قد قال الله -عز وجل-: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21).

فمن آيات الله أن جعل قلوب الرجال تأنس إلى أزواجها وتستقر عندها؛ لأن الرجل إذا طاف البلدان، لا يستقر قلبه، فإذا رجع إلى أهله، اطمأن واستقر.


ومن آياته أنه جعل الزواج ترويحًا للنفس وإيناسًا بالمجالسة والنظر والملاعبة، وإراحة للقلب وتقوية له على العبادة، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروِّح القلب. وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات؛ ولذلك قال الله -تعالى-: (لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

ومن آياته أنه جعل بين الزوجين من المودة والرحمة ما يتوادان ويتراحمان به من غير سابقة معرفة ولا قرابة ولا سبب يوجب التعاطف، وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر من غير تراحم بينهما إلا الزوجان، وكذلك لا يحب واحد من الزوجين أن يصل إلى صاحبه شيء يكرهه مع ما طبع عليه الإنسان من حب الاستئثار، فإن الود أول التخلص من داء أثر الدنيا من الغل والشحناء، فمن ود لا يقاطع، ومن أحب واصل وآثر.

وسبحان الله فإنها آية تستحق الوقوف والتدبر والتأمل؛ فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.

ومن آياته أن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمته بها، بأن يكون لها منه ولد، أو تكون محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، وغير ذلك.

ومن آياته أنه جعل الزواج حصنًا من الشيطان، ودافعًا لغوائل الشهوة، ومعينًا على غض البصر وحفظ الفرج، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) (متفق عليه).

ومن آياته أنه جعل الزوجة الصالحة خير متاع الدنيا وأحد أسباب السعادة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) (رواه مسلم).

وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة من السعادة: المرأة الصالحة تراها تعجبك وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق) (رواه الحاكم، وحسنه الألباني).

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي) (رواه الطبراني والحاكم والبيهقي، وحسنه الألباني).

ومن آياته أنه جعل الزواج من أيسر الطرق لتحصيل الخيرات وكسب الحسنات، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله قال له: (إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ) (رواه البخاري ومسلم).

وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) (رواه مسلم).

قال النووي -رحمه الله-: "(بُضْعِ) هو: بضم الباء، ويطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه، وكلاهما تصح إرادته هنا. وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاءَ حقِّ الزوجة ومعاشرتَها بالمعروف الذي أمر الله -تعالى- به، أو طلبَ ولدٍ صالح أو إعفافَ نفسه أو إعفافَ الزوجة، ومنعَهما جميعا من النظر إلى حرام أو الفكر فيه أو الهم به، ذلك من المقاصد الصالحة" (شرح مسلم:8/183).

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "فمن المحبة النافعة محبة الزوجة وما ملكت يمين الرجل، فإنها معينة على ما شرع الله -سبحانه- له من النكاح وملك اليمين من إعفاف الرجل نفسه وأهله، فلا تطمح نفسه إلى سواها من الحرام، ويعفها فلا تطمح نفسها إلى غيره، وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتمَّ وأقوى كان هذا المقصود أتم وأكمل" (إغاثة اللهفان:2/139).