لقد ظلت مناهج وقواعد الرقابة الإدارية منذ عهد بعيد تعتمد وتركز بشكل محدد على المقاييس المالية ، ونحن الآن في بدايات القرن الواحد والعشرين نرى أن صلاحية تلك المنهجيات قد تفاوتت ولم تعد قادرة على مسايرة ما وصل إليه العالم اليوم من تقدم معرفي وتكنولوجي متسارع فاق كل التوقعات وتغيرت على عتباته كل المقاييس التقليدية في مناحي العلوم المختلفة ونخص منها بالذكر مناهج الرقابة الإدارية بؤرة ذلك البحث ومقتضاه.
لقد ظلت أنظمة الرقابة الإدارية التقليدية خلال معظم سنوات القرن العشرين تعمل في بيئة ثابتة ومستقرة من تكنولوجيات وأنظمة كان معدل تغيرها ودورانها لا يتلاءم مع التطورات المتلاحقة في ذلك العصر ، حتى قيل أن الرقابة المالية التقليدية توقفت عن التطور في عام 1925 حيث نشاهد ونلاحظ أن جميع القواعد والنظريات والمفاهيم والمبادئ والسياسات والإجراءات المحاسبية التى تتداول هذه الأيام كانت متداولة وموجودة بالفعل مثل: إجراءات تنظيم العمل المحاسبي (دفاتر يومية ودفاتر أستاذ وموازين مراقبة وقوائم دخل وميزانيات) كذلك أسس مبادئ محاسبة التكاليف (التكاليف التقليدية الفعلية ، التكاليف المعيارية ، النمطية ، تكاليف الأوامر ، العقود ، تكاليف التسويق) .. الخ. حيث كان ينحصر الدور المنوط لنظم الرقابة الإدارية ينحصر في التأكد أن المنظمة باقية ومستمرة بكفاءة تامة ، وبالتالي فقد كان التركيز على دور الرقابة الإدارية ينحصر في الرقابة على التكاليف في حين لم تتطرق قواعد الرقابة الإدارية إلى الاهتمام بتنمية الإيرادات إلا في حدود أقل بكثير من الرقابة على التكاليف.
ولقد أشرنا في المبحث الأول من الفصل الأول من البحث كيف خضعت الصناعة لتغير تكنولوجي هائل وكيف تطورت العملية الصناعية وتعقدت وتشابكت ، مما أثقل كاهل أنظمة الرقابة الإدارية بالمنظمات وألقت ظلالها على ضرورة تطوير وتحديث المنهج الرقابي بما يتلاءم ومتطلبات عصر التكنولوجيا ورأس المال المعرفي الجديد. ومما لا يمكن إنكاره أن المقاييس المالية التقليدية كانت لها تأثيرات إيجابية في عمليات اتخاذ القرارات ، ولكنها أخفقت في توفير أسس توجيهية كافية للاسترشاد بها استراتيجيا على المدى الطويل.
لقد بات على القائمين بالإدارة في المنظمات التكنولوجية الجديدة إدراك أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات لإعطاء ميزة تنافسية جديدة لمنظماتهم ، وقد يتطلب ذلك أن يتم تغيير نمط إعداد التقارير المالية على أن تتطور لمقابلة كل تلك المؤثرات التكنولوجية بشكل يكون أكثر إيجابية واكتمالا ، ومن هذا المنطلق زخر الأدب المحاسبي بالكثير من المفاهيم الحديثة والإدارات المتطورات في الظهور منذ الثمانينات ومن أمثلتها إدارة الجودة الشاملة TQMوالإنتاج الخطي Lean Production وإعادة تصميم العمليات BRP والأداء الفوري JIT وغيرها.
غير أن مفاهيم وقواعد أنظمة الرقابة الإدارية الراسخة والمستقرة لم يوجه لها النقد فقط باعتبارها وسيلة للرقابة الداخلية ، بل أن الأمر يقتضى أن تتحرك قواعد الرقابة الإدارية التقليدية إلى ذلك التوجه الاستراتيجي الجديد والذي يتطلب ضرورة توافر معلومات جديدة ومتطورة من أجل التخطيط واتخاذ القرارات ومراقبة تلك البيئة المتسارعة الجديدة ووسائل التحكم فيها ، هذا بالإضافة إلى ضرورة مراعاة الأخذ في الاعتبار العوامل البيئية والخارجية على أن يتسع نطاقها لتشمل على المعلومات الاستراتيجية التى قد تعطي مؤشرات إنقاذية وإنذارات إلى الكيفية التى ستحدد مدى قبول المنظمة في ذلك الواقع الجديد ومدى قدرتها على إعطائها ميزة تنافسية في المستقبل أم لا.