أيهما نختار، ولماذا؟ لقد رغبت بعنونة مقالي بما سبق استشعاراً بالرغبة ببحث عدد من الأمور لعل أهمها: ماذا نختار هل ننمي الموارد البشرية أم نجد موارد بشرية تصنع التنمية؟ وبنظرة حاذقة متمعنة نجد أن المعنيين يصبان في قالب واحد ويؤديان إلى النتيجة ذاتها، لكن السؤال المطروح بأيهما نبدأ؟ وللإجابة على هذا التساؤل دعونا أعزائي نناقش واقع الحال على ...
المستوى التنموي للموارد البشرية لدينا.
إن تنمية الموارد البشرية تبدأ كما يعلم الجميع منذ مراحل التعليم المبكرة، بل لعلها تسبق ذلك إلى مرحلة ما قبل التعليم، وهي تمثل بلا شك علامة فارقة في صنع التنمية الوطنية كمبدأ لا يمكن التخلي عنه، لكن على الجانب الواقعي لا يمكن صناعتها والوصول إلى الأهداف المنشودة من خلال بقاء مفهوم التنمية البشرية طي التنظير حتى تتعالى الأصوات مطالبة بالتغيير، بل لا بد من مناقشته ومناقشة واقعية الخطط الموضوعة وإمكانية تطبيقها هذا إذا افترضنا جدلاً وجود خطط لتطوير الموارد البشرية، واستشعار الخطر المحدق من خلال التقصير في وضع ما يكفل من خطط واقعية تؤدي إلى تحقيق التطور والتنمية المنشودين.
فمعلوم أن النهضة التكنولوجية في القرن الواحد والعشرين تعتمد على الحقوق الفكرية والمعلوماتية واستخدام الحاسبات. فمثلاً من المتوقع ازدياد الطلب على تكنولوجيا الإلكترونيات والاتصالات والحاسبات وصناعة الماكينات الآلية وصناعة الأجهزة الطبية وأجهزة الاستشعار والزراعة والمزارع الآلية الضخمة (النباتية والحيوانية والسمكية)، والتكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية ونظم الإدارة الحديثة ونظم إدارة الجودة الشاملة وطرق التسويق العالمية ونظم وقوانين التجارة الدولية وإدارة الشركات العالمية وقوانين التجارة العالمية والحقوق الفكرية ونظم البنوك وإدارة المحافظ الاستثمارية وشركات إدارة الأملاك وشركات المخاطرة وشركات توظيف الأموال والأسواق المالية وطرق الإنشاءات والبنية التحتية المتقدمة التي تعتمد على المواصفات القياسية والوحدات سابقة التجهيز.. فماذا أعددنا لمواجهة هذا التطور المعلوماتي الهائل والطلب العالي على موارد بشرية متطورة تستطيع مواكبة ذلك التطور، هل قام التعليم العالي بإيجاد آليات تضمن توزيعاً مدروساً في التخصصات المطلوبة والمناهج ونوعية المواد التي تدرس وتمشيها مع احتياجات المجتمع الحالية والمستقبلية.
إن من أهم آليات النهضة الشاملة العمل على إيجاد خطط ووسائل من أجلها إحداث التنمية البشرية التي هي عماد التنمية الشاملة. وتطوير التعليم لإعداد الأجيال القادمة ضرورة إستراتيجية باعتبار التعليم هو مصدر الطاقة الدافعة للتنمية الشاملة. لكن يعاني التعليم العام والعالي والبحث العلمي من عدم وجود خطة واضحة للبحث العلمي ولا خطة مدروسة للاحتياجات المستقبلية من التعليم العالي. هذا بالإضافة إلى ضعف مصادر التمويل للأبحاث العلمية وعدم وضوح أهداف الخطة التعليمية، ومهمتها وإستراتيجيتها على المستوى الفردي والإداري والقومي وعدم وجود معايير جودة تأخذ بالحسبان متطلبات التكنولوجيا الحديثة وإنماء عدد من الثقافات الرامية إلى تطوير روح الإنتاج والابتكار والاختراع واعتماد التعلم الذاتي عند الطلبة. وإنما باعتمادها الطرق التقليدية بحشو المعلومات دون مراعاة لعوامل العمر الزمني والعقلي للطلاب وعدم تطور المناهج والطرق الذاتية لاستقطاب المعلومة وغياب عوامل الاستقراء والاستنباط فإنها بلا شك تساعد على تفشي سرطان الدروس الخصوصية وتعميق مفاهيم سلبية عديدة يأتي في طليعتها ربما تعزيز دور المناهج الدراسية العقيمة وطرق التدريس البالية وإشغال الطالب وصرفه عن المعلومة بتعميق فكرة الحصول على درجات تخوله الدخول للجامعات وتوطيد مفهوم الرهبة والخوف من الامتحان.
علينا لتجاوز ذلك بخلاف ما ذكر سابقاً أن نهتم بجودة المنهج الدراسي وجودة طرق ومناهج التدريس ومراعاة ارتباطها بمجالات العمل، والعمل على إعادة تقييم العملية بشكل دوري حسب متغيرات التكنولوجيا والزمان، كما يجب الأخذ بمفهوم التعلم الذاتي وما يتطلبه من مهارات تساعد على تمكين الطالب من الأخذ بالمعرفة بحسب التطورات الحديثة، والعمل على تنمية مهارة إنتاج المعرفة من خلال تعزيز مفهوم التعلم النشط والتوظيف المعرفي في اتخاذ القرار والمشاركة في صنعه وتطبيقه، ومحاولة تغيير ثقافة ضرورة الانضمام للتعليم الجامعي إلى ثقافة ضرورة الحصول على التعليم التخصصي لمواكبة تطور السوق وارتباط وظائفها المستقبلية بالمؤهلات المتخصصة.
ويتطلب تحقيق ما سبق جدية الأخذ بالأمر وتشكيل فريق علمي يملك القدرة على استشعار حاجات السوق من الكوادر العلمية المؤهلة ويملك نظرة ثاقبة تمكنه من وضع خطط طويلة وقصيرة المدى بناءً على الواقع الحالي والمتوقع، وإيجاد المرونة الكافية للتغيير متى ما دعت الضرورة دون الركون لبيروقراطية عقيمة تقف حائلاً دون التغيير الهادف للتطوير الإيجابي المنشود، على أن يتمتع الفريق فوق ذلك كله بحس المواطنة والهدف من العمل، والتخلي قليلاً عن عباءة المسؤول التي تسهل حصوله على ما شاء ولا يقف أمامها عائقاً في تحقيق مبتغى مرتديها مما يمثل في المقابل معاناة يعيشها المواطن العادي.