تلك الكلمات وصلتنى على ايميلى الخاص
عابـرون بلا أثـر
كنتُ ولا زلتْ أحلم بأن أكون شخصاً طيفيّ الأثر
أريد أن أكون مثل الطيفْ في حياة الآخرينْ
دون أن يترك أثراً بالغاً .. أو قاسياً .. أو حتى جميلاً مبالغاً فيه
أتمنى لو استطعت أن أقوم بدورِ العصفورْ
الذي يعبر الفضاءات أعلانا دون أن يترك أثرا فيها
أخاف منه .. وأحذره قدر استطاعتي
هناك من يعبر حياتنا عبوراً مفخخاًَ .. لا ندري ساعة انفجاره
يعبرنا .. ويترك أثراً في حياتنا لا يمكن لأحد أن يمحوه
يا ترى ما الأثر الذي نتركه حينما نعبر حياة آخرْ؟
بغض النظرْ من هو هذا الآخرْ؟
فربما يكون .. أخ ، صديق ، جار ، زميل عمل ، حبيبْ
وقد يكون زميل سفر أو دراسة أو شخص يقف بسيارته بجانبنا عند إشارة مرور
أي إنسان يترك أثرا فينا ، سواء علم بذلك أم لم يعلم ؟
هناك أناس نلتقيهم مرة في حياتنا
فرصة واحدة فقط تمنحنا إياها الحياة ، لنعبرهم أو ليعبرونا
مرة واحدة فقط ليترك كل واحد منا أثراً في الآخرْ
هؤلاء لا يسمح لهم أو لنا بتكرار الخطأ
هي مرة واحدة فقط .. وتصرخ الحياة فينا
هؤلاء لا يمكننا تعديل أخطاءنا معهم
ولا يمكنهم أيضا هم فعل ذلك معنا
إنها الفرصة الواحدة التي لا تتكرر
بعض الأحيان تقف في مكان ما ، فتجد إنسانا يدخلْ
يملأ المكان بطيبته .. بخفة روحهْ
وتشعر بحق أنه ترك فيك أثراً طيباً ، ورائعاً
ربما هذا الإنسان لم يتحدث معكْ .. ولا حتى مع أي أحدْ
ولكن حضوره يكون كافيا لترك أثر جميل
تمر على من هم قبلك في المكان ذاته
فتكتشف أن أحدهم ينتظركْ .. رغم أنك لا تعرفه
بحركته .. بإيماءاته .. بابتسامته
أخاف كثيراً من ترك الأثرْ
أخاف أن أترك أثراً ثقيلا على الآخرين
لا أدري لماذا أنا مهووس بهذا الأمر إلى حدّ الجنون
وأتساءلْ هل هذه حساسيّة تجاه الناس والأشياء .. والأفعال والتصرفاتْ
أم أنها محاولة لعدم السماح للآخرين باختراقي ؟؟
وهلْ أنا بالفعل محصّنٌ ضدّ ذلك ؟؟
أم أن المسألة لا تعدو كونها خدعةْ .. أو كذبة أخرى أعيشها؟
أذكرْ مرّة أن أحد العاملين في الحرم النبوي الشريفْ
كان يمر بمحاذاتي .. وهو يؤدي عملهْ
فقلت له: كيف حالك ؟ فرد : الحمْد لله
وترك فيّ أثراً لا زلت أجده في داخلي إلى الآنْ
لقد قال كلمة ( الحمْد لله ) بطريقة كلها رضا
ولقد شعرت حينها أنه صادق في ذلكْ
ويعني هذه الكلمة من كل قلبهْ
كما أن أسارير وجهه كانت تعبر عن هذا الرضا الداخلي الذي ينطقه بلسانهْ
ورغم مروْر سنواتٍ على هذا الموقف ْ
إلا أن صورة ذلك العامل وتعابير وجهه
بالرغم من أن الموقف بيننا لم يتجاوز ثواني معدودة
يا ألله كمْ ترك فيّ ذلك الإنسان من أثرْ
أحياناً يترك فيك أحدهم أثراً يدفعك للسعادة طيلة يومكْ
وأحياناً أخرى يترك أيضا أحدهم أثرا فيك
فيدفعك للإحباطْ .. والانكفاء على نفسك
وفي صالة الانتظار كانت عجوز أمريكية
أحسست بالارتباك في أول الأمرْ
وفجأة تقدمت نحوي .. قائلة .. ما إسمك؟
فقالت: لقد كنت أنظر إليك لأن طريقة جلستك تشبه طريقة جلسة إبني
ثم قالت: لقد مات في حادث سيارة
ما الذي تقوله لإنسان يقول أنك تذكره بإنسانْ فقده
ثم أخرجتني هذه العجوز من حالة الذهول
وقالت: لقد تركت فيّ أثرا جميلا هذا اليوم
شكرا لأنك ذكرتني بطريقة جلسته المحببة إلى نفسي
لقد كان يمتلئ حيوية ونشاطا
أحيانا تأتيك مكالمة هاتفية
لا تستمر أكثر من دقيقتينْ
تشعر أن أثراً جميلا تسلل إلى داخلكْ
وأحياناً تمضي مع زميل عمل سنة كاملة
وتعرف أن هذه المكالمة هي الأولى والأخيرة بالنسبة لك وله مع بعضكما
وأنت تتحدثْ معه تسأل نفسك أي أثر يتركه حديثك؟
وبعد المكالمة تكتشفْ أنك بحاجة لتحسس داخلك
لتـفـتـش عن الأثر الذي تركه
قراءتك لكلمة جميلة في كتابْ
قبلة تطبعها في بطن كف أحدهم .. وتقول له : خبّيها
أعرفْ صديقاً ضحكته تفتنني
وتترك فيّ أثرا لا يستطيع أي أحد أن يصنع أثرا مثلهْ
أذكر أن أستاذاً في الجامعة درّسني
ترك فيّ أثراً لا زلت إلى الآن أذكره
بالرغم من أن تصرفه ذاك كان عفويا
ولم يكن يـقصد أي أحد بذاك التصرفْ
مرة من المرات قلت لزميل دراسة .. شكراً لكْ
قلت: لأنك تذكرني بإنسانيتي .. وتترك فيّ أثرا جميلا بأن الرهان الحقيقي هو على الإنسان الصادق
كل شيء حولنا يترك أثراً فينا
أي أثر نتركه حينما ندخل مكانا
أو حتى حينما تأتي سيرتـنا على لسان اثـنين يتحدثان ؟؟
أي أثر نتركه ونحن نقف عند إشارة المرور؟
أو حينما نعبر ممرا في جامعة
أو نقف للتسوق من مكان ما ؟
ترك الأثر هو المهمة الأصعب في الحياة
وخصوصا إذا لم تكن أمامنا فرصة أخرى للتعويض
نقلتها لكم لاترك اثرا طيبا لديكم
أتمنى ان اكون تركت ذلك الاثر ؟؟؟
وتلاقى تلك الكلمات استحسانكم