ركائز التنمية المستدامة
وحماية البيئة
في السنة النبوية



د. محمد عبد القادر الفقي


الندوة العلمية الدولية الثالثة للحديث الشريف حول :
القيم الحضارية في السنة النبوية
الأمانة العامة لندوة الحديث

موقع نبي الرحمة دوت كوم
[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]
[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد فإن من الدراسات المهمة التي تفتقر إليها البحوث العلمية تلكم الدراسات التي تزاوج بين القضايا الكونية المعاصرة وبين الشريعة الإسلامية، وهي دراسات تتطلب الجمع بين تخصصات مختلفة، بالإضافة إلى الإلمام بمصادر التشريع الإسلامي، والقدرة على الربط بين النواحي العلمية والشرعية وفق منهجية محددة وضوابط عامة. وهذا النمط من الدراسات ذو أهمية بالغة في معالجة القضايا المعاصرة والتقعيد لها، استنادا لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية. وفي الوقت نفسه، فإن هذه الدراسات خير دليل لغير المسلمين على مرونة الشريعة الإسلامية، وملاءمتها لحل المشكلات المستعصية التي باتت تئن من ويلاتها المجتمعات البشرية المعاصرة.
وهذا البحث هو محاولة لدراسة موضوع من الموضوعات التي لها صلة مباشرة بالاقتصاد العالمي، وعلوم البيئة، والتشريعات المختلفة، بما فيها التشريع الإسلامي، وهو موضوع التنمية المستدامة. ومن المعروف أن هذا النمط من أنماط التنمية يُعَدّ إحدى الغايات التي تسعى دول العالم قاطبة في القرن الحادي والعشرين الميلادي إلى الوصول إليها، واتخاذ كل التدابير اللازمة لتحقيقها، باعتبار أنها الوسيلة المثلى لتحقيق التقدم الحضاري المنشود بشتى صوره (اقتصادياً، واجتماعياً، وبشرياً)، مع المحافظة في الوقت نفسه على الموارد والثروات الطبيعية من الاستنـزاف والتلوث، بحيث يظل كوكب الأرض قادرا على الوفاء بمعطيات التنمية وضمان ديمومتها للأجيال القادمة، انطلاقا من كون هذه الموارد ليست حكرا على جيل بعينه، بل هي ملكية عامة للبشر جميعا في كل زمان ومكان. كما أن التنمية المستدامة تمثل في الوقت نفسه إحدى القيم الحضارية المرتبطة بأخلاقيات التعامل مع البيئة، والتعامل الرشيد مع عناصرها ونظمها ومواردها.
ويعرض هذا البحث لقضية التنمية المستدامة من منظور علمي وإسلامي، استناداً إلى ما ورد في السنة النبوية من أحاديث شريفة ذات صلة بهذه القضية، وما ورد في المراجع العلمية الحديثة المتعلقة بهذه القضية. وقد كان سبب اختياري لهذا البحث هو ندرة الدراسات التي تطرقت إلى تلك القضية، والحاجة الماسة إلى إبراز موقف الإسلام من هذا النمط من أنماط التنمية.
منهج البحث:
يقوم البحث على المنهج العلمي الاستقرائي الاستنباطي المقارن. فقد عنيت فيه ببيان مفهوم التنمية المستدامة في العلم الحديث، وقارنت بين ذلك المفهوم والمفهوم الإسلامي الذي تم استنباطه من خلال استقراء آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة المرتبطة بعناصر التنمية المستدامة. وقمت بتأصيل المفاهيم الواردة في البحث تأصيلاً علمياً استناداً إلى ما ورد في المعاجم اللغوية. كما قمت بعزو الآيات القرآنية إلى مواضعها من السور الكريمة، وتخريج الأحاديث الواردة في البحث من غير الصحيحين، مع شرح معاني الكلمات الغريبة.
تقسيم البحث:
قسمت البحث إلى مقدمة وستة مباحث وخاتمة على النحو التالي:
المبحث الأول: المفهوم العلمي للتنمية المستدامة والاصطلاحات ذات الصلة.
المبحث الثاني: حماية البيئة والتنمية المستدامة باعتبارهما قيمتين حضاريتين.
المبحث الثالث: العناصر الأساسية للتنمية المستدامة.
المبحث الرابع: مفهوم التنمية المستدامة في الإسلام.
المبحث الخامس: ركائز التنمية المستدامة في السنة النبوية.
المبحث السادس: القواعد الفقهية المتعلقة برعاية البيئة.
وقد تضمنت الخاتمة أهم النتائج والتوصيات.
المبحث الأول: المفهوم العلمي للتنمية المستدامة والاصطلاحات ذات الصلة:
أولا: مفهوم التنمية المستدامة:
يتكون اصطلاح التنمية المستدامة من لفظتين، هما: التنمية، والمستدامة.
والتنمية في اللغة مصدر من الفعل (نمّى). يقال: أنميت الشيء ونمّيته: جعلته ناميا( ). أما كلمة (المستدامة) فمأخوذة من استدامة الشيء، أي: طلب دوامه( ).
ومن الناحية الاصطلاحية يراد بالتنمية زيادة الموارد والقدرات والإنتاجية. وهذا المصطلح – برغم حداثته - يستعمل للدلالة على أنماط مختلفة من الأنشطة البشرية، مثل: التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والتنمية البشرية، الخ. وفي الاصطلاح يُراد بالتنمية الاقتصادية: الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية، لغرض تحقيق زيادات مستمرة في الدخل تفوق معدلات النمو السكاني. أما التنمية الاجتماعية فالمراد منها هو إصلاح الأحوال الاجتماعية للسكان عن طريق زيادة قدرة الأفراد على استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى حد ممكن، وبتحصيل أكبر قدر من الحرية والرفاهية. وتعني التنمية البشرية: تخويل البشر سلطة انتقاء خياراتهم بأنفسهم، سواء فيما يتصل بموارد الكسب، أو بالأمن الشخصي، أو بالوضع السياسي. ويلاحظ أن ثمة تداخلا بين كل هذه الأنماط التنموية، إذ يرتبط كل نمط منها مع سائر الأنماط الأخرى ارتباطاً وثيقاً من حيث التأثير المتبادل بينهما. ولذلك وجدنا من يدمج كل هذه الأنماط المختلفة من التنمية تحت مسمى واحد هو التنمية المتكاملة.
ولما كانت التنمية المتكاملة تقتصر دلالاتها الاصطلاحية على العمليات التي تجرى في الوقت الحاضر فقط لتلبية احتياجات أفراد المجتمع الموجودين حاليا، دون مراعاة لاحتياجات الأجيال القادمة، فقد قام كاتبو تقرير لجنة (برونتلاند) المعنون: (مستقبلنا المشترك) في عام 1987 بوضع مصطلح (التنمية المستدامة) للدلالة على التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون أن تؤثر في قدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها. وعلى هذا فقد عرفت التنمية المستدامة بأنها: "الأعمال التي تهدف إلى استثمار الموارد البيئية بالقدر الذي يحقق التنمية، ويحد من التلوث، ويصون الموارد الطبيعية ويطوِّرها، بدلاً من استنـزافها ومحاولة السيطرة عليها. وهي تنمية تراعي حق الأجيال القادمة في الثروات الطبيعية للمجال الحيوي لكوكب الأرض، كما أنها تضع الاحتياجات الأساسية للإنسان في المقام الأول، فأولوياتها هي تلبية احتياجات المرء من الغذاء والمسكن والملبس وحق العمل والتعليم والحصول على الخدمات الصحية وكل ما يتصل بتحسين نوعية حياته المادية والاجتماعية. وهي تنمية تشترط ألا نأخذ من الأرض أكثر مما نعطي"( )، أي إنها تتطلب تضامناً بين الجيل الحالي والجيل المستقبلي، وتضمن حقوق الأجيال المقبلة في الموارد البيئية. وتتمثل أهداف التنمية المستدامة في تحسين ظروف المعيشة لجميع سكان العالم، وتوفير أسباب الرفاهية والصحة والاستقرار لكل فرد.
ثانيا: مفهوم البيئة:
تدل كلمة (البيئة) في معاجم اللغة العربية على (النـزول والحلول في المكان)، ثم أطلقت الكلمة مجازاً على المكان الذي يتخذه الإنسان (مستقراً لنـزوله وحلوله)، أي على: المنـزل، والموطن والموضع الذي يرجع إليه الإنسان فيتخذ فيه منـزله وعيشه( ).
و(البيئة) في العلم هي: "الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان، بما يضم من ظواهر طبيعية وبشرية يتأثر بها ويؤثر فيها"( ). وقد عرفتها موسوعة Van Nostrand’s Scientific Encyclopedia بأنها: "مجموعة الظروف والعوامل المادية المحيطة بالكائن الحي ومكوناته"( ).
وعلى هذا يمكننا القول بأن البيئة (في إطارها العام) هي "كل ما هو خارج جسم الإنسان" ويؤثر فيه، ويتأثر بالأنشطة التي يمارسها الإنسان نفسه.
ثالثا: حماية البيئة ورعايتها:
الحماية في اللغة: المنع والدفع. يقال: حمى فلانا، أي: منعه ودفع عنه( ). وعلى هذا فإن اصطلاح (حماية البيئة) يدل على "المحافظة على البيئة من كل ما يفسدها أو يضر بها ويلوثها". أما الرعاية فإنها تعني: حفظ الشيء وتولي أمره( )، قال تعالى: (  • )( )، أي: ما حفظوها وصانوها حق المحافظة والصيانة( ). وعلى هذا فرعاية البيئة تعني: إحاطتها بالحفظ والعناية والصيانة.
المبحث الثاني: حماية البيئة والتنمية المستدامة باعتبارهما قيمتين حضاريتين
مع كثرة المشكلات التي تعرضت لها البيئة منذ عهد الثورة الصناعية، ومع الزيادة المطردة في حجم هذه المشكلات، نشأ ما يعرف بالأفكار الخضراء، وهي الأفكار التي تنادي بحماية البيئة من أجل الحفاظ على كوكب الأرض وما فيه من أحياء، والحيلولة دون تردي جودة كل من الماء والهواء والتربة. وصارت المحافظة على البيئة قيمة من قيم الحضارة المعاصرة يتبناها السياسيون في برامجهم الانتخابية، والمخططون في إستراتيجياتهم التنموية، والإعلاميون في دعاواهم الحضارية. وانتشرت الأفكار الخضراء في العديد من البلدان، مثل تلك الأفكار التي تنادي بإنقاذ الطبيعة والمحافظة على الأشجار وعدم قطع الغابات والمحافظة على التنوع الحيوي( ) وحماية طبقة الأوزون...إلخ.
ونتيجة لانتشار الفساد البيئي وتفاقم المشكلات البيئية (المتمثلة في التلوث، والاضطرابات الكبيرة في النظم البيئية، والاحتباس الحراري، والتصحر، وكثرة الأحياء المهددة بالانقراض) فقد أصاب الهلع الكثيرين من سوء المآل والمنحدر الخطير الذي ستهوي فيه الحضارة الحديثة إذا استمرت القضايا البيئية بلا علاج ناجع. وارتفعت أصوات الدعوة إلى تبني القيم الخضراء وإلى إعادة النظر في علاقة الإنسان بالبيئة. ونشطت الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية التي تنادي بالمحافظة على البيئة. وفي العقدين الأخيرين وصل المدّ البيئي إلى مدى كبير، فحفلت أدبيات السياسة الخضراء برؤى جديدة تضع البشر "على مستوى متكافئ مع جميع الكائنات الحية الأخرى"( ).
وفي قمة الأرض الأولى التي عقدت في ريودي جانيرو بالبرازيل في عام 1992، وهي القمة التي حضرها معظم ملوك دول العالم ورؤسائه، تم تبني مفهوم التنمية المستدامة باعتباره قيمة حضارية. وصار تحقيق هذه التنمية أحد الطموحات والأهداف الكبرى للعديد من دول العالم المعاصر، وبخاصة بعد ما تعرضت له كثير من موارد الأرض وثرواتها غير المتجددة لخطر الاستنـزاف، حتى صار بعضها على شفا النضوب. ومع مطلع الألفية الميلادية الثالثة ازداد الاهتمام بتأصيل القيم الأخلاقية في مجال التعامل مع البيئة، والربط بين هذه القيم وبين أهداف التنمية المستدامة التي تسعى إلى تنفيذها الوكالات والبرامج المتخصصة بحماية البيئة. وبادرت الهيئات المتخصصة في حماية البيئة إلى توظيف القيم الدينية المرتبطة بحماية البيئة لتفعيل برامجها الخاصة بتحقيق التنمية المستدامة التي توازن بين الاستغلال الرشيد للموارد البيئية وبين توفير متطلبات التنمية الصناعية والزراعية والعمرانية والبشرية.
المبحث الثالث: العناصر الأساسية للتنمية المستدامة:
تقوم التنمية المستدامة على ثلاثة عناصر أساسية، هي: الاقتصاد والمجتمع والبيئة.
ومن الملاحظ أن هذه العناصر يرتبط بعضها ببعض، وتتداخل فيما بينها تداخلا كبيرا. فالاقتصاد أحد المحركات الرئيسية للمجتمع، وأحد العوامل الرئيسية المحددة لماهيته (مجتمع صناعي أو زراعي أو رعوي، إلخ). والمجتمع هو صانع الاقتصاد، والمُشكِّل الأساسي للأنماط الاقتصادية التي تسود فيه، اعتمادا على نوع الفكر الاقتصادي الذي يتبناه المجتمع (الرأسمالي، الاشتراكي، الإسلامي).
والبيئة هي الإطار العام الذي يتأثر بالأنشطة الاقتصادية ويؤثر فيها. كما تتأثر البيئة بسلوكيات أفراد المجتمع وتؤثر في أحوالهم الصحية وأنشطتهم المختلفة. ولذلك فإن أي برنامج ناجح للتنمية المستدامة لا بد له أن يحقق التوافق والانسجام بين هذه العناصر الثلاثة، وأن يصهرها كلها في بوتقة واحدة تستهدف الارتقاء بمستويات الجودة لتلك العناصر معا: أي تحقيق النمو الاقتصادي، وتلبية متطلبات أفراد المجتمع، وضمان السلامة البيئية، مع المحافظة في الوقت نفسه على حقوق الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية وعلى التمتع ببيئة نظيفة. والعلاقة بين التنمية المستدامة وحماية البيئة علاقة وثيقة. وفي هذا الصدد تمثل حماية البيئة الهدف الأول في برامج التنمية المستدامة، ويرجع ذلك إلى أن البيئة هي المصدر الأساسي لجميع الموارد التي تتطلبها برامج التنمية المستدامة ومشروعاتها. والإخلال بالتوازن البيئي يؤدي إلى تدمير النظم البيئية وتدهور حالة الموارد الطبيعية (الحية وغير الحية) والتعجيل بنفاد بعضها أو إفسادها بحيث يتعذر استخدامها بشكل مناسب اقتصاديا. ولهذا فإن حماية البيئة تتطلب وضع ضوابط خاصة لبرامج التنمية المستدامة بحيث تكفل هذه الضوابط عدم تدهور النظم البيئية الطبيعية. وتتضمن هذه الضوابط ما يلي:
1- المحافظة على سلامة البيئة (خصوبة التربة، تدوير عناصر الغذاء، نظافة المياه، جودة الهواء).
2- المحافظة على الموارد الوراثية للأحياء الحيوانية والنباتات، والحد من فقدان التنوع الحيوي.
3- ترشيد الاستخدام المتواصل للموارد الطبيعية (وبخاصة الموارد النباتية والحيوانية)، بحيث لا يكون الاستهلاك أكبر من قدرة هذه الموارد على التكاثر والإنتاج.
وتقضي التنمية المستدامة بأن يراعي الإنسان هذه الضوابط، ويراعي أهمية صون النظم البيئية، وأن يخطط معدلات استهلاكه بحيث يحافظ على التوازن بين احتياجاته وبين طاقة تلك النظم وقدرتها على الاستمرارية والعطاء.
المبحث الرابع: مفهوم التنمية المستدامة في الإسلام:
على الرغم من حداثة مصطلح (التنمية المستدامة) فإن مفهومه ليس بجديد على الإسلام والمسلمين. فقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالعديد من النصوص التي تمثل الركائز الأساسية للتنمية المستدامة، وتضع الضوابط التي تحكم علاقة الإنسان بالبيئة من أجل ضمان استمراريتها صالحة للحياة إلى أن يأتي أمر الله. ومن الجدير بالذكر أن مفهوم التنمية المستدامة في الإسلام أكثر شمولا، بل إنه أكثر إلزاما من المفهوم المناظر الذي تم تبنيه في أجندة القرن الحادي والعشرين المنبثقة عن قمة (ريو). فالنظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة توجب ألا تتم هذه التنمية بمعزل عن الضوابط الدينية والأخلاقية، لأن هذه الضوابط هي التي تحول دون أية تجاوزات تفقد التنمية المستدامة مبررات استمراريتها. وفي الوقت نفسه فإن النظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة تعنى بالنواحي المادية، جنبا إلى جنب مع النواحي الروحية والخلقية، فلا تقتصر التنمية المستدامة على الأنشطة المرتبطة بالحياة الدنيا وحدها، وإنما تمتد إلى الحياة الآخرة، بشكل يضمن تحقيق التوافق بين الحياتين، ويجعل صلاحية الأولى جسر عبور إلى النعيم في الحياة الأخروية التي هي الحيوان، أي الحياة الحقيقية المستمرة بلا انقطاع وبلا منغصات.
وهكذا، فإن مهمة التنمية المستدامة في المنظور الإسلامي هي توفير متطلبات البشرية حاليا ومستقبلا، سواء أكانت مادية أو روحية، بما في ذلك حق الإنسان في كل عصر ومصر في أن يكون له نصيب من التنمية الخُلقية والثقافية والاجتماعية. وهذا بُعد مهم تختلف فيه التنمية المستدامة في المنظور الإسلامي عن التنمية المستدامة في النظم والأفكار الأخرى، لأنه يعتمد على مبدأ التوازن والاعتدال في تحقيق متطلبات الجنس البشري بشكل يتفق مع طبيعة الخلقة الإلهية لهذا الكائن. والتنمية المستدامة في المنظور الإسلامي لا تجعل الإنسان ندا للطبيعة، ولا متسلطا عليها، بل تجعله أمينا بها، محسنا لها، رفيقا بها وبعناصرها، يأخذ منها بقدر حاجته وحاجة من يعولهم، بدون إسراف، وبلا إفراط ولا تفريط. كما أنها تُعَدّ لونا من ألوان شكر المنعِم على ما أنعم به على خَلقه، انطلاقا من كون العمل في الأرض نمطا من أنماط الشكر لله، كما قال تعالى: (   ) ( ). والتنمية المستدامة من هذا المنظور توجب على الأغنياء مساعدة الفقراء، فالمال مال الله، وهم مستخلفون فيه، قال تعالى: (  •   )( )، وقال: (    ) ( )؛ ولأن الأغنياء إن لم يفعلوا قد يضطرون الفقراء إلى الضغط على الموارد الطبيعية واستنـزافها من أجل الحصول على قوتهم وقوت أولادهم. وما تقوم به الدول الفقيرة من قطع جائر لغاباتها، وإقامة للصناعات الملوثة للبيئة على أراضيها يُعَدّ مثالا لما يمكن أن يفعله الفقر من دمار بيئي.
المبحث الخامس: ركائز التنمية المستدامة في السنة النبوية:
يمكن تقسيم ركائز التنمية المستدامة في السنة النبوية إلى ثلاث ركائز أساسية، كما يلي:
أولا – عمارة الأرض:
ذكرنا من قبل أن الاقتصاد يُعَدّ أحد العناصر الرئيسية للتنمية المستدامة. ولكننا هنا نؤثر استعمال المصطلح الإسلامي (عمارة الأرض) لأن دلالات هذا المصطلح تتضمن معاني الوسيلة التي تتحقق بها التنمية المستدامة، كما تتضمن - في الوقت نفسه - الهدف من هذه التنمية( ). وتتمثل عمارة الأرض في الإسلام في كل الوسائل التي يمكن من خلالها إحداث مختلف أنواع التنمية، سواء أكانت اقتصادية (صناعية/ زراعية) أم حضرية أم اجتماعية أم صحية أم روحية...إلخ. كما أن عمارة الأرض تمثل الهدف الرئيسي للتنمية المستدامة، فضلا عن كونها غاية دينية ومقصدا شرعيا. فالله خلق الإنسان لكي يضطلع بثلاث مهام رئيسية، هي: عبادة الله لقولـه تعالى: (     )( )، وخلافته في الأرض لقوله عز وجل: (        )( )، وعمارتها استنادا إلى قول الحق تبارك وتعالى: (      )( ). ومن الناحية اللغوية فإن معنى ( ) هو: فوّض إليكم أن تعمروها( ).
ومن الملاحظ أن ثمة ارتباطا وثيقا بين هذه المهام الثلاث، وتداخلا أيضا. فعبادة الله هي من الخلافة في الأرض ومن عمارتها. والخلافة هي من عبادة الله، ومن عمارة الأرض كذلك.
وتحفل السنة النبوية بالعديد من الأحاديث الشريفة التي تحث على عمارة الأرض.
1- ففي الحث على الغرس والتشجير والزرع: روى البخاري عن أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن قامت الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها"( ). وليس هناك تحريض على الغرس إلى آخر رمق في حياة الإنسان أقوى من هذا الحديث، لأنه يدل على الطبيعة المنتجة والخيرة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان المسلم. والعمل هنا يجب أن يؤدى لذات العمل، لأنه ضروري للقيام بحق خلافة لله في الأرض.
وقد رغبت السنة النبوية في الغرس والتشجير وفلاحة الأرض، وجعلت ثواب ذلك أجرا عظيما، فكل ما يصاب من ثمار الأشجار والزروع هو صدقة ينميها الله عز وجل لصاحبها إلى يوم القيامة، بما في ذلك ما تصيبه أحياء البيئة من طير وسباع وحيوان ودواب وحشرات. فعن أنس (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِنْ مُسلمٍ يَغرِسُ غَرْساً، أو يَزْرَعُ زَرْعاً فيأكُلُ منه طَيْرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ، إلاَّ كان لهُ بهِ صَدَقة)( ). وعن خلاد بن السائب عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من زرع زرعاً فأكل منه الطير أو العافية كان له به صدقة)( ).
ومن الملاحظ أن هذه الأحاديث تحث المسلم – من طرف خفي – على أن يدع أحياء البيئة (من طير وحشرات وغيرها) تأكل من زرعه غير آسف على ذلك. فالله هو الرزاق، وهو يرزق كل ما خلق، وليس على الإنسان أن يمنع مخلوقات الله من أن تحصل على طعامها مما أنبته الله، وعليه أن يطمئن إلى عِظَم الجزاء الذي سيكون له عند مولاه نظير ما أخذته هذه المخلوقات من ثماره وحبوبه وزروعه.
ولما كان حفر الأنهار والقنوات من مستلزمات الزراعة حثت السنة النبوية على ذلك، وجعلت شق الأنهار من الأعمال التي يلحق ثوابها المؤمن بعد موته. فعَن أبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صَلى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (أَن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بَعْد موته: علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله فِي صحته وحياته، تلحقه من بَعْد موته)( ).
وإذا عجز المرء عن زراعة أرضه لأي سبب كان (لعذر جسماني أو مادي مثلا) فإن عليه ألا يترك الأرض لتبور، بل عليه أن يعطيها للقادر على زراعتها. فعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه)( ). وعن أبي النجاشي مولى رافع بن خديج، قال: سمعت رافع بن خديج بن رافع عن عمه ظهير بن رافع، قال ظهير: "لقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان بنا رافقا. قلت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق. قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ما تصنعون بمحاقلكم؟) قلت: نؤاجرها على الربيع وعلى الأوسق من التمر والشعير. قال: (لا تفعلوا. ازرعوها، أو أزرعوها، أو أمسكوها). قال رافع: قلت سمعا وطاعة"( ).
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك خيبر لليهود (قبل إجلائهم منها) ليزرعوا أرضها مقابل شطر ما تغله أرض تلك البلدة، وهذا يعني أنه "لا فرق في جواز هذه المعاملة ببن المسلمين وأهل الذمة"( ). فعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر اليهود، على أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما خرج منها)( ). وعن ابن عمر أن "عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرّهم بها أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نقرّكم بها على ذلك) ما شئنا، فقرّوا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء"( ).
2- في مجال إحياء الأرض الموات( ) حثت السنة النبوية على إصلاح تلك الأرض وزراعتها وجلب الماء إليها. فعن عائشة (رضي الله عنها) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق)( )، أي أحق بها( ). وقال عمر (رضي الله عنه): (من أحيا أرضا ميتة فهي له)( ). ولا يخفى أثر إحياء الأرض في زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني، فضلا عن دوره في المحافظة على التربة ومنع تفكّكها وتعرضها للتصحر.
3- في مجال العمل والصناعة( )، حثت السنة على العمل اليدوي للاستغناء به عن سؤال الناس. فعن المقدام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)( ). ومن المعروف أن نبي الله داود كان يصنع الحديد كما أخبرنا القرآن الكريم عنه في قوله تعالى: (  •        )( )، وقوله عز وجل: (   •      •           •    )( ). فعن عبدِ الله بنِ عبدِ الرحمٰنِ بنِ أبي حُسَيْنٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللهَ ليُدخلُ بالسَّهمِ الواحدِ ثلاثةً الجنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ في صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، والرَّامِي بهِ، والمُمِدَّ بهِ...)( ).
وإذا لم يتمكن الإنسان من الحصول على عمل، فإن على أولي أمر المسلمين أن يهيئوا له عملا مناسبا. فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رجلا من الأنصار أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: (أما في بيتك شيء؟). قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء. قال: (ائتني بهما). فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: (من يشتري هذين؟). قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يزيد على درهم؟) مرتين أو ثلاثا. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري، وقال: (اشترِ بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فائتني به). فأتاه به، فشدّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال: (اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً)، ففعل، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا، وببعضها طعاما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع)( ).
ويستفاد من هذا الحديث أن على صاحب الحاجة والمتعطل عن العمل مع قدرته عليه رفع شكواه إلى أولي الأمر لكي يدبروا له أمره، وعلى أولي الأمر العمل على توفير العمل المناسب للشاكي تبعا لظروف المجتمع واحتياجات المتعطلين فيه( ). ولا يفهم مما سبق أن الإسلام ضد التكافل الاجتماعي وضد إعانة الفقراء والمساكين. فالإسلام هو الدين الوحيد الذي جعل أداء الزكاة ركنا من أركان العبادة، وجعل إطعام المسكين من لوازم الإيمان، فقال تعالى: (           •                    ) ( ).
ثانيا: الاهتمام بالإنسان
لما كان الإنسان هو أساس برامج التنمية المستدامة، وهو غايتها، والقائم بها، لذلك أعلت السنة النبوية قيمة الإنسان واهتمت به وبتنمية قدراته، باعتباره أهم عنصر من عناصر البيئة، بل إن البيئة نفسها مسخرة لخدمته، وهو خليفة الله في الأرض دون غيره من سائر المخلوقات.
1- ففي مجال المحافظة على النفس شددت السنة النبوية على حرمة الدماء حتى لغير المسلمين، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا من قتل نفسا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله، فلا يُرَح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا) ( ). وإذا كان الإسلام قد نهى عن قتل نفس الآخر إلا بحقها، فإنه نهى أيضا عن قتل الإنسان لنفسه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسّى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)( ). وقد علل الفقهاء ذلك بأن النفس ملك لله عز وجل، فهو المالك الحقيقي لها وجودا وعدما وتصرفا، وليس الإنسان إلا حارسا وأمينا عليها، وهذه الأمانة تقتضي منه وجوب حفظها، ومن ذلك تناول الأكل والشرب لما فيه من قوامها. فعن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عجبت للمسلم إذا أصابه خير حمد الله وشكر، وإذا أصابته مصيبة احتسب وصبر، المسلم يؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه"( ). وانظر إلى رحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمسلمين وأبنائهم، حتى ولو كان المسلم قد عصي ربه، وجاء ولده من حرام. فعن بريدة قال: جاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيت فطهّرني، وأنه ردّها. فلما كان من الغد قالت يا رسول الله: لم تردني؟ لعلك أن تردّني كما رددت ماعزا؟ فوالله إني لحبلى. قال: "أما لا، فاذهبي حتى تلدي". فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة. قالت: هذا قد ولدته. قال: "اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه". فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام. فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين... إلخ الحديث( ).
2- في مجال توفير الأمن الغذائي والكسائي، حثت السنة النبوية على إطعام الجائع، وجعلت ذلك ركنا من أركان الإيمان. فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به"( ). وجاء في الحديث القدسي ما يؤكد ذلك ويجعل ثواب هذا العمل عظيما، بما في ذلك كسوة العاري. فعن أبي ذر (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا. يا عبادي: كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي: كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي: كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم.... الحديث)( ). فالإنسان الذي به عوز إلى الطعام والشراب والكساء لا يستطيع أن ينتج، وينعكس عجزه هذا على البيئة الطبيعية فتتدهور. وخير مثال على ذلك ما نراه في المجتمعات الفقيرة اليوم في إفريقيا. فالفقر يقف حجر عثرة أمام استغلال ثروات البيئة في هذه المجتمعات، في حين أن الدول الغنية تنتج ما يفيض عنها فتلجأ إلى إغراق فائض الحبوب في البحر، حفاظا على الأسعار.
3- في مجال تحقيق الأمن النفسي نجد أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يحرِّم ترويع المسلم، حتى لو كان ذلك مقصده المزح، كأن يجرّ أحدهم حبلا فوق نائم فيفزعه لاعتقاده أن الحبل أفعى. فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما"( ).
ويندرج تحت حماية الإنسان وعدم ترويعه أن يشير امرؤ إلى آخر بالسلاح. فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينـزع في يده فيقع في حفرة من النار"( ). وقد اعتبرت الإشارة بحديدة أيضا من وسائل الترويع المنهي عنها. فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي، وإن كان أخاه لأبيه وأمه"( ).
4- وفي مجال المحافظة على سلامة عقل الإنسان، نهت السنة النبوية المسلم عن كل ما يذهب بالعقل أو يتسبب في تغييب الوعي وفتور البدن، بما في ذلك الخمور بمسمياتها المختلفة والمخدرات بأنواعها المتعددة. فعن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة، وإني أنهاكم عن كل مسكر)( ). وعن أم سلمة -رضي الله عنها – (أن رسول الله نهى عن كل مسكر ومفتِّر)( ). ومن المعروف أن الإنسان المدمن لا يمكنه أن يشارك في الإنتاج وبرامج التنمية بالشكل المناسب.
5- في مجال تغيير سلوكيات الناس وتحويل الأيدي العاطلة إلى أيدٍ عاملة، ثمة أحاديث كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عالجت مشكلة التكسب بسؤال الناس، عن طريق تحويل من يمارسون المسألة من عاطلين إلى عاملين. وهي أحاديث تقدم لنا نموذجا عمليا يمكننا الاقتداء به لتغيير سلوكيات هذه الفئة التي تستمرئ التسول والسؤال، وجعْلها توظِّف طاقاتها وقدراتها لخدمة المجتمع وخدمة أهلها. ومن ذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير من أن يسأل أحدا، فيعطيه أو يمنعه)( ). وعن الزبير بن العوام (رضي الله عنه) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخذ أحدكم أحبله خير له من أن يسأل الناس)( ). وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدق به، ويستغني به من الناس، خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك، فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)( ). وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وهو على المنبر - وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: (اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة، والسفلى السائلة)( ).
وثمة أحاديث نبوية أخرى تنهي عن المسألة إلحافا، وتحذَّر من يفعل ذلك من فقدان البركة مما يُعطَى له. فعن معاوية (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلحفوا في المسألة فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته)( ). كما أن السنة النبوية تحذَّر من مغبة المسألة يوم القيامة. فعن حمزة بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم)( ).
وتنظر المجتمعات الغربية (ومن سار سيرها في المشرق) إلى العمل باعتباره قيمة اقتصادية في الزمن الحالي، حتى أننا نرى أن مقياس تقدم الفرد في الدول الكبرى حاليا هو: ماذا يعمل؟، وكم يكسب؟ ونرى في المقابل أن من لا يعمل يفقد احترامه كبشر، فإن لم يكن له مال تحول إلى إنسان بلا مأوى أو لص أو قاطع طريق. أما في الإسلام، فإنه عني برعاية الفقراء وذوي الحاجة والضعف، وطلب منا أن نعلمهم عملا يتكسبون به، أو نساعدهم في أدائه إذا كانت ملكاتهم الذهنية أو البدنية لا تمكنهم من ذلك، انطلاقا من مبدأ الأخوة الإسلامية التي يجسدها ما جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم...)( )، والحديث الذي رواه أبو ذر (رضي الله عنه)، وفيه أنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: (الإيمان بالله، والجهاد في سبيله). قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: (أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا). قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: (تعين صانعا أو تصنع لأخرق...)( ).
6- في مجال الحث على طلب العلم والأخذ به، عنيت السنة النبوية بهذا الموضوع. ولا يخفى دور العلم والتعلم في تنفيذ برامج التنمية المستدامة. فمن دون العلم لا يكون هناك بحث أو تطوير أو إدراك لأسس أداء العمل بشكل صحيح وبدون حدوث مشكلات تؤثر في مستوى السلامة الصناعية والصحة المهنية والبيئة. ونكتفي هنا بحديث نبوي في الدعوة إلى طلب العلم والتماس أي طريق له. فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب. وإن العلماء ورثة الأنبياء. إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)( ).
7- في مجال مكافحة الفقر نجد أن الإسلام ينظر إلى الفقر فيراه خطرا على العقيدة والأخلاق والمجتمع والأسرة، ويعدّه بلاء يستعاذ منه. فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ، فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمأثم والمغرم، ومن فتنة القبر، وعذاب القبر، ومن فتنة النار وعذاب النار، ومن شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر)( ). وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى)( ).
ولما كان الفقر أحد أسباب التدهور البيئي، فالجائع لا يستطيع أن يفلح أرضا، وكانت مكافحة الفقر أحد عناصر برامج تحقيق التنمية المستدامة فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكافحة الفقر بتوفير أدوات الإنتاج وتحقيق التكافل الاجتماعي والإحسان إلى الفقراء. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنـز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها، وتصديق موعدها، إلا أدخله الله بها الجنة)( ). وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة)( ).
كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدقة، ودفعها إلى الفقراء والمساكين، وبخاصة إلى المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافا. فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المسكين بالذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، إنما المسكين المتعفف، اقرءوا إن شئتم:   •  ( ))( ).
ولم يبح الإسلام المسألة إلا لمن هم في أمس الحاجة إلى المال، ويوضح ذلك الحديث الذي رواه قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: تحملت حمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها). قال: ثم قال: (يا قبيصة: إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة فحلّت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا)( ).
ثالثا: حماية الموارد الطبيعية وصيانتها وحماية البيئة
تحتاج التنمية المستدامة إلى حماية الموارد الطبيعية اللازمة لإنتاج المواد الغذائية وتوفير مصادر الطاقة ومواد البناء. وتتمثل هذه الموارد في التربة الصالحة للزراعة، ومصادر المياه اللازمة للري، والثروة الحيوانية (بما فيها مصائد الأسماك)، ومختلف أنواع الوقود، والمعادن.
والإخفاق في صيانة الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها الزراعة كفيل بحدوث نقص في الأغذية في المستقبل. كما أن الإخفاق في صيانة الموارد اللازمة للصناعة كفيل بحدوث نقص في توفير متطلبات الحياة والحضارة من معدات وآلات وإنشاءات ... إلخ. ولهذا فإن ترشيد استهلاك الموارد والثروات الطبيعية يُعَدُّ إحدى الآليات الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة. كما أن ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية يُعَدّ من أهم الوسائل العملية لحماية البيئة، والمحافظة عليها.
وقد اهتم الإسلام بهذه القضية، فحثّ الأفراد على الاعتدال في شؤون الحياة كافة، فلا إفراط ولا تفريط، ولا إسراف ولا تقتير. وقد جعل الله عز وجل قضية الترشيد في الإنفاق والاستهلاك من صفات المؤمنين، فقال تعالى: "          "( ) وقال تعالى أيضا: "        "( ). ويكون الترشيد باستخدام أو استهلاك الموارد حسب الحاجة إليها وبشكل منظم ومخطط، إذ إن هناك ثروات وموارد غير متجددة (مثل مصادر الوقود الأحفوري من النفط والفحم) تنفد بالاستهلاك بشكل تدريجي، ولكي نستفيد من هذه الموارد أطول فترة ممكنة يجب علينا ترشيد استهلاكها.
والإسراف في استنـزاف الموارد واستهلاكها يمثل نوعا من الأنانية المذمومة، إذ إنه يؤدى إلى حرمان الآخرين من هذه الموارد، كما أنه يؤدي إلى قصور وسائل الإنتاج بشتى صورها عن توفير المتطلبات الأساسية للمجتمع. وعلاوة على ذلك، فإن في الإسراف إهدارا لنعم الله عز وجل، ومضيعة لها، على النقيض من الترشيد والاعتدال، فهما يعنيان المحافظة على هذه النعم والعمل على استدامتها والانتفاع بها. ويندرج تحت هذه الركيزة أيضا عدم الفساد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل، وتجنب الإسراف في استخدام الموارد، أو في استخدام المواد التي تؤثر في جودة هذه الموارد ونوعيتها، كالإسراف في استخدام الأسمدة الكيميائية والمبيدات، مما يؤدي إلى تدهور نوعية مياه الأنهر والبحيرات، وتهديد الحياة البرية، وتلويث غذاء الإنسان والحيوان والطيور.
وقد ربطت السنة النبوية الشريفة بين التنمية المستدامة والمحافظة على البيئة ورعايتها، كما ربطت بينهما وبين الإيمان، فجعلت إماطة الأذى من الطريق شعبة من شعب الإيمان، والإحسان إلى أحياء البيئة مدعاة إلى الفوز برضوان الله وجنته، والإساءة إليها توجب دخول المسيء النار.
وتحفل السنة النبوية بالعديد من النصوص التي تحث على حماية الموارد الطبيعية وصيانتها.
(1) ففي مجال المحافظة على الحياة الفطرية نجد أن السنة النبوية نهت عن قطع السدر. فعن عبد الله بن حُبشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار"( ). ومِنَ المعروف أن السدر ينبت في الصحارى، ويصبر على العطش، ويقاوم الحر، وينتفع الناس بتفيؤ ظلاله والأكل من ثماره إذا اجتازوا الفيافي في سفر أو في رحلة أو في بحثهم عن الكلأ والمرعى. والوعيد بالنار لمن قطع سدرة يدلّ على تأكيد المحافظة على مقومات البيئة الطبيعية، لما توفَّره من حفظ التوازن بين المخلوقات، وما يمثّله الاعتداء عليها من فقدان بعض العناصر الضرورية لسلامة الحياة والإنسان.
ويتسع نطاق المحافظة على الحياة ليشمل أزمنة الحروب وأراضي الأعداء والخصوم. وإذا عدنا إلى غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه نرى أنه كان حريصا على الرفق بالنساء والأطفال والشيوخ. فعن نافع أن عبد الله أخبره (أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان)( ). وعن بُريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا)( ). وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملّة رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)( ).
(2) في مجال المحافظة على المصادر المائية من التلوث، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبول في الماء الراكد حفاظا على سلامة الماء من التلوث؛ حيث إن الماء النجس لا يستفاد منه في طهارة أو شرب أو غير ذلك. ومثل البول تلويث الماء بأي ملوث (من المخلفات الصناعية أو المواد الكيماوية مثلا). فعن جابر (رضي الله عنه) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه (نهى أن يُبال في الماء الراكد)( ). وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه)( ). وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل)( ). ولا يخفى وجه النهي في ذلك؛ حيث إن مثل هذه التصرفات تحرم الآخرين من الاستفادة من كميات كبيرة من الماء. كما أن ممارسة هذه السلوكيات (أي: التبول والتبرز في الموارد) تتسبب في إفساد تلك الموارد. فالتبول أو التبرز في الماء الراكد يجعله بيئة خصبة لتكاثر الميكروبات والفيروسات التي تساعد على انتشار الأمراض المعدية. ونحن نعلم حالياً أن هناك أمراضاً كثيرة تنتج من الاستحمام في الماء الراكد الذي سبق أن تبول فيه شخص ما، من ذلك: البلهارسيا البولية، والكوليرا، والسيلان، ومرض ريترز. كما أن الماء الراكد يعد وسطاً ملائماً لنمو الكثير من البكتيريا (مثل: السالمونيلا، والشيجلا، والليبتوسايرا، وغيرها). ويحتاج كثير من الديدان والطفيليات (مثل: الزحار الأميبي، والديدان المستديرة، والبلهارسيا) إلى إكمال دورة الحياة خارج جسم الإنسان. ويساعد التبول والتبرز على نمو هذه الديدان وسرعة تكاثرها وانتشارها( ). ومما يؤسف له أن بعض مرافق الخدمات البلدية تقوم بتصريف مياه المجاري الصحية دون معالجة إلى البحار والأنهار والبحيرات. ومما يزيد من حجم الأذى الناتج عن هذا السلوك أن هذه المياه لا تحتوي على البراز فقط، بل تحتوي أيضا على كميات كبيرة من المواد الكيميائية والعضوية والجراثيم الضارة. وتمارس الشركات الصناعية سلوكا يضر بالبيئة والبشر والأحياء المائية عندما تقوم بضخ مخلفاتها من المياه العادمة الناتجة من الصناعات المختلفة في المسطحات المائية، متجاهلة أخطارها.
(3) في مجال المحافظة على المصادر المائية من الهدر؛ لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة يحتذى بها في هذا المجال. فعن ابن جبر قال: سمعت أنسا يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل - أو كان يغتسل - بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمدّ)( ). فهذا الحديث يدل على كراهة الإسراف في الماء للغسل والوضوء، واستحباب الاقتصاد. وقد علّم الرسول صلى الله عليه وسلم أتباعه هذا اللون من الاقتصاد في استخدام الماء. فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: كيف الطُّهور؟ فدعا بماء في إناء، فغسل كفيه ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه، فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: (هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص، فقد أساء وظلم)، أو (ظلم وأساء)( ).
ومن خلال الفهم الواعي لمقاصد الأحاديث النبوية التي تتعلق باستخدام الماء أجمع علماء الفقه على ضرورة الاقتصاد في الماء، وعدم الإسراف في استهلاكه، ولو كان المرء على شاطئ النهر. وقال بعض أصحاب الشافعي: إن هذا الإسراف حرام، وقال بعضهم: إنه مكروه كراهة تنـزيه( ).
(4) في مجال المحافظة على الموارد الطبيعية الأساسية (مثل المياه والمراعي) نهت السنة النبوية عن الاحتكار، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ"( ). كما نهت السنة النبوية عن بيع الموارد المائية. فعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ"( ). وقال أبو يوسف: "وتفسير هذا عندنا، والله أعلم، أنه نهى عن بيعه قبل أن يحرز. والإحراز لا يكون إلا في الأوعية والآنية، فأما الآبار والأحواض فلا"( ). وفي حديث آخر عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء"( ).
(5) في مجال المحافظة على سلامة الطرق وأماكن الظل (بما فيها الحدائق والمنتزهات العامة وما يماثلها)، روى أبو هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا اللعانين). قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: (الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم)( ).
(6) في مجال زرع السلوكيات الإيجابية المسئولة لدى الأفراد تجاه حماية الموارد وصيانتها نجد أن السنة النبوية جعلت كل فرد في الأمة مسئولا عن رعيته، وهذا يعني أن يكون قدوة لغيره في أعماله. فعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع، ومسؤول عن رعيته...)( ).
(7) في مجال الإحسان إلى البيئة، نجد أن السنة النبوية جعلت ذلك الإحسان مدعاة إلى اكتساب الثواب. فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم تنظيف الشوارع من القاذورات والقمامة (وما يشابهها مثل: عوادم وسائل النقل الضارة)، وإماطة الأذى عنها، مما يحصل به الثواب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يميط الأذى عن الطريق صدقة)( ). وإماطة الأذى كلمة جامعة لكل ما فيه إيذاء الناس ممن يستعملون الشوارع والطرقات. وقد أوضحت السنة النبوية ذلك. فعن المستنير بن أخضر قال: حدثني معاوية بن قرة قال: "كنت مع معقل المزني، فأماط أذى عن الطريق، فرأيت شيئا فبادرته، فقال: ما حملك على ما صنعت يا ابن أخي؟ قال: رأيتك تصنع شيئا فصنعته. فقال: أحسنت يا ابن أخي! سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أماط أذى عن طريق المسلمين كتبت له حسنة، ومن تقبلت له حسنة دخل الجنة)( ). بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل إماطة الأذى شعبة من شعب الإيمان، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)( ). والإحسان إلى البيئة أيضا وسيلة لنوال مغفرة الله والفوز بالجنة. فقد روى أبو هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنـزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنـزل البئر فملأ خفه ماء، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له). قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: (في كل ذات كبد رطبة أجرا)( ). وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما كلب يطيف بركية، كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنـزعت موقها، فسقته فغفر لها به)( ). وفي مقابل ذلك فإن الإساءة إلى البيئة وما فيها من أحياء مدعاة إلى التعذيب في نار جهنم والعياذ بالله. فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عُذِّبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)( ).
وما من شك في أن تحقيق مبدأ التنمية المستدامة يتطلب من الإنسان أن يتعامل مع البيئة برفق وإحسان، فيأخذ منها ويعطيها، ويرعى لها حقها لتؤتي له حقه. فعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء...) ( ). والإحسان يعني: الإحكام والإتقان، والرفق والإشفاق. ويتضمن ذلك الإحسان: المحافظة على الموارد الزراعية والبيئة الطبيعية وبخاصة أن في ذلك منافع اقتصادية ضخمة للإنسان. فعلى سبيل المثال، فإن المحافظة طويلة الأمد على الغابات، أو السياحة البيئية بشكل عام، تتفوق على أي مكسب قصير الأجل ينتج من استغلال الحياة البرية والموارد الطبيعية. والحفاظ على الشعاب المرجانية يمكن أن يجلب المزيد من السياحة أكثر مما يجلبه الصيد على مستوى واسع في مثل هذه الأماكن البيئية الهشة.
(8) في مجال حماية البيئة والأماكن العامة من الروائح الكريهة نجد أن السنة النبوية نهت من أكل ثوما عن مجرد الاقتراب من المسجد حتى لا يؤذي المصلين برائحة الثوم التي تنبعث من فمه. فعن ابْن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ في غَزْوَةِ خَيْبَرَ: (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِى الثُّومَ - فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا)( ). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، وَلاَ يُؤْذِيَنَّا بِرِيحِ الثُّومِ)( ). وتندرج تحت قائمة الروائح الكريهة أية روائح مماثلة لرائحة الثوم (مثل رائحة البصل والكراث، أو رائحة حرق التبغ، أو روائح الغازات الكبريتية المنبعثة من محطات معالجة مياه المجاري، ومن المصافي النفطية)، أو تلك الروائح التي تسبب ضررا للإنسان كما تفعله رائحة الثوم.
(9) في مجال الصحة الوقائية نهت السنة النبوية عن مخالطة الإنسان المريض بمرض معدٍ لآخر صحيح، وذلك درءا للضرر الذي قد يلحق الإنسان الصحيح من هذا المصاب. فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يوردن ممرض على مصح)( ). وإذا كان ورود الصحيح ممنوعا على المريض، فكيف الأمر بمن يتسبب، بغيا وعدوانا، في نشر التلوث الكيميائي أو الإشعاعي أو الميكروبي. إن دفع مثل هذا الأذى له أولية وأولوية. فعن إبراهيم بن سعد قال: سمعت أسامة بن زيد يحدث سعدا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها)( ). ويفهم من هذا الحديث الشريف أنه إذا ظهر مرض معدٍ في بلد ما، فيجب أن يضرب حوله حصار شديد، فيمنع الدخول إليه والخروج منه، وذلك حتى تنكمش رقعة الداء في أضيق نطاق. وقياسا على ذلك، إذا حدث طاعون بيئي معاصر (مثل: انفجار معمل للغازات السامة، أو مفاعل نووي) فيجب حظر الدخول إلى منطقة هذا الطاعون، ولا يسمح بذلك إلا بعد تبدُّد أثر الملوثات، أو اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بعدم تعرض الداخلين للأذى (مثل: ارتداء معدات الوقاية الشخصية، واستعمال الأقنعة الواقية من الغازات السامة...، إلخ).
(10) في مجال تنظيم استخدام الموارد الطبيعية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من قضى بين المتخاصمين في حقوق استغلال الماء في دولة الإسلام. فعن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما أنه حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرّح الماء يمر. فأبى عليه. فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: "اسْقِِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك"، فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك؟، فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر". فقال الزبير: والله إني لأحسب أن هذه الآية نـزلت في ذلك: (         ( ))( ).
(11) في مجال المحافظة على التوازن البيئي، دعا الإسلام إلى المحافظة على هذا التوازن. ومن المعروف أن الله خلق كل شيء بقدر، وجعل التوازن ينتظم كل شيء، قال تعالى: (          •)( ). وقال عز وجل: (   )( ). وقال تعالى: ( •   )( ).
ولتحقيق مقصد المحافظة على التوازن البيئي دعت الشريعة الإسلامية إلى نبذ الإسراف بشتى صوره، بمعنى أن تستغل النظم البيئية استغلالا علميا رشيدا ومستداما، وفقا لمنهج "الوسطية"، فلا إفراط أو تفريط. فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا، ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة)( ).
(12) في مجال المحافظة على التنوع الحيوي دعت السنة النبوية إلى عدم إفناء أمم الطير والحيوان، نظرا لأهمية ذلك في تحقيق التوازن البيئي، إذ إن التنوع الحيوي يوفِّر القاعدة الأساسية للحياة على الأرض. وتُعَدّ الحياة الفطرية مصدرا رئيسيا لتزويد الإنسان بالغذاء والمواد الخام اللازمة لصناعة ملابسه، وتتيح له المجال لممارسة هواياته في الصيد أو في التريض والترويح عن النفس. ولعل ما هو أهمّ من ذلك أن لكثير من الأنواع الحية دوراً أساسيا في استقرار المناخ وحماية موارد المياه والتربة. كما أن كثرة الأنواع الحية توفر مخزونا غنيا للمعلومات عن السمات الوراثية (الشيفرات) التي ترشدنا إلى اختيار محاصيل جديدة وتساعدنا على تحسين الأنواع الموجودة حاليا. وتُفقَد بعض هذه المعلومات نهائيا عندما يختفي نوع رئيسي أو فرعي من أنواع الكائنات الفطرية( )، حتى لو كان هذا النوع من الكلاب أو النمل. فعن عبد الله بن مغفل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها كلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم)( ). وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة، فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة؟)( ). وما ينطبق على أمتيّ الكلاب والنمل ينطبق على سائر أمم الحيوان والطير والحشرات.
(13) في مجال المحميات الطبيعية ألغى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظام المحميات القبلية التي كانت مصدرا للحروب والنـزاعات البيئية في الجاهلية. فقد كانت ندرة الموارد الطبيعية بسبب ظروف الجفاف وقِلَّة المسطحات الخُضْر سببا في نشأة نظام المحميات في بلاد العرب وشيوعه في الجاهلية. وكان الشريف من العرب إذا نـزل بلدا في عشيرته استعوى كلبا، فحمى لخاصته مدى عواء الكلب، فلا يرعى في هذه المنطقة أحد غيره. وعلى الرغم من الفوائد التي جناها أصحاب هذه المحميات منها، فإن محمياتهم كانت سببا في العديد من النـزاعات البيئية التي احتدمت حدّتها بينهم وبين الآخرين. فكان من الطبيعي أن تحدث تجاوزات لنظام الحِمَى في الجاهلية، إذ كانت المحميات عرضة للمطامع دائماً، ومحلاً للصراع بين القبائل. وجاء الإسلام فوضع حدا لهذه النـزاعات من خلال ما سنته الشريعة الإسلامية من قواعد تنظم أسس التعامل مع البيئة، وتحفظ حقوقها، وتمنع الاعتداء عليها. كما وضع الإسلام حداً للحروب التي كانت تقوم بين القبائل بسبب المراعي وآبار المياه. فعن الصعب بن جَثّامة قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا حمى إلا لله ولرسوله)، وقال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر حمى الشرف والربذة"( ). ويرى السمهودي أن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا حمى إلا لله ورسوله) يعني: أنه لا حمى على هذا المعنى الخاص، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يحمي لمصالح عامة المسلمين، لا لما حمَى له غيره من خاصة نفسه، وذلك أنه لم يملك إلا ما لا غِنى به وبعياله عنه ... وقال: "وقد حمى بعده (عمر) رضي الله عنه أرضا لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حماها"( ). وعن ابن عمر - رضي الله عنهما – (أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيله)( ). وقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة كما حمى إبراهيم عليه الصلاة والسلام منطقة الحرم في مكة، فلا يمس فيهما حيوان إلا المؤذي، ولا نبات إلا ما اقتضته الضرورة. وحدّدت السنة النبوية حمى كل من المدينة المنورة ومكة المكرمة الذي لا يجوز انتهاكه عن طريق العدوان على الإنسان أو صيد الحيوان أو قطع الأشجار. فعن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: قال علي رضي الله عنه: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتابُ الله غير هذه الصحيفة، قال: فأخرجها، فإذا فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل. قال: وفيها: "المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين..."( ). وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أُحُد فقال: (هذا جبل يحبنا ونحبه. اللهم إن إبراهيم حرَّم مكة، وإني أحرِّم ما بين لابتيها)( ). وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه كان يقول: لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين لابيتها حرام)، وزاد في رواية بعد قول أبي هريرة: ما ذعرتها: "وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى"( ). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: (إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلّ لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضَد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه). فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، فإنه لقينهم ولبيوتهم، قال: (إلا الإذخر)( ).
وحظرت الشريعة الإسلامية على كل من أحرم بالحج أو العمرة أن يقتل صيدا أو يقطع شجرة في الحرم أو يكسرها أو يحرقها، أو يزيل نباتا إلا ما كان منه يابسا ولحاجته. ولو تصورنا أن الأعداد الكبيرة من الحجيج سُمِح لها بقطع الأشجار في موسم الحج وحده (الذي يتغير موعده عاما بعد عام) فإن النتيجة النهائية لذلك هي استئصال مظاهر الحياة النباتية جميعها في مكة المكرمة، وستختفي مع ذلك الأحياء الحيوانية التي تعتمد على هذه النباتات في غذائها ومأواها.
(14) في مجال القدوة الحسنة في السلوكيات الإيجابية المرتبطة بالتنمية المستدامة ورعاية البيئة كانت أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه خير مثال يحتذى بها في هذا المضمار. ففي الاقتصاد في استخدام الماء حتى في غرض ديني مثل الوضوء، قال أنس (رضي الله عنه): (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل - أو كان يغتسل - بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد)( ). وعن عائشة (رضي الله عنها) أنها (كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد، أو قريبا من ذلك)( ). وكان أبو جعفر عند جابر بن عبد الله هو وأبوه وعنده قوم فسألوه عن الغسل، فقال: يكفيك صاع، فقال رجل: ما يكفيني. فقال جابر: (كان يكفي من هو أوفى منك شعرا، وخير منك)( )، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي تحمل الجوع والاقتصاد في تناول الطعام، قال جابر (رضي الله عنه): "إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كيدة شديدة، فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: (أنا نازل). ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا... الحديث"( ). وقالت عائشة (رضي الله عنها): (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض)( ) وفي رواية لمسلم عن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير، يومين متتابعين، حتى قُبض)( ). وعن عروة عن عائشة أنها قالت لعروة: (والله يا ابن أختي: إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال: ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. قال: قلت: يا خالة: فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها، فيسقيناه)( ). وقالت عائشة (رضي الله عنها) أيضا: (ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر)( ). وعن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه، فأبى أن يأكل. وقال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا، ولم يشبع من خبز الشعير)( ). وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في غير رمضان، فعن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الاثنين والخميس)( ). وعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة: (أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم. فقلت: من أي الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي الشهر يصوم)( ).
وفي الرفق بالحيوان روى ابن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه حمار قد وُسِم في وجهه، فقال: لعن الله الذي وسمه)( ). وعن عبد الله بن جعفر (رضي الله عنهما) قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسرّ إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش النخل، فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكن، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟! فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه)( ). وعن سهل بن الحنظلية قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة)( ).
المبحث السادس: القواعد الفقهية المتعلقة برعاية البيئة:
ثمة قواعد فقهية عامة استنبطها علماء المسلمين من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي قواعد تعدّ مفخرة للمسلمين، لكونها قد سبقت التشريعات البيئية المعاصرة وتفوقت عليها. وعلينا أن نسعى إلى تفعيلها في مجال دفع الضرر بكل صوره وألوانه، بما في ذلك الضرر الذي قد يحيق بالبيئة من جراء تصرفات الإنسان وسلوكياته غير الحميدة. وعلينا أيضا أن نعمل على إحيائها والاحتكام إليها لحل النـزاعات البيئية التي تواجهها البشرية حاليا، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو الأفراد.
وهذه القواعد هي:
(أ) قاعدة (الضرر يزال). وتستند هذه القاعدة إلى الحديث الذي رواه عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن (لا ضرر ولا ضرار)( ). وتعني هذه القاعدة أن لكل فرد مطلق الحرية في أن يتصرف فيما يملك إذا انعدم الضرر، فإذا حدث ضرر للغير فلولي الأمر الحق في التدخل واتخاذ كل ما من شأنه أن يحول دون وقوع الضرر الذي قد يلحق ببعض مكونات البيئة أو التخفيف منه أو حتى إزالة مصدر هذا الضرر، لسد الذرائع المؤدية إلى الفساد. وعلى سبيل المثال، من غير الجائز لأحد أن يفسد على الجماعة حقها في الانتفاع بأحد مواردها. كما أنه ليس من حق أحد أن يسيء استخدام ممتلكاته بحيث يلحق الضرر بالآخرين. "فإذا وضع رجل في بيته آلة تصدر اهتزازات تؤثر في سلامة حائط الجار، كان للقاضي أن يحكم بإزالة هذه الآلة، وكان على السلطة التنفيذية تحقيق ذلك"( ). وما ينطبق على الفرد ينطبق على الدول أيضا، فليس من حق دولة أن تتصرف في مياهها الإقليمية بالشكل الذي يلحق أضرارا بيئية بجاراتها أو بدول أخرى يمكن أن ينتقل إليها التلوث البحري الذي يتصف بأنه لا يعترف بالحدود الجغرافية. ويمتد دفع الضر ليشمل الطير والحيوان. فعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها). ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: (من حرق هذه؟) قلنا: نحن. قال: (إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)( ).
(ب) قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح: وقد استنبط الفقهاء هذه القاعدة من الحديث الذي رواه أبو هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه. وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم. فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم)( ). فإذا كان استغلال موارد البيئة لتحقيق منفعة ذاتية ومؤقتة سوف يتسبب في الإضرار بهذه الموارد وإفسادها، ويتسبب في استنـزافها، فلا يُسمَح بها، إذ إن منع الضرر والفساد يجب أن يقدم على أي منفعة عند استغلال البيئة.
(ج) قاعدة الضرر يزال بقدر الإمكان (ولاسيما الضرر الفاحش). ولولاة الأمور الحق في إجبار من يحدث ضررا في البيوت أو الشوارع أو الأسواق أو البيئة بوجه عام بإزالة الأضرار الناتجة عن أعمالهم وتصرفاتهم، والتي قد يترتب عليها الإضرار بالناس أو بالحيوانات أو بجودة البيئة.
(د) قاعدة الضرر لا يزال بضرر مثله (بله بما هو أكبر منه). فإذا تساوى الضرر الذي يلحق بالبيئة بالضرر الذي ينتج منه حرمان صاحب حق الملكية لمشروع ما من استعمال حقه، فإنه لا يجوز لإزالة الضرر الذي يلحق بالبيئة حرمان صاحب الحق من استعمال حقه. وإذا كان هناك مصدر لتلويث الهواء في منطقة معينة (مصنع مثلا)، فلا يزال المصنع لتنشأ مكانه محرقة قمامة.
(هـ) قاعدة الضرر الأشد يزال بالأخف: حينما تتعارض المصالح المتعلقة بالبيئة مع مصالح الفرد تطبق هذه القاعدة. ويتفرع من هذه القاعدة قاعدتان أخريان هما:
1- يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام: ومثال ذلك: تقييد استعمال حق المالك في إقامة فرن خبز في سوق البزازين( )؛ حتى لا يتسبب الشرر الناتج من الفرن في احتراق المنتجات الحريرية المعروضة في السوق. وانطلاقا من هذه القاعدة نجد الكثير من الفقهاء يجيزون انتزاع ملكية عقار خاص إذا ضاق الطريق على المارة( ). وقياسا على ذلك، يمنع إقامة مصنع للأسمنت مثلا وسط حي سكني، منعا للضرر الذي يعود على أهل هذا الحي( ).
2- يختار أهون الشرين أو أخف الضررين. فمثلا إذا تعذر نقل النفايات المنـزلية إلى مناطق غير مأهولة بالسكان، وأريد حرقها للتخلص منها، فيمكن أن يجرى ذلك قرب المناطق البعيدة نسبيا ذات التعدد السكاني الأقل، بدلا من حرقها في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية( ).
(و) قاعدة الموازنة بين المصالح: وتعني هذه القاعدة أن المصالح إذا تعددت وتعارضت فإنه يعمل بالترجيح بينها، وتغليب الأهم منها على ما دونها. ومثال ذلك أن يقدم المرء شراء المنتجات الصديقة للبيئة على المواد الضارة بها أو المستنـزفة لطبقة الأوزون مثلا.
(ز) ما جاز بعذر بطل بزواله: من حق ولي الأمر وقف بعض الأعمال إذا كان ضررها على بيئة الإنسان أكثر من نفعها، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وإذا كانت الجماعة تحتاج إلى الأعمال التي يترتب عليها ضرر فإن حاجتها تنـزل منـزلة الضرورة في إباحة المحظور، على أن يدفع الضرر بقدر الإمكان، وأن تقدر الضرورة بقدرها. وبمجرد زوال الحاجة إلى تلك الأعمال، فعلي ولي الأمر وقفها لأن ما جاز بعذر بطل بزواله.
(ح) ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام: يقع تحت طائلة الحرام هنا كل ما يضر الناس، ومن ثم فإن أي مصدر يضر الناس في صحتهم أو راحتهم، مثل ابتعاث غازات تؤذيهم، أو إحداث ضوضاء تقلق راحتهم، يعدّ أمرا غير مقبول.
(ط) ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب: فمثلا، إذا كان من مقتضيات الحد من تلوث البيئة في بلد ما ضرورة استصدار مرسوم أو وضع معايير تحدد مواصفات الملوثات التي تقذف بها عوادم المصانع والسيارات في بيئة هذا البلد، فإن استصدار مثل هذا المرسوم يصبح واجبا، لأن الواجب الأصلي (حماية الناس من أضرار التلوث) لا يتم إلا به( ).
(ي) ولي الأمر في خدمة الرعية: وهذا يقتضي أن تعمل السلطات جميعها بما يحمي المجتمع من خطر يحدق به أو يتهدده، أي التوقي من الضرر حتى لا يقع، واتخاذ الإجراءات التصحيحية لعلاج هذا الخطر في حالة وقوعه. فمثلا، إذا تعرض الناس لخطر تلوث الهواء في منطقة معينة بسبب سوء الصيانة في مصنع معين فيها، فعلى ولي الأمر العمل على إزالة مصدر هذا الخطر.
(ك) تدخل ولي الأمر منوط بالمصلحة: من واجب ولي الأمر رعاية مصالح الرعية والمحافظة على تنفيذ الأحكام. وولي الأمر نائب عن الأمة في تنفيذ شرع الله ، ولهذا فتدخله في شئون الرعية منوط بتحقيق مصالحهم ورعاية شئونهم( ). فإذا وقعت مفسدة كان على ولي الأمر التدخل لدرئها، ولكن هذا التدخل ليس مطلقا، وإنما هو مقيد – فقط – في حدود ما يجلب النفع ويبعد الضرر.
الخاتمة:
من استقراء السنة النبوية يجد الباحث أنها وضعت قواعد وقيما عظمى لتحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة، وأنها حثت على العمل وتحقيق التنمية المتكاملة بمختلف صورها، وعملت على حماية المخلوقات التي تعيش على الأرض والإحسان إليها، بما في ذلك حماية الإنسان من شرور نفسه ومن ظلم أخيه الإنسان، مع الاستفادة مما في الأرض من موارد ومقدرات وفق ضوابط خاصة من غير إفراط ولا تفريط. ولم تقتصر السنة النبوية في هذا المجال على تحديد أساليب الثواب للمحسنين للبيئة والعقاب للمسيئين لها، بل تعدّت ذلك إلى جعل أخلاقيات التعامل مع البيئة سلوكا حميدا يجب أن يلتزم به المسلم ويراقب في أدائه ربه.

أهم نتائج الدراسة
1- إن طبيعة القضايا البيئية المستجدة تقتضي المعالجة الشرعية لها، حتى نحافظ على الكوكب الذي نعيش فيه ونتركه سالما لأبنائنا والأجيال القادمة.
2- إن نجاح برامج التنمية المستدامة يعتمد بصورة أساسية على مراعاة القيم الأخلاقية في مجال التعامل مع البيئة واستغلال الموارد الطبيعية.
3- إن العمل والإنفاق لعمارة البيئة والكون من فروض الكفاية التي إذا قام بها بعضهم سقطت عن الآخرين.
4- يجب أن ننظر إلى عمارة الأرض على أنها نوع من العبادة التي كلف بها الإنسان في الإسلام.
5- إن المقصد العام لرعاية البيئة والمحافظة عليها في الإسلام هو توفير الحياة الآمنة للإنسان، وحماية مصالحه الاقتصادية، وتوفير حاجاته المعيشية وغيرها، وحماية سائر الأحياء والمخلوقات الأخرى التي هي مسخرة لخدمته.
أهم التوصيات:
1- ضرورة التأصيل للقيم الحضارية المعاصرة استنادا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية.
2- إعادة قراءة السنة النبوية من منظور عصري لاستخلاص المبادئ والأفكار التي تفيد في حل قضايا التنمية المستدامة المعاصرة والمحافظة على البيئة وثرواتها، وضرورة ترجمة هذه المبادئ إلى اللغات الأخرى لتعريف غير المسلمين بالدور العظيم لنبي الإسلام في هذا الموضوع، وكيف أنه كان رحيما بالبيئة محسنا لهان على النقيض من أولئك الزعماء الذين يتشدقون الآن ببرامجهم البيئية وفي الوقت نفسه لا يتورعون عن تدمير البيئة باستخدام أسلحة الدمار الشامل في حروبهم.
3- يجب دراسة قضايا التنمية المستدامة وحماية البيئة من منظور إسلامي، وتعريف الآخرين بذلك، نظرا لأهمية ذلك في التصدي للمشكلات البيئية التي يعاني منها العالم حاليا.
4- التأكيد على أهمية التعاون بين الباحثين الشرعيين والبيئيين لمعالجة قضايا التنمية المستدامة والبيئة.
5- يجب أن تراعى القيم الأخلاقية المتعلقة بحماية البيئة في برامج التنمية المستدامة ومشروعاتها التي يجري تنفيذها في دول العالم الإسلامي.
6- تضمين مناهج التعليم في المراحل المختلفة منهج الإسلام في حل قضايا التنمية المستدامة والتعامل مع البيئة والمحافظة عليها، ووضع الحلول لمشكلاتها وفق الشريعة الإسلامية.
7- دعوة المفكرين والفقهاء والباحثين وخبراء التنمية المستدامة إلى التعاون فيما بينهم لعرض الرؤية الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة وسبل تحقيقها في دول العالم الإسلامي، والعمل على تصحيح المسار وبيان مواطن الخلل كلما أتيحت لهم الفرصة في المحافل العلمية والفكرية.

فهرس المصادر والمراجع
أ#- القرآن الكريم
ب- الكتب:
1- الأدب المفرد، الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: سمير بن أمين الزهيري، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، 1419هـ / 1998م.
2- الأشباه والنظائر، السبكي (تاج الدين عبد الوهاب بن علي)، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
3- الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية، السيوطي (جلال الدين بن عبد الرحمن)، دار الباز للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، بدون تاريخ.
4- بعيدا عن اليسار واليمين، أنطوني جيدنز، ترجمة: شوقي جلال، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت ، سلسلة عالم المعرفة، الكتاب رقم 286، رجب 1423هـ / أكتوبر 2002م.
5- البيئة: مشاكلها وقضاياها وحمايتها من التلوث (رؤية إسلامية)، محمد عبد القادر الفقي، مكتبة ابن سينا، القاهرة، 1993.
6- البيئة والتنمية المستدامة، سعاد عبد الله العوضي، الجمعية الكويتية لحماية البيئة، الكويت، الطبعة الأولى، 1424 هـ/ 2003م.
7- تاريخ أسماء الثقات، عمر بن أحمد أبو حفص الواعظ، تحقيق: صبحي السامرائي، الدار السلفية، الكويت، الطبعة الأولى، 1404 هـ/ 1994م.
8- تحفة الأحوذي، المُبَارَكْفوري (أبو العلا)، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ، الجزء الخامس، صفحة 213.
9- تلوث الهواء: المشكلة والحل، د. صبري الدمرداش، الأمانة العامة للأوقاف، الصندوق الوقفي للمحافظة على البيئة، الكويت، 2000م.
10- التنوع الأحيائي، د. عبد الحكيم بدران، سلسلة قضايا بيئية، الكتاب رقم 44، الجمعية الكويتية لحماية البيئة، الكويت، ربيع الآخر 1416 هـ / سبتمبر 1995 م.
11- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف بن الزكي عبد الرحمن أبو الحجاج المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400 هـ / 1980 م.
12- الخراج، أبو يوسف (يعقوب بن إبراهيم)، تحقيق: د. محمد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، القاهرة، 1981.
13- سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ.
14- سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، ضبط وفهرسة: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1417هـ.
15- سنن الترمذي، الإمام الحافظ محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، الضبط والفهرسة: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، 1417 هـ.
16- شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410 هـ .
17- صحيح البخاري، الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، مراجعة وضبط: الشيخ محمد علي القطب والشيخ هشام البخاري، المكتبة العصرية، صيدا/ بيروت، 1424 هـ/ 2004م.
18- صحيح الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، اختيار وتحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1402هـ/ 1982م.
19- صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير)، محمد ناصر الدين الألباني، أشرف على طبعه: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت/ دمشق، الطبعة الثالثة، 1408هـ/ 1988.
20- صحيح مسلم بشرح النووي، محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، مكتبة الإيمان، المنصورة بمصر، بدون تاريخ.
21- عمارة الأرض في الإسلام، جميل عبد القادر أكبر، دار القبلة للثقافة الإسلامية بجدة ومؤسسة علوم القرآن ببيروت، 1412هـ / 1992 م.
22- عناصر الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي والنظم الاقتصادية المعاصرة: دراسة مقارنة، الدكتور صالح حميد العلي، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق/ بيروت، بدون تاريخ.
23- عناية الاقتصاد الإسلامي بالصناعة على المستويين النظري والعملي، د. بيلي إبراهيم أحمد العليمي، بدون ناشر، الطبعة الأولى، 1422 هـ/ 2001م.
24- عون المعبود في شرح سنن أبي داود، العظيم آبادي (أبو الطيب)، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ.
25- غمز عيون البصائر على الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي، الحموي (أبو العباس، شهاب الدين أحمد بن محمد مكي الحسيني)، دار الطباعة العامرة، الأستانة، 1290 هـ.
26- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، رقّم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الريان للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1407 هـ / 1987م.
27- لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ/ 1990م.
28- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي (علي بن أبي بكر)، دار الريان للتراث/ دار الكتاب العربي، القاهرة/ بيروت، 1407 هـ.
29- مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني، مؤسة قرطبة، القاهرة، بدون تاريخ.
30- معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية، الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث، 1409هـ/ 1989م.
31- معجم البلدان، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ.
32- المعجم الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، الطبعة الثانية، 1404 هـ / 1989 م.
33- معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم، أبو القاسم الحسين بن محمد المفضل المعروف بالراغب الأصفهاني، ضبطه وصححه وخرج آياته وشواهده: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ/ 1997م.
34- المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، وزارة التربية والتعليم، القاهرة، 1422هـ/ 2002م.
35- المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الأمواج للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية، 1407 هـ/ 1987م.
36- الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1417هـ / 1996م.
37- موطأ مالك، مالك بن أنس (أبو عبد الله الأصبحي)، دار إحياء التراث العربي، القاهرة، بدون تاريخ.
38- نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، جمال الدين عبد الله بن يوسف أبو محمد الزيلعي، تحقيق: محمد يوسف البنوري، دار الحديث، القاهرة، 1357 هـ .
39- نيل الأوطار، محمد بن علي الشوكاني، دار الجيل، بيروت، بدون تاريخ.
40- وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، السمهودي (نور الدين علي بن أحمد)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الرابعة، 1984م.
41- Van Nostrand Scientific Encyclopedia، Edited by Douglas M. Considine، Van Nostrand Reinhold Company، New York، U.S.A 1976.
ج_ الدوريات:
1- الإسلام وحماية البيئة، د. محمود صالح العادلي، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الرياض، العدد23، السنة السادسة، ربيع الآخر- جمادى الآخرة 1415هـ/ أكتوبر - ديسمبر 1994م.
2- المبادئ الإسلامية المتعلقة بالتحكم في الأمراض السارية وأثرها في الوقاية من هذه الأمراض، د. عدنان أحمد البار و د. جنق ليو، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الحادي عشر، السنة الثالثة، ربيع الآخر - جمادى الأولى - جمادى الآخرة 1412هـ / أكتوبر – نوفمبر – ديسمبر 1991م.
3- منهج الإسلام في الحفاظ على البيئة من التلوث، د. عدنان أحمد الصمادي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، السنة السابعة عشرة، العدد الحادي والخمسون، شوال 1423 هـ/ ديسمبر 2002م.