تميل الشركات الموجودة في البلدان الصغيرة أو النامية إلى تحقيق النجاح بالطرق الصعبة، وأصبحت بفضل الدراسة الشاقة من كبار المنافسين. ولذلك فإن هذه الشركات التي تتسم بالجرأة أخذت تترك بصماتها على الأسواق العالمية.
فعلى سبيل المثال، تعد شركة ميتال ستيل أكبر منتج للصلب في العالم ومالكها الهندي لاكشيمي ميتال هو أحد أغنى أثرياء العالم. وتأتي شركة سيميكس (المكسيكية ) في المركز الثالث في إنتاج الأسمنت. واندمجت شركة إنبيف (البرازيلي ة) مع شركة إنتربرو (البلجيكية ) وأصبح اسم الشركة الجديدة إنبيف، واليوم تعد شركتا إنبيف وساب (وهي في الأصل من جنوب إفريقيا) أكبر مزودين للبيرة في العالم. وهذا التوجه يتجاوز هذه الصناعات المتقدمة: فشركة إمبراير (البرازيلي ة)، وشركة وايبرو (الهندية) وشركة لينوفو (الصينية) جميعها تحتل الصدارة في مجالاتها عالية التقنية - الطائرات، والبرمجيات ، وخدمات تقنية المعلومات، والكمبيوتر ات الشخصية على التوالي.
ولا ينبغي للمرء أن يفاجأ بالأداء القوي للشركات متعددة الجنسيات غير التقليدية التي تأتي من بلدان العالم النامي الكبيرة كالبرازيل، والصين والهند. ففي الماضي القريب، ظهرت شركات عالمية أخرى من أماكن لا يتوقعها المرء. من كان يعتقد أن شركة فنلندية لصناعة الألواح الخشبية والمطاط سوف تصبح أكبر مصنع للهواتف الجوالة في العالم؟
إن هذه الشركات غير التقليدية تختلف جداً عن الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة في بلدان العالم المتقدمة، مثل جنرال إليكتريك وسيمنز، التي تدين بمكانتها العالية في السوق العالمية إلى ريادة بلدانها في الصناعات التي تعمل فيها، والتي أصبحت عالمية من أجل استغلال نجاح صيغتها المحلية. وفي المقابل، فإن شركة نوكيا وغيرها من الشركات متعددة الجنسيات غير التقليدية مثل شركة إس تي مايكرو إليكترونيك س الفرنسية ـ الإيطالية وشركة لوجيتيك السويسرية كان عليها أن تصبح عالمية من أجل بناء صيغة ناجحة في المقام الأول.
إن الحقيقة المتمثلة في أن هذه الشركات "ولدت في المكان الخطأ" اضطرتها لتنمية قدرات إبداعية وتكاملية في سائر أرجاء العالم. فعلى سبيل المثال، لم يكن هناك خيار أمام شركة نوكيا إلا أن تبحث خارج فنلندا للحصول على التقنيات والمهارات التي لم تكن متوافرة لها في بلدها. ومعنى هذا أنها يمكن أن تذهب إلى أي مكان. ومنذ نعومة أظفارها، ذهبت هذه الشركة إلى كاليفورنيا من أجل الحصول على أفكار لتصميم الهاتف الجوال. فهل فكرت شركة جنرال موتورز في توظيف مصممي سيارات من إيطاليا قبل 30 عاماً؟
وقد ترتب على الشركات متعددة الجنسيات غير التقليدية أن تكافح بصورة أكثر مشقة للحصول على اعتراف المستثمرين بها. ففي ظل غياب أسواق المال المحلية المتطورة، واجهت هذه الشركات المهمة الصعبة التي تمثلت في إقناع المستثمرين المتشككين في لندن ونيويورك بأن إيطاليا، نعم، تستطيع أن تؤسس شركات تعمل في إنتاج أشباه الموصلات بجودة ما ينتج منها في الولايات المتحدة أو اليابان، وأن إحدى الشركات الجنوب إفريقية تستطيع أن تنافس شركات مثل أنهوزر- بوش. ومن ناحية أخرى، فإن شركة مثل شركة سيمنز تحظى بمكانة عالية في ألمانيا وبعلاقات دافئة من البنوك الكبرى، وهذا لا شك أنه يقلل من تكلفة رأس مالها.
وتواجه الشركات متعددة الجنسيات غير التقليدية أيضاً تحديات ضخمة على صعيد القيادة. ذلك أن المسؤولين التنفيذيين في الشركات متعددة الجنسيات التقليدية يميلون إلى الوصول إلى القمة عبر رفع مكانة شركاتهم في موطنها (رغم أن مبيعات سيمنز لا تتجاوز 20 في المائة في ألمانيا، فإن 80 في المائة من كبار مديريها ألمان). ولكن قادة الشركات متعددة الجنسيات غير التقليدية درسوا وعملوا خارج أوطانهم، وطوروا شبكات مهنية قوية، وقد يكونون ضليعين في عدة لغات. فهذا الرئيس التنفيذي لشركة نوكيا، جورما أوليلا، من فنلندا، تلقى تعليمه في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية وعمل ثماني سنوات في "سيتي بانك" قبل أن يلتحق بشركة نوكيا. والمواطن الإيطالي باسكال بيستوريو الذي ساعد في تأسيس شركة إس تي مايكرو إلكترونيكس ، كان في وقت من الأوقات عضواً في الفريق التنفيذي لشركة فونيكس.
إن الإدارة العليا لشركة ميتال خليط حقيقي من المواهب المتعددة الجنسيات. فمؤسسها ميتال نفسه بدأ حياته العملية كصاحب مشروع في الهند. أما اليوم فالشركة تحت ملكية هولندية (وليست هندية) ومقرها الرئيس في روتردام ولندن (وليس في كالكتا التي ترعرع فيها ميتال)، كما أن جميع مسؤوليها التنفيذيين تقريباً يعيشون خارج أوطانهم.
إذن ما الدروس التي يمكن أن نتعلمها هنا؟ الدرس الأول، وهو مهم للشركات متعددة الجنسيات المحتملة في بلدان العالم النامي، هو أن النجاح العالمي يأتي من الإدارة الذكية وليس من طبيعة الصناعة التي تستطيع أن تنافس فيها، أو قدرتك على استغلال قاعدة التكلفة المنخفضة. والدرس الثاني، وهو يخص مديري الشركات المحلية الصغرى في أسواق البلدان المتقدمة الكبيرة، أنه لم يفت الوقت بعد للتوسع على الصعيد العالمي. فما دامت "ميتال " و"نوكيا " تمكنتا من الاضطلاع بدور الشركات متعددة الجنسيات الكبرى، فإنكم تستطيعون ذلك. وبالفكرة نفسها، يجب أن تنظروا إلى الشركات متعددة الجنسيات غير التقليدية كهذه لكي تستلهموا منها أفضل الممارسات، ولا ينبغي أن تتطلعوا إلى شركات مثل جنرال إليكتريك وسيمنز في صناعاتكم.