الآذان الصاغية.. حل لألف مشكلة ومشكلة ، 4 نقاط تعيق إنصات المدير

عندما يصغي الموظف إلى زميله في العمل بكامل جوارحه، ومن دون مقاطعة تفاعلا مع أحزانه أو أفراحه، فإن ذلك هو ما يسمى بالإنصات المتعاطف. وهذا النوع من الإنصات، الذي يطلق عليه Empathic Listening، يلقى رواجا كبيرا في عالم الأعمال وفي بيوت الاستشارات وفي مقدمتها النفسية والصحية، لأنه صار سببا لعلاج هموم الناس والموظفين حيث لا يريدون أحيانا سوى أذن صاغية متفاعلة تفسح المجال للطرف الآخر، للتحدث بمطلق الحرية، ليفرغ كل ما في جعبته. ويلجأ عادة المديرون إلى الإنصات المتعاطف عندما يجدون لديهم رغبة ملحة في تقوية قدراتهم التعاطفية مع الآخرين لكسب ودهم من جهة، وللتفريج عن هموم زملائهم وكربهم من جهة أخرى. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (رواه مسلم)، فكم من موظف انفرج همه وتهللت أساريره فور شعوره بالانس والمودة نحو من يصغي إليه.

ومن أصول الإنصات المتعاطف محاولة البحث عن حاجات المتحدث التي تشغله، وهي في العادة الموضوعات التي يكررها باستمرار، أو تلك التي يبدأ بها حديثه.

وبعد اكتشاف هذه الحاجات التي تشغل ذهن المتحدث أو تسبب له معاناة نفسية، يمكن بعد ذلك أن يطرح المنصت استفساراته وتوضيحاته، عندئذ يحاول كلا الطرفين البحث عن حل مناسب. مع الأخذ في الاعتبار أن هناك من الموضوعات ما لا تحتاج إلى حلول أو توجيهات، إذ إنها تحتاج فقط إلى آذان صاغية متعاطفة. على سبيل المثال، عندما تشتكي موظفة من التعامل الفظ لأحد الموظفين معها، أو تشتكي من عدم حصولها على درجة عالية في تقويم الأداء السنوي، فإن المنصت هنا يجدر به أن يتفرغ ذهنيا للإنصات التام، ويعيش فعليا حالة الشاكية ويحاول النظر إلى مشكلتها من زاويتها هي لا من زاويته هو ولا من منظور المنطق والعقل، وذلك حتى تهدأ وتطمئن، فقد يكون الإنصات الحل الأمثل في هذه الحالة من دون تقديم حلول تذكر.

أما عوائق الإنصات المتعاطف فهي أربعة:

التسرع في تقديم النصح
ومن الأمثلة العملية تسرع أحدنا في إسداء النصح إلى المتحدث قبل أن يكمل الأخير حديثه كأن نقول بنبرة ناصحة: «لو كنت مكانك لفعلت كذا وكذا» أو «أعتقد أنك يجب تفعل كذا»، أو نقول «بالمناسبة هناك كتاب رائع اسمه كذا» وما شابهها من جمل تشعر المتحدث بأنه أمام مرشد أكاديمي أو ناظر مدرسة يريد أن يسدي إلينا نصائحه قبل أن يمنحنا التفاعل العاطفي المطلوب من جانبه، لكي يدرك حقيقة معاناتنا.

تصحيح الكلام
كما أن تسرع البعض في تصحيح كل صغيرة وكبيرة في كلام المتحدث يقطع على الأخير حبل أفكاره ويفسد عليه متعة الجلوس إلى شخص يمارس معه الإنصات المتعاطف، وبصدق ملحوظ وتفاعل أبعد ما يكون عن التكلف.
ومن أمثلة تصحيح العبارات التي لا تريح من ينشدون آذانا صاغية أن يقول الفرد: «عفوا، أنا لم أقصد أن أقول كذا» أو «ليس هذا ما حدث فعليا» أو «دعني أوضح لك حقيقة الأمر» علما بأنه من المفترض به أن يمسك عن الكلام بقدر استطاعته حتى يمهل محدثه الفرصة الكافية، ليشعر بأنه أمام منصت يتعاطف بكل حواسه.

طرح قصة
أحيانا ينسى الإنسان دوره كمنصت متعاطف، فيذكره كلام محدثه بقصة مشابهة، فلا يلبث أن يطرحها، من باب الشيء بالشيء يذكر، وهو بذلك لا يعلم أنه خرج عن جادة الإنصات المتعاطف إلى جادة الحوار، الذي ربما يتحول إلى مجادلة أو إلى موضوعات فرعية أبعدت المتحدث عن الموضوع الذي يريد أصلا التحدث عنه، كأن يقول مثلا « كلامك يذكرني بقصة مشابهة وهي ... » أو «أدرك مشاعرك فقد حدث لي موقف مشابه وهو...».

الاستهانة بالمشاعر
من أسوأ ما يفسد الإنصات المتعاطف ألا يأبه المنصت بالمشاعر الصادرة عن محدثه مستهينا بها، وذلك بتوجيه عبارات مثل: «الأمر لا يستحق كل هذا الحزن أو الانفعال» أو «لا أرى ما يستدعي كل هذا الزعل». الاستهانة بمشاعر محدثنا لا تجعل اللقاء صحيا وربما تجعل محدثنا لا يفكر البتة في أن يجلس إلينا ليفضفض لنا عما يختلج في خاطره من هموم وأحزان، فضلا عن أن هذا السلوك يوتر العلاقة بين الناس في العمل وخارجه.

باختصار الإنصات المتعاطف يعني وجود رغبة في التفاعل الصادق مع الطرف الآخر والتخفيف من معاناته أو حاجته لإيجاد آذان صاغية. ومن ينشد التعاطف هو الشخص الذي يحرص، قبل كل شيء، على معرفة حاجة المتحدث. كما أنه يدرك أن اختيار الوقت المناسب أمر في غاية الأهمية قبل التسرع في تقديم الاقتراحات أو إسداء النصح والمشورة.



تعبيرات وجه المرأة
بشكل عام، نلاحظ ان كثيرا من النساء يتقنَّ بفطرتهن الانصات المتعاطف، وذلك ما نشاهده في احاديث المرأة الى زميلاتها، اذ يكن في غاية الشوق والحماسة والتفاعل مع المتحدثة، ولذا من يرد ان يرى مثالا يحتذى لتعبيرات الوجه المثالية للمنصت المتعاطف فليلاحظ بدقة «تعبيرات الوجه» لدى المرأة، وهي تنصت بتفاعل وحماسة الى كلام يهمها، ولا نقصد هنا الاقتداء بعادة المقاطعة السلبية التي تمارسها بعض النساء ولكن نقصد فقط «تعبيرات الوجه» لانها في العادة عفوية جدا، لفطرة المرأة العاطفية.