بذلت جهدا كبيرا لاقنع زملائي بالذهاب الى دار الكتب
لانها افضل مكان يمكنك من خلاله مطالعة الكتب في شتى المجالات والاطلاع على ذاكرة مصر
كما اننا سنستمتع بكل دقيقة في هذا المكان الرائع
وافق رفاقي على مضض
منهم من استحسن الفكرة
ومنهم من سايرني في رغبتي تلك
والحمد لله وصلنا الى دار الكتب وصعدنا الى قاعة الاطلاع بالدور الخامس
قمت بعمل البحث الالى باستخدام اجهزة الحاسب المخصصة لهذا الغرض
وبسهولة تامة ظهرت لنا قائمة باسماء الكتب
وأرقامها وكل المعلومات الخاصة بالكتب في مجال البحث
قمنا يتعبئة عدد 4 نماذج استعارة حتى نحصل على الكتب للقراءة
وسلمنا النماذج للموظف المختص
الذي رفض استلام النماذج الاربعة لأن النظام يسمج بكتابين فقط في كل مرة
استجبنا لطلبه طبعاً وسلمناه طلبا بكتابين فقط
طلب منا الجلوس والانتظار حتى يتم احضار الكتب من المخزن
جلسنا
وجلسنا
وطالت جلستنا
تملكنا شعوراً بالملل لم يدم طويلاً
فسرعان ما تجمعت بعض الموظفات على مكتب زميلتهن واخذن في الكلام والضحك بصوت عال لم يدع لزوار القاعة اي مجال للملل فقد كان الحديث ممتعاً بلا شك
تواصل العرض وارتفعت الضحكات حتى وصلت للقاعات المجاورة
وكم كان حديثهن مسلياً
فقد تعرفنا جميعاً على اسمائهن واماكن سكنهم وعائلاتهن
وكيف استطاعت احداهن شراء فستان بـخمسين جنيهاً فقط بفضل قدرتها غير العادية على الفصال
وكم كان حديثهن عن زميلتهم شادية مسلياً
وتطرق الحديث الى موضوعات اخرى مثل
متى كانت أول حداثة قيادة لاحداهن
و" أنا من السيدة وأصلاً من المنوفية واللي مش عاجبه يعض جزمتي اللى شارياها بـ 85 جنيه"
ايضاً وفر لنا هذا العرض المتواصل معرفة كبيرة بأهم المواصلات الى السيدة زينب والساحل وبعض أماكن القاهرة
وحفاظاً منهن على الا يمل الجمهور تطوعن باطلاق الضحكات العالية التي تتحدى أي عوازل صوت تم اختراعها في المجتعات الراقية
وبفضل ذلك لم نجد صعوبة والحمد لله في متابعة حديثهن الممتع على الرغم من جلوسنا في أبعد مكان عنهن داخل القاعة
كل هذا ولم تأت الكتب بعد
بعض رواد القاعة المساكين شعورا بالملل من عدم احضار الكتب مثلنا لذلك فضلت مجموعة الموظفات الانتقال بالحديث الى موضوعات أكثر سخونة وعبارات اكثر اثارة لجمهور القاعة فانطلقت كلمات مثل "يا حمارة" و "يا غبية"
وأخيراً وبعد مرور دائق عديدة (بعد الساعة الأولى) يخرج احد الموظفين من المخزن منادياً بصوت عال باسم احد الزوار لاستلام الكتاب الذي سبق أن طلبه
كم كان محظوظاً هذا القارئ
لقد تعلقت به انظار جميع من في القاعة اذ تمكن اخيراً من الحصول على ما يريد
لا اخفي شعوراً بالحسد غمرني ورفاقي تجاه هذا القارئ الذي استطاع بصبره وجلده من الانتظار حتى حصل على مراده
لم تتح الفرصة للاجابة اذ تغيرت مشاهد العرض وظهرت على المسرح شخصية جديدة انتزعت الاهتمام من جميع من في القاعة
اذ صاحت احدى العاملات (أو هكذا بدا عليها) بالصياح بأعلى صوت وهي تسأل احد موظفي القاعة :
هو راح فين الواد.؟
ظن الجميع أن السيدة المسكينة تبحث عن ابن لها ضل في دار الكتب
الا اننا اكتشفنا خطأنا عندما تعالت ضحكات موظفي القاعة
فالعاملة تبحث عن أحد الموظفين المحترمين ولم تكن تبحث عن طفلها الصغير
ويبدو انها اعتادت على تسميته بــ "الواد"
يتواالى ظهور الشخصيات الجديدة فها هي احدى العاملات التي تقف على باب القاعة منادية بأعلى صوتها : "اللى ليه طلب تصوير يطلع"
فيتجدد لدي سؤال لا اعلنه ويظل مكتوماً بداخلي :
ما الذي اغراني للوصول الى هنا
ما الذي دفعني دون تعقل الى الحضور الى دار الكتب
مرة أخرى يتجدد لدي ولدى رفاقي شعوراً بالغربة عن المكان والاشخاص ولغة الحوار في دار الكتب
وأيقنت أنني يجب أن اتقدم لرفاقي بالاعتذار لاني تسببت في ضياع يوم كامل ولم نحصل سوى على كتاب واحد
وسائلت نفسي :
كيف تسعى هذه المؤسسات الى التفوق والامتياز وتدعي ذلك وهي الفقيرة الى أبسط مقومات الادارة
المكان مجهز بالاجهزة الحديثة واجهزة الحاسب وكاميرات المراقبة وكل ما يلزم من مقومات النجاح المادية
الا ان شيئاً آخر يأتي في مقدمة مقومات النجاح تم التغاضي عنه
فما هو ذلك الشيء؟؟