ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة). ولم يكتف الإسلامُ بالدعوة إلى الجماعة فحسب، بل دعا إلى أداء بعض العبادات جماعةً كالصلاة، ولم يكتف بالدعوة لذلك بل رغَّب ترغيباً شديداً فيها، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ الجماعة تفضُل صلاةَ الفَذِّ بسبع وعشرين درجة"[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. وهذا دليل كبير على أن الدعوة للجماعة في الإسلام ليس القصد منها مجرد أداء عبادات بشكل جمعي، بل لما فيها أيضاً من فوائد جمَّة للإنسان في أمور حياته وبناء شخصيته، فضلاً عمَّا يكتسبه الإنسان من حسنات من أجل آخرته، ثم حذر من الانفراد والانشقاق عن الجماعة وبيَّن إن العواقبَ وخيمةٌ إزاء ذلك الفعل وما دام الأمر فيه جماعة فلا بد من وجود إمام أو أمير وهو ما يعرف في علم التنمية البشرية (القائد) أو رئيس المؤسسة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصْبر، فإنه ليسَ أحدٌ يفارق الجماعةَ شبراً فيموتُ، إلا مات مِيتةً جاهلية"[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. وطاعة القائد واجبةٌ لازمة دون النظر إلى جنسيته أو لونه، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب: "اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبدحبشي كأن رأسه "[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. وغير ذلك فإن العمل مع الجماعة في الإسلام يقتضي المراقبة، وليس ترك الأمر على الغَارِب بلا رقيب ولا حسيب، فكانت منهجية الإسلام في هذا الباب أنَّ الرقيب العام هو الله ثم رسوله لمن عاشوا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم المرحلة الآخرة من المراقبة وتقويم أعمال الإنسان وهي الجماعة التي يعيش الإنسان معها، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105]. فالجماعة أو الفريق جعلهم الله شهداءه في الأرض، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه فيقول أنس بن مالك رضي الله عنه أنهم مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَجَبَتْ". ثم مرُّوا بأخرى فأثنوا عليها شرّاً، فقال: "وجبتْ" فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبتْ؟ قال - صلى الله عليه وسلم -:"هذا أثنيتمْ عليه خيراً، فوجبتْ له الجنَّةُ، وهذا أثنيتمْ عليه شرّاً، فوجبتْ له النَّارُ، أنتم شهداء الله في الأرض"[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. فأي منظومة تنموية عظيمة تلك التي تجعل المخلوقَ الضعيفَ صاحب الشهوات وصفات النقص يسمو لأعلى الدرجات حين يكون مؤمناً، وحين تكون ثقته بالله عالية، فالمؤمن من شهداء الله في أرضه. ودعت الشريعة الإسلامية إلى تنمية القيم الأخلاقية الرفيعة للجماعة كالشورى والمساواة والتعاون والتكافل الاجتماعي والإصلاح بين الناس والعدالة الاجتماعية ودعت إلى جعلها ممارسات اجتماعية وليس تنظيراً فحسب.. سابعاً: اشحذ المنشار
Sharpen the Saw
فعندما تحرص على شحذ سن المنشار باستمرار فإنك ستقطع الحطب بسرعةأكبر مما إن كان سن المنشار قديماً. والمقصود هو أهمية مراجعة النفس وتقييمها باستمرار وتطوير نواحي الضعف والقصور فيها وتذكير النفس بالمبادئ الأساسية التي تتصرف من خلالها. والجسم والعقل والروح يؤثِّر كلٌّ منها على الآخر فإذا اضطرب أحدها اضطرب الآخَر. فلا بد من السعي المتواصل إلى إيجاد التوازن فيما بينها وتوفير الغذاء والطاقة اللازمة لكل منها لكي تنمو وتترعرع بشكل سليم، ولكي نعمل بفعالية نحتاج إلى شحذ المنشار، بمعنى آخر نحتاج إلى صيانة وتطوير أنفسنا. ومفتاح النجاح لشحذ المنشار يكمن في العمل بصفة دوريه على الأبعاد الأربعة للتجديد وهي: تنميتنا الإسلامية البدنية، والعقلية، والاجتماعية، والروحانية، ويقول كوفي وبحسابات الدراسات الرصينة في هذا المجال يحتاج الإنسان للعمل لمدة 3 ساعات تقريباً أسبوعيّاً على كلِّ بُعد من هذه الأبعاد، ويلاحظ أن الصلوات المكتوبة مثلاً تستغرق ما يقارب ساعتين على أقل تقدير أسبوعيّاً، ولو حُسبت مع النوافل لبلغت الثلاثَ ساعات، وهي تدخل في البعدين الروحي والبدني.. ويدلنا التشريع الإسلامي على الوسائل لشحذ الهمم، ومنها الاستعانة بالصبر وبالصلاة في قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]. والصبر المطلوب الذي يشحذ الهمم ويُقوِّي العودَ، ويربِّي النفسَ هو صبر الشدائد، وليس الصبر العادي، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر، فقال: "اتَّقي الله واصبري" قالت: إليك عني، فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: "إنَّما الصبرُ عند الصدمةِ الأُولى"[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. والأمر الآخر الذي ورد في الآية بعد الصبر هي الصلاة، حيث يقول الدكتور ألكسيس كاريل حول موضوع القوى العظمى التي ينالها المؤمن من الصلاة: (لعل الصلاةَ هي أعظم طاقة مولدة للنشاط عُرفت إلى يومنا هذا، وقد رأيت بوصفي طبيباً كثيراً من المرضى فشلت العقاقير الطبية في علاجهم فلما رفع الطبُّ يده عجزاً وتسليماً تدخلت الصلاةُ فأبرأتهم من عللهم، إن الصلاة كمعدن الراديوم مصدر للإشعاع ومولد ذاتي للنشاط). وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جدِّدوا إيمانكم"، قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكيف نجدد إيماننا قال: "أكثروا من قول: لا إله إلا الله "[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ].. وأوجب الإسلام أركاناً من شأنها أن تجدد الإنسان وتشحذَ همَّته، ومنها الحجُّ والحجُّ ركنٌ عظيم يتجدد فيه الإنسان من كل جوانبه تتجدد روحه، وعقله، وفكره، وقوته الجسمانية، فهو يخضع لبرنامج تعبدي منقطع النظير من الممارسات الروحانية والمادية والجسمانية، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من حجَّ هذا البيت، فلم يرفثْ، ولم يفسُقْ، رجَع كيوم ولدته أمه"[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ].. كما أن الزكاة هي وسيلة أخرى لشحذ المنشار وإعادة تنظيم النفس، والزكاة في اللغة: النماء والتطهير. فالمال ينمو بها من حيث لا يُرى. وهي مطهرة لمؤديها من الذنوب. وقيل: لينمو أجرها عند الله تعالى. وسميت في الشرع زكاة، لوجود المعنى اللغوي فيها. وقيل: لأنها تزكي صاحبها وتشهد بصحة إيمانه.. يقول (لكين شلتون) في كتابه "النجاح الحقيقي": تُعدُّ الثقة بالنفس العنصرَ الأساسي الثاني الضروري للنجاح. ويعتقد الذين يعتدون بذاتهم أنهم قادرون على النجاح في كل ما يفعلونه. إنهم يحترمون أنفسهم ويعلمون أن الآخرين يحترمونهم أيضاً، ومن أجل منح الشخص المزيد من الثقة لتجديد روحه في إنجاز الأعمال وقتل الرتابة والملل يقول صمويل سمايل: (ازرع فكرة تجني عملاً، ازرع عملاً تجني عادة، ازرع عادةً تجني خُلقاً، ازرع خُلقاً تجني مستقبلاً باهراً). وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً، فإنْ هو همَّ بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همَّ بها فعملها كتبها الله له سيئةً واحدةً"[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]. وهنا أيضاً ترينا الشريعة أن صفاء النية لابد منها في الأعمال؛ لأن من الممكن للإنسان أن يثاب عليها، وهي ضرورية بل واجبة، فالعمل التنموي الذي يأتي بموافقة تحدث لا يعتبر من وجهة نظر الإسلام تنمويّاً ما لم تعقد النية فيه ويكون مع سبق الإصرار، وهي شرط لازم لصحة العمل التنموي. وكان رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما منْ شيءٍ يُوضَعُ في الميزانِ أثقلَ من حُسنِ الخُلقِ وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخُلقِ، ليبلُغُ بهِ درجَةَ صاحِبِ الصَّومِ والصَّلاةِ "[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ] ونلاحظ قول الخبير في التنمية البشرية كيف يقول: (ازرع خلقاً تجني مستقبلاً باهراً ).. ونلاحظ في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف قد وضع صاحب الخلق الحسن بمصافِّ الصائمين والقائمين، وينمو حسن خلقه نماءً ليس له مثيل، حتى حين يوضع في الميزان يوم القيامة، إذ يجده قد تنامى حتى ما من شيء أثقلُ منه..