طغى في السنوات الأخيرة هاجس البطالة بين المواطنين في بلد ينعم بمقومات اقتصادية متينة من حيث الموارد البشرية والمادية. انتشار البطالة وتفاقمها طرح تساؤلات عن السعودة بين الماضي والحاضر وخصوصا مع نشر تقرير إحصائي أظهر أن العدد الإجمالي للقوى العاملة من الوافدين بلغ 8.6 ملايين شخص، مع وجود بطالة بين المواطنين في تزايد مستمر بلغت حتى الآن 600 ألف على أقل تقدير.

عند بدء نشأة المملكة وقبل اكتشاف البترول كان هناك تكامل اقتصادي يعتمد على إمكانات متواضعة من مواد أولية محلية وحرف بسيطة تدار بأيدي وطنية. كان الموطنون يقومون بكافة الأعمال مهما كانت شاقة ويغطون كافة المهن من نظافة الشوارع والزراعة ورعي الماشية إلى البناء والحدادة والنجارة إلى التدريس والتجارة وغيرها.

بداية التغيير مع اكتشاف البترول كانت جميلة فقد ركزت الدولة على إعطاء الأولوية للعمالة المحلية ووضعت خطط لتطويرها لتواكب عجلة التنمية مع الاستعانة بالعمالة الوافدة بشكل مقنن لسد النقص. سطرت ارامكو أنموذجا رائعا في تطوير العمالة المحلية واستطاعت من خلال برامج تدريب خاصة تحويلها إلى عمالة متخصصة في مختلف المجالات الفنية والقيادية بمستوى عالي من الكفاءة والانضباط واستطاع المواطنون القيام بأغلب الوظائف من مراسل إلى فني ومشرف معامل والبعض استطاع الوصول بكفاءة إلى مستويات قيادية عليا.

غير أن الطفرة الاقتصادية الكبرى في السبعينات الميلادية سرعت حركة النمو بشكل فاق الإمكانات المتاحة ما أدى إلى الاستعانة بكثير من العمالة الوافدة في شتى المجالات ومن بلدان متعددة. مع الاستقدام الغير منضبط تمكنت هذه العمالة أن تزاحم وتزيح العمالة الوطنية من كثير من مجالات العمل ابتداء من حركة النقل إلى تصنيع وتوزيع وتسويق المواد الغذائية إلى التصميم والبناء والشركات الاستشارية والإنشائية الكبرى. أصبحت معظم المهن والحرف تدار بعمالة وافدة وتشير التقارير الصادرة عن وزارة العمل بأن المملكة تدفع فاتورة التدريب لأفواج كبيرة من هذه العمالة، حيث أن أكثر من 80% منها تأتي غير مؤهلة، ومن خلال السوق السعودي تتمكن من إتقان المهارات المهنية لتعود للعمل في بلدانها الأصلية أو المتقدمة المختلفة مما يعود بالضرر على المواطنين ويسبب استنزاف مستمر للاقتصاد الوطني.

يحق لي كمواطن التساؤل أين يكمن الخلل؟ ولماذا لا يتم تدريب وتأهيل المواطن على رأس العمل فهو ثروة هذا الوطن واستثماره بعد أن يتطور ويلم بآلية العمل يعود بالمنفعة للوطن ويمنع الاستنزاف الاقتصادي للخارج. المواطن المسئول وأصحاب الشركات الكبرى الذين يشككون في كفاءة العمالة الوطنية هم في الواقع يشككون في أنفسهم فهم مواطنون كغيرهم تعلموا وتدربوا ليصلوا الى مواقعهم الحالية وعليهم إعطاء الفرصة لغيرهم من المواطنين ليثبتوا جدارتهم وقدراتهم فليس هناك مجتمع غير كفئ متى ما أحسن تنميته وادارته.

ما يؤسف له حقا أن بعض الشركات الكبرى تعتمد الآن في بعض أنشطتها لأسباب غير واضحة وغير مقنعه على شركات عمالة خاصة النسبة العظمى من عمالتها وافدة. للبطالة أسباب متعددة أذكر منها التالي:

• الاعتماد على العمالة الوافدة في الشئون الإدارية وتسلم الوافد العديد من مهام ومسؤوليات المتابعة والتدريب للسعوديين. هذا يتعارض مع مبادئ المفاهيم الإدارية الأولية إذ من غير الممكن أن يضحي الوافد بمصلحته ووظيفته ليخدم هذا المنافس الآتي ليحل محله.

• استقدام الشركات الكبيرة عمالة وافدة ومنحها امتيازات كبيرة من رواتب وحوافز وبدلات ومساكن وسيارات وفي المقابل لا يوجد حد أدنى لرواتب المواطنين مما أخل بميزان التنافس لصالح العمالة الوافدة وأصبح المواطن غير قادر على المنافسة.

• تغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة والتذرع بحجج واهية منها عدم كفاءة العمالة المحلية ووجود أشخاص متنفذين استطاعوا فرض قوانين وآليات تلبي مصالحهم الخاصة دون النظر في المصلحة الوطنية الكبرى.

• البيروقراطية ومثال على ذلك تصريح الدكتور فهاد الحماد رئيس لجنة الإدارة والموارد البشرية بمجلس الشورى عن اكتشاف ما يزيد عن 100 ألف وظيفة شاغرة في الجهات الحكومية، حيث أن وزارة الخدمة المدنية لا تتخذ إجراءات تعيين جديدة لملئ الوظائف الشاغرة إلا عندما تطلب منها الجهات الحكومية ذلك.

البطالة أصبحت هاجساً مرعباً لجميع دول العالم والحل الأمثل هو في وضع خطة لتوطين الوظائف تشمل بنود متعددة أذكر منها التالي:

• تقنين الاستقدام وحصره في مجالات قليلة حسب الحاجة وهذا بحاجه إلى قرار سياسي ومزيد من الحزم من قبل الحكومة والقطاع الخاص.

• رفع رسوم تأشيرات العمل وإصدار تشريعات ملزمة بالحد الأدنى للأجور واستنساخ تجربة أرامكو لتأهيل العمالة المحلية وإحلالها تدريجيا محل العمالة الأجنبية.

• الاستثمار في تدريب المواطنين لصقل مهاراتهم على أن يتم اعتماد الكفاءة لا المحسوبية في التعيين والترقية مع وضع حوافز مغرية كمكافآت للتميز والتفوق.

• وضع نظام شبيه بنظام ساهر لمراقبة سوق العمالة وفرض اولوية التوظيف للمواطنين على سواهم في كل مجالات العمل ووضع قوانين صارمة لمعاقبة المخالفين.

بقلم: عبدالعظيم حسن الخاطر