التطوير الإداري مهنة من لا مهنة له
Management Development:
A job for those who have no job

Prof. Ahmed Alshumaimri
أ.د. أحمد الشميمري

كلما قابلت مسئولاً عن التطوير الإداري في دائرة حكومية ازددت حزناً وألماً على الإدارة ومفاهيمها ووسائلها ونظرياتها، وأيقنت أن ما يتناقله الناس من أن الإدارة هي مهنة من لا مهنة له حكمة صحيحة ومثل صادق في واقع عالمنا العربي. ففي التعليم تجد أن مدير التطوير الإداري معلم، وفي الصحة طبيب، وفي البلديات مهندس، وفي القطاعات العسكرية المختلفة عسكري، وهكذا حتى تذوب مهام هذه الإدارة في مهنية العمل التفصيلي الدقيق وبيئة العمل المنغلقة، ولا تكاد تلمس من إدارة التطوير الإداري سوى تنسيق حضور الدورات التدريبية إن وُجِدَت، وتغفل عن الواجبات والمهام الأساسية لهذه الوظيفة الهامة في المنظمات المختلفة.
والتطوير الإداري بشكل عام يعتبرمفهوماً أساسياً في علم الإدارة حيث نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وفي بداية الخمسينات الميلادية، وأخذا هذا المفهوم يتشكل حتى وصل إلى مفهومه الحديث المعتمد على الإطار الفكري الشمولي في النظر إلى التطوير التنظيمي ومبدأ الشمولية الإدارية في الإصلاح.
ولكي يحقق مدراء التطوير الإداري الهدف من هذه الإدارة ويطبق بنجاح في المنظمات والمنشآت المحلية، يتعين عليهم معرفة مرتكزات هذا التطوير ومتطلبات تطبيقه. فالتطوير الإداري يرتكز على أربعة جوانب أساسية هي: الجانب الهيكلي، والجانب الإجرائي، والجانب السلوكي، والجانب البيئي. وبعبارة أبسط يعتمد على (1) المنظمات (2) الأنظمة (3) الأفراد (4) البيئة المحيطة. ولكل جانب من هذه الجوانب وسائل وطرق مناسبة تساهم في نجاح عملية التطوير.
فالأفراد في المنظمات هم العمود الفقري، والاستثمار الحقيقي لرأس المال الناجح، فبتطويرهم أولاً يتم التطوير، وباستيعابهم لأهمية التطوير وأساليبه وطرقه يسهل بعد ذلك تطبيق وسائل التطوير الإداري في المنظمات. والأفراد في المنظمات يتدرجون في مستوياتهم من قمة الهرم التنظيمي إلى أدناه. وهناك جدل كبير بين علماء الإدارة بأيهما يبدأ التطوير والتغيير. إذ يقول بيتر دراكر ( إن التغيير السريع الذي يبدأ من القمة ) لكن العلماء الآخرين يرون أن التغيير الذي يعتمد على القمة سيزول بزوال المتربعين على تلك القمة. وفي نظري أن المنهج الناجح والمجرب في تاريخ المصلحين والقادة هو الجمع بينهما. وإن كانت البيئة العربية المعاصرة تتأثر كثيراً بالقمة وتعتاد على الاقتداء بها. لذلك فنحن نحتاج أولاً لإزاحة تلك القيادات البيروقراطية من منظماتنا ومنشآتنا العامة والخاصة. تلك القيادات التي اعتادت على الركود والبطء والتثاقل ظناً منها أن ذلك ضرباً من الحكمة والتؤدة. وبغير الإحلال ستظل مفاهيم التطوير ترزح تحت وطأة الجمود الفكري الإداري. وتستمر الممارسات المناهضة للتطوير والإبداع في منظماتنا المختلفة.
ثانياً :
أن يركز مدير التطوير الإداري على تطوير المنظمة ذاتها، فالتطوير الإداري يجب أن يشمل الاتجاه الهيكلي للمنظمات وذلك بتقوية الهياكل التنظيمية الموجودة ووضع الأسس المرنة والعلمية لتقسيم العمل وتوزيع الاختصاصات وتحديد قنوات الاتصال وتدرج السلطة ودور الفرد في عمل الفريق. وعلى عاتقه أيضاً إيجاد المناخ الملائم الذي يشجع على الإبداع، ويرحب بالأفكار ويعتز بأفراد المنظمة وإنجازاتهم. ومن أهم وسائل التطوير للمنظمات والتي تناط بمدير التطوير الإداري أن يقود تشكيل الرؤية والرسالة والأهداف التطبيقية للمنظمة، ويعمل على مراقبة تنفيذها والتحقق من الإلتزام بها بدقة. كثيرون أولئك الذين وضعوا لمنشآتهم خططاً استراتيجية وأهدافاً ورؤى لكن قلة من هؤلاء من طبقها. وهنا الفرق بين المنظمات الساعية حقاً للتطوير وتلك التي تدعيه أو تتمناه.

ثالثاً :
تطويرالإجراءات، فالتطوير الإداري يتطلب مراجعة للأنظمة والإجراءات. تبدأ تلك المراجعة من أعلى مستوى إداري وحتى أدناه خاصة في تلك القطاعات التي تحتك وتتواصل مع الجمهور . فلابد عند التطوير من أن تُسن الأساليب والإجراءات الإدارية المرنة الساعية إلى هدف أساسي وهو زيادة كفاية العمليات الإدارية الحالية والمستقبلية وخدمة المراجعين والمستهدفين.

رابعاً :
البيئة العامة في العمل وخارجه، فالمنظمات العامة والخاصة هي جزء لا يتجزأ من البيئة التي تعيش فيها. فالعلاقة بينهما علاقة عضوية تؤثر وتتأثر ببعضها البعض. فالوسط الإداري والاقتصادي والقانوني والاجتماعي المحيط بالمنظمات يحتاج أن يتجاوب ويتناغم مع التطوير الإداري إن لم يكن على عاتقه قيادته وترسيخه. ومن ذلك يأتي دور رجل التطوير الإداري في الإرتباط الوثيق مع تلك البيئات المشجعة والمحفزة على العمل الجاد والتغيير الشامل. من إعلام متخصص، وجامعات، وجمعيات علمية، ووزارات وجهات معنية بالإدارة. فالوعي بأهمية التطوير لدى العاملين في المنظمة هو الخطوة الأولى لتبنيه وقبوله. فإن لم يتحقق القبول والتبني فلا أقل من التحييد وعدم الرفض والمقاومة للتغيير. هذا ما يجب أن يقوم به مسئول التطوير الإداري حتى لا يبقى المسمى فارغاً من مكنونه فنجني على الإدارة ذاتها. وإن استكثرتم معشر التطويريين هذه المهام والواجبات واستحضرتم كالعادة ضخامة العوائق والعقبات فأفسحوا المجال لأصحاب قائمة الإنتظار الطويلة من خريجي الإدارة الذين لم يجدوا عملاً بعد أن أصبحت التطوير الإداري مهنة من لا مهنة له.



هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر من رأي قد يناسب الزمان والمكان والظرف الذي قد كتب حينه وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال كما يدور الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ الإدارة والتسويق، جامعة الملك سعود،الرياض alshum@yahoo.com alshum@ksu.edu.sa