الأسلوب الياباني في معالجة المشكلات:
لعل من المفيد بعد هذا العرض لمراحل عملية معالجة المشكلات الإدارية أن نشير بإيجاز إلى بعض الملامح الرئيسية للأسلوب الياباني في اتخاذ القرارات وحل المشكلات مقارنة مع الأسلوب الأمريكي.
إن أهم ما يتسم به الأسلوب الياباني هو طريقة الإجماع (Consensus) في تحليل المشكلات والتوصل إلى الحلول المناسبة للتغلب عليها، وتتضمن هذه الطريقة مشاركة جميع المديرين والأشخاص ذوي العلاقة في تحليل المشكلة وطرح البدائل المختلفة لمعالجتها.
أما النمط الأمريكي فعلى الرغم من أنه يأخذ في الغالب بالمشاركة كأسلوب جماعي في معالجة المشكلات واتخاذ القرارات بدلاً من الأسلوب الفردي، فإنه لا يرقى إلى "الإجماع" الذي يتسم به الأسلوب الياباني. فالمشاركة - في النمط الأمريكي - تقتصر في الغالب على عدد محدود من المديرين وتتم بشكل سريع. فإذا طال النقاش وكانت هناك اختلافات في وجهات النظر يتم اللجوء في معظم الأحيان إلى التصويت لتسوية الخلافات والتوصل إلى القرار المناسب.
يضاف إلى ذلك أن اليابانيين يركزون على فهم المشكلة أولاً وليس على البحث عن حل لها. وبالتالي فهم يبذلون جهداً كبيراً في جمع المعلومات المتعلقة بالمشكلة، وتحليل كافة وجهات النظر المقدمة، ومناقشـة جميع الآراء المطروحة للتوصل إلى فهم مشترك للمشكلة بكافة أبعادها وانعكاسـاتها والمتطلبات اللازم توفيرها للتغلب عليها. أما الأمريكيون فأنهم يركزون اهتمامهم على البحث عن الحل المناسب للمشكلة دون التعمق في دراستها وتحليلها.

وأخيراً فان الوقت الذي يقضيه اليابانيون في المراحل الأولى من عملية معالجة المشكلات - منذ الإحساس بالمشكلة ودراستها حتى التوصل إلى قرار بشأن الحل المناسب للتغلب عليها - طويل نسبياً ولكنهم في المقابل سريعون وفعالون جداً عند التنفيذ. وعلى العكس من ذلك فإن الأمريكيين سريعون في التوصل إلى قرار بشأن الحل المناسـب للمشكلة، ولكنهم بطيئون عند التنفيذ بسـبب تدني مستوى فهم المشكلة فهماً متعمقاً منذ البداية، وبسبب ضعف التزام ونقص كفاية الجهات المسؤولة عن تنفيذ الحل لعدم استيعاب كافة أبعاد المشكلة وانعكاساتها. والنتيجة ان مجمل الوقت الذي يستغرقه اليابانيون في معالجة المشكلات غالبا ما يكون أقصر نسبياً من مجمل الوقت الذي يستغرقه الأمريكيون.
ولعل هذا ما جعل أستاذ الإدارة الشهير دركر (Drucker) يقول بدون تحفظ "ان المدخل الذي يستخدمه اليابانيون في معالجة المشكلات واتخاذ القرارات منهج منظم ونمطي وفعال إلى حد كبير"
وأخيراً فإنه لا يغيب عن البال أن الأسلوب الياباني في الإدارة بشكل عام يرتبط بالثقافة اليابانية وينسجم مع فلسفة العمل وأهداف التنظيم والأعراف والقيم السائدة في تلك البيئة. إلا أن المنهج الياباني في معالجة المشكلات واتخاذ القرارات يقوم على أسس سليمة مما يجعله قادراً على التكيف وقابلا للتطبيق في ثقافات أخرى. ففي دراسة ميدانية لعدد من الشركات الأمريكية واليابانية المتميزة، وجد أوشي (Ouchi) أن معظم المؤسسات الأمريكية الناجحة ومنها هيوليت - باكارد (Hewlett Packard) ودايتون هدسون (Dayton Hudson) تستخدم ممارسات إدارية مشابهة إلى حد كبير للممارسات الإدارية في النمط الياباني.