يمكن القول إن برامج تخطيط المسار الوظيفي في المنظمات مازالت مشتتة وتبدو متقطعة وغير منتظمة, ولا تمارس بطريقة علمية, كما أن المنظمات مازالت تواجه بعض المعوقات عند تطوير برامج المسار الوظيفي, الأمر الذي يمكن تفسيره بأن أي ممارسة أياً كانت لا تتبع منهجية علمية واضحة ستواجه بالطبع الكثير من المعوقات. كما يمكن القول أيضاً إن الممارسين في منظمات الأعمال في حاجة إلى منهجية مبنية على خلفية علمية حول الطريقة المناسبة لتطوير مسارات وظيفية لأفرادها. ولهذا فقد قدم الدكتور معدي آل مذهب نموذجاً مقترحاً يهدف إلى وضع تصور عملي لتخطيط وتنفيذ المسار الوظيفي.
يتكون النموذج المقترح من (4) مراحل, و(18) عنصراً مهماً. تمثل هذه العناصر خطوات فرعية للمراحل الأربع الرئيسة بني النموذج على الافتراضات الثلاثة التالية :
§ مراحل وعناصر النموذج متشابكة, ومستمرة بطريقة متدرجة، إذ لا يمكن التقرير بفصل بعضها عن الآخر بصورة قاطعة في لحياة الواقعية, خاصة في حالة كبر حجم المنظمة.
§ تعمل المنظمات التي تطبق النموذج في بيئات متغيرة, وفي حالة مستمرة من عدم التأكيد.
§ لكل منظمة ثقافتها التنظيمية التي تميزها عن بقية المنظمات, ومن الممكن أن تكيف المنظمة النموذج وفق احتياجاتها, على ألا تخل بمضمون النموذج العام.
وفيما يلي شرح لمراحل وعناصر النموذج :
أولاً : مرحلة التخطيط والقيادة :تعني في النموذج عملية التخطيط للمنظمة وقيادتها بمفهومها الواسع بحيث تشمل:
· رؤية ورسالة وأهداف المنظمة: وإستراتيجية تحقيقها لتكون كالمنظمة الشاملة لأنشطة وتوجهات المنظمة بما في ذلك أنشطة الموارد البشرية, ويحتاج ذلك إلى قيادة تقدر أهمية التخطيط وتشارك وتشرك العاملين بالمنظمة في إعداد الإستراتيجية, وتعزز تفعيلها في مرحلة التنفيذ .
· إستراتيجية للموارد البشرية:تكون شاملة لجميع أنشطة الموارد البشرية في المنظمة, بما في ذلك تخطيط المسار الوظيفي, والأهداف التي تسعى المنظمة إلى تحقيقها من برنامج المسار الوظيفي, والأنشطة التي ستنفذها , والآليات التي ستتبعها لتحقيق الأهداف, وكذلك تطوير مؤشرات أداء رئيسة للبرنامج يمكن الاسترشاد بها للتأكد من تحقيق البرنامج لأهدافه, ووضع جدول زمني للأنشطة وتحديد الإدارات المسئولة عنها.
· فريق عمل المسار الوظيفي:تتمثل مهمته في قيادة البرنامج , بالتعاون مع إدارة الموارد البشرية, ووضع الأطر اللازمة للبرنامج وآلياته, ومدى شموليته لوظائف المنظمة, وتحديد الحد الأعلى للمسار. يجب أن يقود الفريق أحد القيادات العليا في المنظمة, ويكون في عضوية الفريق أفراد مؤثرون يتمتعون بمصداقية وخبرة. وكلما مثلت الإدارات والأقسام المهمة في المنظمة , خاصة الأقسام التي بها عدد كبير من الوظائف, كان الفريق أقدر على إدارة البرنامج بنجاح. ويجب أن يكون هناك ممثل للموظفين كعضو في الفريق يتم انتخابه من قبل الموظفين, ويمكن أن يكتفى بممثل اللجنة العمالية في المنظمة التي تمثل الموظفين, إذا كان هناك مثل هذه اللجنة بالمنظمة.
· دراسة التجارب الناجحةفي تخطيط وتنفيذ المسارات الوظيفية: في منشآت أخرى, سواء كانت محلية أو دولية , تتشابه في طبيعة نشاطها مع نشاط المنظمة. ويجب فهم هذه التجارب ومعرفة نقاط قوتها وضعفها, والثقافة التنظيمية التي طورت بها, ومدى ملاءمتها للمنظمة, والبيئة التي تعمل بها.
· ورش عمليتم عقدها داخل المنظمة: بمشاركة فريق عمل برنامج المسار الوظيفي ورؤساء الأقسام والإدارات من غير أعضاء اللجنة. يتم في هذه الورش شرح الإطار العام للبرنامج وأهدافه وإستراتيجية, ووسائله, وتناقش فيها الصعوبات المحتملة وكيفية التغلب عليها. تكمن أهمية ورش العمل في المشاركة للأطراف التي ستشارك في تطبيق البرنامج مما يساعد على الحد من مقاومته فيما بعد.
ثانياً : مرحلة التصميم والبناء :هي امتداد طبيعي للمرحلة الأولى, وتستغرق في العادة وقتاً أطول. يتم التركيز في هذه المرحلة على عدة عناصر هي :
§ جدارات طبيعة نشاط المنظمة:بحيث يتم تحديد الجدارات الرئيسة التي يتطلبها نشاط المنظمة ككل, وتؤخذ في الحسبان عند التوظيف. إن منظمة خدمية على سبيل المثال تتطلب القدرة على التعامل مع العملاء, وتتطلب منظمة صناعية الاهتمام بالسلامة. وهكذا يجب أن ترصد فقط الجدارات الرئيسة التي تشكل الحد الأدنى للتوظيف والتي أن تتوافر في أي عضو جديد يدخل إلى المنظمة.
§ متطلبات الوظائف:بحيث يتم تحديد المعارف والمهارات والقدرات التي تتطلبها كل وظيفة, وتحديد المستوى المطلوب منها, ابتداء من مستوى الدخول للمنظمة دون خبرة سابقة, ثم التدرج في المستويات المتعاقبة للوظيفة دون المبالغة في عدد المستويات, وانتهاء بآخر مستوى للوظيفة.
§ المسارات الوظيفيةالتي يمكن تطويرها في البداية: بشكل رأسي لكل وظيفة مع تحديد معايير الأداء والمدة الزمنية للوصول إلى وظيفة معينة في السلم الوظيفي, ثم يتم بعد ذلك تطوير مسار وظيفي أفقي مع تحديد معايير الأداء وشروط الانتقال إلى وظيفة أخرى في المستوى نفسه.
§ توثيق سياسات البرنامج:واستخدام التقنية وإعلانها لجميع الموظفين, وتطوير أدلة إجرائية, ونماذج معينة قبل البدء في تطبيقه. وكلما استخدمت التقنية في البرنامج سعل تنفيذه, خاصة أن هناك أنظمة حاسوبية كثيرة يمكن الاستفادة منها, فنظام تخطيط موارد المشروع التابع لنظام أوراكل على سبيل المثال, يتضمن نظماً فرعية تتعلق بالمسار الوظيفي يمكن الاستفادة منها.
ثالثاً : مرحلة التنفيذ :تعد مرحلة مستمرة وتتكون من خمسة عناصر مهمة هي:
· تقييم الموظفين:لا يقصد به هنا تقييم أدائهم, بل تقييم مهارات ومعارف وقدرات كل موظف على رأس العمل وفق الدرجة التي يشغلها, وكذلك مدى تمكنه من الجدارات الرئيسة للمنظمة.
· الفرق بين تقييم الموظف والوظيفة:بحيث يتم تحديد الفرق بين المعارف والمهارات والقدرات التي تتطلبها كل وظيفة حسب مستواهاوبين ما يمتلكه شاغل الوظيفة من هذه المعارف والمهارات والقدرات. ويجب أيضاً في هذه الخطوة تحديد الفرق في الجدارات الرئيسة للمنظمة.
· خرائط الإحلالالمبنية: على قائمة بأولويات الوظائف المهمة في المنظمة, وتحديد من سيشغلها ومدى جاهزيته لشغلها وفق مدد زمنية واضحة تبدأ بشغلها حالاً, وتنتهي بشغلها خلال مدة محددة لا تتجاوز عادة سنتين. ويجب أيضاً في هذه المرحلة تحديد ما ي على تحديد دقيق للاحتياجات التدريبية للتغلب على الفرق الناتج من مقارنة متطلبات يحتاج إليه المرشح من تطوير وتدريب.
· التدريبالمبني للوظيفة: بما يمتلكه شاغلها حسب مستواها. وقد تتطلب بعض الوظائف, خاصة تلك الوظائف التي أخذت أولوية في خرائط الإحلال, خطة تطوير فردية ويجب أن تتضمن خطة التدريب جدولاً زمنياً للتنفيذ ومعايير لقياس أثر التدريب.
· التوظيف:الذي يعد صمام الأمان لجعل العملية تراكمية في المستقبل. يؤكد النموذج المقترح على أهمية الاستقطاب والتوظيف كونه عاملاً رئيساً يتحكم في المدخلات من الموارد البشرية, وذلك من خلال استقطاب الأفراد الأكفاء وشغل الوظائف التي تتوافق مع الجدارات الرئيسة للمنظمة ومتطلبات الوظيفة التي حددت في خطوات سابقة من النموذج. إن التساهل في هذه الخطوة سيفقد البرنامج مصداقيته لدى الموظفين, وسيكون أكثر تكلفة, إذ ستعاد الخطوات السابقة في مرحلة التنفيذ لكل موظف لم تطبق عليه سياسات البرنامج.
رابعاً : مرحلة التقويم :هي مرحلة مستمرة أيضاً وتهدف إلى معرفة نقاط القوة والضعف في البرنامج ومن ثم تعزيز نقاط القوة وتجنب نقاط الضعف. وتتكون هذه المرحلة من أربعة عناصر هي:
§ الأهداف:هل حقق البرنامج أهدافه؟ هل استطاعت المنظمة قياس تحقيق الأهداف؟ هل مؤشرات الأداء الرئيسة للبرنامج مناسبة؟ هلك إن للبرنامج نتائج سلبية أو إيجابية لم تكن في الحسبان عند تطويره؟
§ الممارسات:يقصد بها الأنشطة المتعلقة بتخطيط المسار الوظيفي وتنفيذه. ويطرح النموذج الأسئلة التالية: هل تم تنفيذ الأنشطة التي خطط لها؟ هل كانت هي الأنشطة مناسبة هل المسارات الوظيفية تعكس طبيعة نشاط المنظمة وتبلى حاجة الموظف والمنظمة؟ هل يجب أن تفكر المنظمة في تطوير مسارات مزدوجة أخرى؟ هل السقف الأعلى المحدد لكل مسار وظيفي رأسي مناسب؟ ما مدى رضا الموظفين عن البرنامج؟ وهل هناك أنشطة أخرى يمكن ممارستها لجعل البرنامج أكثر فاعلية؟
§ سوق العمل:يعد سوق العمل من الأسواق المتقبلة التي تحتاج إلى متابعة بحكم أنها تؤثر في العرض والطلب في قوة العمل, ومن ثم تؤثر في عمليات الاستقطاب والتوظيف, وعلى معدلات التسرب من المنظمة. لهذا يؤكد النموذج على أهمية أخذ سوق العمل في الحسبان عند تقييم برنامج المسار الوظيفي ودراسته من حيث معدلات البطالة, وندرة المهن, ومعدلات الأجور, والسياسات والأنظمة والتشريعات الخاصة بالعمل.
§ المنافسون للمنظمة في مجال نشاطها: حيث يؤكد النموذج على دراسة المسارات الوظيفية التي تطورها المنظمات المنافسة ومدى تسرب الموظفين إليها, ومستويات الرواتب, والبدلات التي تقدمها, وكذلك سمعتهم في سوق العمل ومدى جذبهم للكفاءات, والداخلين إلى سوق العمل, وإمكانية الاستفادة من خططهم وبرامجهم وتجاربهم في مجال الموارد البشرية بشكل عام, والمسار الوظيفي بشكل خاص.
آل مذهب، معدي بن محمد. (1428). برامج تخطيط المسار الوظيفي: الممارسات والصعوبات في منظمات الأعمال السعودية. مجلة الإدارة العامة، مج (47)، ع(4)، ص ص 491-523.