أبرع المديرين من خرج من رحم الخبرة الطويلة وسنوات الدراسة
أعرف مدي معرفتك فبل إدارة الناس 08/11/2007 يحكى ان رجلا كانت له دراية كبيرة بصيد الحمام الزاجل، وكونه لم يكن مدركا تماما حجم معرفته، أو لم يستطع أن يشرحها للآخرين لم يقلل من قدرته على اصطياد الحمام الزاجل، حتى عندما حاول أن يشرح لم يفهمه أحد. ولتجرب ذلك بنفسك.. حاول أن تشرح في بعض السطور الأمور التي تعرفها، وأسباب نجاحك كما تواها أنت.
ويقول كتاب 'الإدارة الحديثة' انك ببساطة تستطيع أن تستخدم ما تعرفه استخداما جيدا، حتى لو لم تكن مدركا تماما لحجم هذه المعرفة. فمثل صياد الحمام يمكنك استخدام معرفتك، حتى لو لم يكن باستطاعتك شرحها للغير، ولكن لو لم تكن مدركا السبب في نجاح أسلوبك.. فسيكون من الصعب عليك تكراره أو تطويره، وقد يؤدي هذا إلى مشاكل كبيرة عند محاولتك تحديد مواضع الخطأ، وذلك يفسر قيام الشركات الناجحة باستمرار بتسجيل وتفسير وتقنين أعمالهم وأساليبهم، وتقييم أدائهم بعين نافذة.
إن المعرفة لها طبيعة خاصة، فهي تستطيع أن تغني المتلقين لها، دون أن تفقر المانحين لها. ولكن أثمن أنواع المعرفة لا يمكن تعلمها ولا نقلها للآخرين.
فن الإدارة
وذلك يفسر كيف أن فن الإدارة لم يتقدم كثيرا في السنوات الأخيرة، رغم غزارة الكتب والمجلات الخاصة برجال الأعمال وأساليب عملهم، والدورات التدريبية في الإدارة، والسير الذاتية لمشاهير الإداريين.
وذلك يثبت حقيقة بسيطة، هي ان ليس كل ما هو قابل للتعلم قابلا للتعليم، وليس كل ما يتعلمه الإنسان يتعلمه بعقله الواعي، فالطفل يصرخ من الألم عند لمسه للفرن الساخن، وقد يزول الألم بالتدريج مع قليل من الرعاية والعلاج، ولكن يبقى أثر صغير. وعند عودة الأب في المساء، عندما يسأل طفله عما تعلمه في هذا اليوم، ستكون الإجابة البريئة 'لا شيء'، ولكن التجربة التي تعلمها الطفل لن يزول أثرها أبدا (رغم عدم إدراك عقله الواعي لذلك)، فهو لن يلمس الفرن مرة أخرى، حتى وهو بارد، بل سيكون دائما غاية في الحرص عند لمسه.
معرفة فطرية
نستخلص من ذلك أن بعض المعرفة غير واعية وعميقة جدا، لدرجة انها تبدو فطرية أو موهبة إلهية، مثل موهبة موزارت في الموسيقى. ولأن أصحبا هذا النوع من المعرفة ليس لديهم أدنى إدراك لما يعرفون ويملكون.. فإنهم بالتالي لا يستطيعون أن يقوموا بشرح وتفسير وتعليم ما يعرفونه بطريقة ناجحة، رغم انهم يستطيعون توجيه الآخرين للقيام بما يجب القيام به. إن سر نجاحهم يكمن في موهبتهم الفطرية، فما يمكنهم شرحه ونقله للآخرين ليس أكثر من مجرد قصص وأفكارونصا ئح وبعض أسرار المهنة، ولكنه أبدا ليس بالمعرفة الحقيقية أو الحكمة والموهبة الفطرية، فهذه أشياء خاصة جدا لا يمكن نقلها للآخرين، وهي سر وجودهم.. خصائص نمت فيهم بشكل غامض على مر السنين وصقلتها الخبرة. وقد بدأت هذه العملية مبكرا منذ الطفولة، وهي خصائص لا تكتسب بسهولة من كتب أو محاضرات، مثل الرياضيات أو الفيزياء، ولكنها ملك صاحبها فقط.
والناس يقدرون المعرفة لفائدتها، ولذلك يعمم التعليم، ولكن التناقض الغريب يكمن في أنه كلما زادت صعوبة تعليم شيء ما زادت قيمته وأهميته. وأهم الأشياء التي يعرفها ويقوم بها المدير تشمل هذا النوع من المعرفة الفطرية الحقيقية القابلة للتعلم، ولكن ليس للتعليم.
ولعل ذلك هو السر في أن أبرع المديرين قد برزوا تدريجيا من وسط زمرة العاملين، أو ظهروا أحيانا فجأة في ظروف خاصة، ونادرا ما يكونون قد تم اختيارهم وتدريبهم خصيصا ليكونوا مديرين، فالاختيار والتدريب وسائل غربلة وتصفية للعثور على أفراد، ذوي مزيج خاص من الخصائص الواعدة والمواهب الواضحة. ورغم أن هذه الوسائل جديرة بالتقدير.. فإنه يجب ألا نبالغ في قيمتها، بحيث نعتقد أنها هي التي خلقت هذه المواهب والخصائص. وكلما زاد الحديث هذه الأيام عن 'عصر العاملين ذوي المعرفة' زاد حجم الكلام الغث الذي يقال في هذا المجال، فالشيء المهم الذي يجب أن يعرفه كل مدير عن المعرفة ليس هو أن بعض أنواع المعرفة يمكن تعلمه والبعض الآخر لا يمكن، ولكن أنه كلما زادت قيمة وتخصص أي نوع من هذين النوعين، قل اعتماد صاحب هذه المعرفة على صاحب عمل معين. وهذا يفسر لنا سر كثرة تنقل المديرين المتخصصين من صاحب عمل الى آخر، فمثلهم مثل غيرهم من أصحاب المهن المحترفين (كما هي الحال في القانون والهندسة والمال والصناعة)، ولاؤهم الأول والأقوى هو لمهنتهم وليس لرؤسائهم، فقد يبدلون وظائفهم من صاحب عمل الى آخر، ولكنهم أبدا لا يبدلون مهنهم.
وكلما زاد اعتماد العمل في أي مؤسسة على مثل هؤلاء العاملين المتخصصين ذوي المعرفة (بمن فيهم المديرين) زادت ضرورة أن تعمل المؤسسة على ارضائهم على المستوى الشخصي والمهني حتى يظلوا على ولائهم، فانتقالهم للعمل في أماكن أخرى قد يكون عائدا للطلب الخارجي، ولكن مستوى أدائهم يعود بشكل تام لظروف العمل الداخلية في المؤسسة.
تحديات المؤسسات الحديثة
تواجه المؤسسات الحديثة اليوم تحديين رئيسيين: التحدي الأول يكمن في العثور على الأعداد والأنواع المطلوبة من العاملين ذوي المعرفة للقيام بالعمل على خير وجه، والتحدي الثاني في توفير ظروف العمل التي تتيح لهؤلاء العاملين فرصة النجاح، وتجعلهم حريصين على البقاء في المؤسسة.