عندما يتم تعيين الأفراد في وظائف معينة داخل المنظمة لاشك أنهم يمتلكون مهارات وخبرات تفي بملتزمات ومتطلبات العمل آنذاك، غير أنه مع مرور الزمن، ونتيجة للتقدم الصناعي و التكنولوجي، تصبح تلك المهارات و الخبرات الأولية غير كافية، ولاهي في المستوى المطلوب. لذا يجب تطويرها وتحديثها بما يتمشى ومتطلبات العصر الحديث. إلا أن هناك أسبابا كثيرة تعوق حركة التطور هذه منهاأسباب جمود التطوير المهني أو الإداري1)
- الأفراد العاملون أنفسهم:
من الصعب معرفة طبيعة الإنسان معرفة تامة، و التنبؤ بسلوكه، فسلوك الأفراد عادة ما تحكمه عدة عوامل. وتختلف السلوكيات من شخص إلى آخر، فهناك من الأشخاص من يرغبون في التعلم و التدريب وتطوير مهاراتهم واكتساب خبرات جديدة، وهناك أفراد يقاومون التغيير و التطور و يتمسكون بإتباع الطرق القديمة. وقد يكون سبب ذلك هو الكسل أو عوامل نفسية أو صحية أدت إلى شعور الأفراد بالإحباط و الإجهاد ومقاومة التغيير. وفي حين يسعى بعض الأفراد إلى التطور واكتساب المهارات و الخبرات الجديدة باعتباره الوسيلة التي تؤدي إلى الفوز بمراكز متقدمة في العمل و تحمل مسؤوليات أكبر و الحصول على سلطات أوسع، نرى أفراد آخرين لا يرغبون في شيء من ذلك.
و إضافة إلى ما سبق فإن أعمار العاملين في المنظمات تترك أثرا كبيرا على عملية التطوير، فبينما نرى العاملين صغار السن متحفزين و يسعون إلى اكتساب المهارات الجديدة لتطوير أنفسهم، نرى كبار السن يسلكون مسلكا مغايرا، فلا يسعون إلى التطور، باعتبار أن لديهم من الخبرات و المهارات ما يكفي لأداء عملهم في المنظمة للفترة المقبلة للعمل فيها، وهم دائما يقولون: لم يبق من العمر قدر ما مضى، فلماذا نجهد أنفسنا في تعلم واكتساب الجديد ونحن على أبواب نهاية خدمتنا
2- العوامل التكنولوجية و المركز المالي للمنظمة:
التقدم الصناعي و التكنولوجي في الوقت الحاضر سريع و متطور، فكثيرا ما نسمع عن تعديلات حديثة في الآلات و المعدات الصناعية و الأجهزة الإلكترونية، حتى أن ما نراه اليوم حديثا قد يصبح قديما بعد فترة وجيزة. لذا يكون على الإدارة العليا رصد الأموال اللازمة لتحديث معداتها و أجهزتها باستمرار، لكن المنظمات ذات المركز المالي الضعيف لن تستطيع مسايرة هذا التقدم، و سيجد العاملون فيها أنهم يعملون على آلات قديمة و أن مهاراتهم و خبراتهم في هذا المجال متدنية مقارنة مع الآخرين الذين يعملون في منظمات ذات مركز مالي قوي بتحديث معداتها و تدريب عمالها عليها من فترة إلى أخرى. و لأن نظام التدريب يقوم على الأفراد الذين يتواجدون في سوق العمل. فالمشكل إذن هو في تمكين الموظفين طوال مسارهم المهني على التكيف مع التغيرات المفروضة الناتجة عن التغيرات الاقتصادية و التقنية. و يلخص ذلك جيدا أنطوان ريبود Antoine RIBOUD: يجب خلق منظمة الغد بأفراد اليوم.(1)
3- الاتصالات:
مما لا شك فيه أن لتوفر وسائل الاتصال الحديثة في المنظمة أثرا كبير على التطور الإداري فيها، إذ أن هذا التوفر سيتيح للإدارة و العاملين فيها، الاتصال السريع مع المنظمات الأخرى، للإطلاع على أحدث النظريات الإدارية ومحاولة الأخذ بها وتطبيقها في المنظمة المعنية بما يتلاءم وظروف عملها. وذلك يؤدي إلى زيادة مهارات وخبرات الأفراد العاملين على كافة مستوياتهم الإدارية. أما في حالة عدم توفر وسائل الاتصال اللازمة فإن العكس هو الصحيح.
4- الإدارة:
لا حاجة إلى القول بأن جميع الوظائف الإدارية، من تخطيط و توجيه و تنظيم وقيادة، منوطة بالإدارة على كافة مستوياتها، فهي المسؤولة عن توفير المعدات و الأجهزة الحديثة للعاملين ووضع برامج التدريب اللازمة لهم للعمل على تلك المعدات و الأجهزة، كما أنها المسؤولة عن وضع نظام للحوافز و توفير ظروف العمل التي تُرغِب العاملين في اكتساب المزيد من الخبرات و المهارات. و بالإضافة إلى كل ما سبق فإن على الإدارة تقع المسؤولية الكاملة بوضع اللوائح و القوانين و السياسات التي تحكم العمل، فالإدارة الناجحة هي التي توفر كل مستلزمات العمل وتعمل على تطوير الأفراد فيها. لكننا نجد بعض الإدارات تقوم بالتغيير ولا توفر المستلزمات اللازمة للتطوير من معدات و أجهزة و برامج تدريبية، وحوافز، بل على العكس تحاول قتل الطموح و الإبداع لدى العاملين تحت إشرافها؛ إما خوفا من ترقية أحد العاملين على حسابها، و إما لاعتقادها أن قراراتها الإدارية المبنية على خبرتها الطويلة هي وحدها الصحيحة، أما ما يقدمه الآخرون من أفكار ومقترحات حديثة فهي غير سليمة و الأخذ بها و تطبيقها مجازفة لا تحمد عقباها.
5- عوامل أخرى:
هناك عدة عوامل أخرى تساهم في عرقلة التطوير من كافة جوانبه سواء كان تطويرا إداريا أو مهنيا، ومن هذه العوامل:
أ- العوامل الاقتصادية:
فالظروف الاقتصادية السيئة للمنظمة أو البلد قد لا تساعد على توفير المعدات و الأجهزة الحديثة، لذا نرى المنظمات و الدول الغنية مثل الدول الأوربية و اليابان و الولايات المتحدة و دول الخليج العربي غالبا ما توفر كل ما هو حديث من المعدات و الأجهزة لكافة العاملين في المنظمات داخل مجتمعاتها على عكس الدول الفقيرة العاجزة عن مجاراة التقدم الصناعي و التكنولوجي.
ب- العادات و التقاليد:
إذ أن تمسك أفراد المجتمع ببعض العادات و التقاليد القديمة يدفعهم إلى مقاومة ما هو جديد، و بالتالي ينعكس على تخلفهم حضاريا ومهنيا و إداريا.
ج- القوانين الحكومية:
قد تضع بعض الحكومات قوانين تمنع استيراد الأجهزة و المعدات الحديثة أو تشغيل العمالة الأجنبية ذات الكفاءة العالية لارتفاع تكاليفها، مما ينعكس سلبيا على التطوير بكافة جوانبه.
(1) محمد فالح صالح، إدارة الموارد البشرية عرض وتحليل، عمان، دار الحامد للنشر و التوزيع، 2004، ص ص130-133.
(2) J, GAUTIE, Les Politiques de l'Emploi, Paris, Vuibert, 1993, p 115.