إن الإنسان يتشكل من مجموعة من العواطف والمشاعر، لذا فهو بحاجة إلى مرونة كاملة في التعامل معه، ولنا في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة في كل نواحي الحياة على وجه الخصوص في قيادة الآخرين على الأسس السليمة التي رسخها الإسلام، وفي الرفق والتعاون حيث يقول الله -عز وجل- في كتابه الكريم: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
ولقد رسخ الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أسس ومبادئ الإدارة وفن قيادة الآخرين من خلال مواقفه مع أصحابه، فكل موقف كان يرسخ مبدأً جديداً في كيفية إنجاز الأعمال بنجاح وتميز دون إهدار حقوق الغير، ودون التقليل من المهام الموكولة للآخرين، بل يصبح تقسيم العمل والتعاون والاستماع للآخرين من الصفات التي ينبغي أن نتحلى بها في تعاملنا نحن في أعمالنا.
وقد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- أكبر الأثر في توجيه صحابته وتحفيزهم على العمل بكفاءة ،وبذلك فنجده صلى الله عليه وسلم قد وضع هذه الأسس قبل أن نكتب فيها بأربعة عشر قرناً.

فهو يحمل الكلّ، ويكسب المعدوم، وفي هاتين الصفتين إشارة إلى ما ينبغي أن يتمتع به من يدير الآخرين تجاههم من عاطفة جياشة تجعله يسعى إلى خدمتهم والسهر على راحتهم والمسارعة في بذل الخير لهم، وهو صلى الله عليه وسلم يقري الضيف؛ لذا لابد للمدير الناجح أن يكون دائما كريمًا وجواداً يحسن استقبال ضيفه.



و من منطلق الرسول صلى الله عليه وسلم في الإدارة سنتحدث في هذا البحث عن :

1- معنى كلمة إدارة و أصلها.
2- تعريف الإدارة .
3- طبيعة الإدارة و وظائفها .
4- أهمية الإدارة .
5- الإدارة و العلوم الأخرى .
6- أهمية الإدارة في المجتمع .
7- الإدارة فن أو علم .




معنى كلمة إدارة :
أصل كلمة إدارة لاتيني و تعني من أجل الخدمة ، فالإدارة تعني مجهودات بشرية لإنجاز أهداف محددة هي خدمة الآخرين .

لفظ إدارة دائماً يأتي مقروناً بأحد الصفتين ( عام ) و ( خاص ) . فإذا ما قورن بالصفة الأولى ( عام ) دلّ على إدارة الدولة التي تستهدف الصالح العام . و إذا ما أضيف إلى الصفة الثانية ( خاصة ) دل على إدارة المشروعات الصناعية و التجارية التي تستهدف الربح .
و الإدارة العامة بهذا المفهوم تعني توجيه الجهود البشرية من خلال التخطيط ، و التنظيم ، التنسيق .. . و غيرها من العمليات الإدارية لممارسة الأعمال و الأنشطة الحكومية بما يحقق أهداف المجتمع

تعريف الإدارة : هي تنظيم و توجيه و تنسيق و رقابة مجموعة من الأفراد داخل المنظمة لإتمام عمل معين بقصد تحقيق هدف معين .

طبيعة الإدارة :
1) الإدارة عملية مستمرة.
2) الإدارة نشاط شامل.
3) الإدارة نشاط متخصص.
4) الإدارة علم وفن ومهنة.
5) الإدارة علم جامع.



وظائف و أنشطة المنظمات :
1- التخطيط : و هو التقرير سلفاً بما يجب عمله ، و كيف ، و متى ، و من الذي يقوم به .
2- التنظيم : تجميع الأنشطة اللازمة لتحقيق الأهداف و إسناد مهمة الإشراف على كل مجموعة لشخص تمنح له السلطات الإشرافية اللازمة ، مع مراعاة التقسيمات الرأسية و الأفقية اللازمة لإتمام البناء الهيكلي .
3- القوة : عبارة عن علاقة متبادلة بين شخصين يحاول من خلالها الشخص الأول توجيه سلوك الشخص الثاني في الاتجاه المرغوب من قبل الفرد . إذاً القوة تعني محاولة فردية لإحداث تغيير في سلوك الآخرين . علماً بأن هذا التغيير قد لا يكون مرغوباً فيه .
4- القيادة : تعني عملية التأثير على الآخرين لتوجيه جهودهم لتحقيق أهداف الجماعة .
5- صناعة القرار : هي عملية اختيار بديل من مجموعة البدائل المعقولة المتاحة .
6- إدارة الخدمات المدنية .
7- الموازنة العامة : عبارة عن برنامج عمل متفق عليه يعين فيه تقدير لإنفاق للدولة و مواردها خلال فترة مقبلة و تلزم به الدولة و تكون مسئولة عن تنفيذه .
8- الرقابة : عبارة عن قياس و تصحيح أداء المرؤوسين للتأكد من أن أهداف المنظمة و الخطط الموضوعة لبلوغ هذه الأهداف التي قد تم تنفيذها بشكل مرضي .
9- التنسيق: هو الربط بين الأنشطة أو الأعمال المراد تحقيقها .



أهمية الإدارة :
في الماضي كانت وظيفة الدولة تنحصر في مرافق الدفاع ، و الشرطة ، و القضاء . بمعنى أن مهمتها هي توفير الأمن الداخلي و الخارجي ، مما جعل علاقتها بمواطنيها علاقة استثنائية و عليهم – أي على مواطنيها – أن يوفروا حاجاتهم الضرورية ، حديثاً تزايد الطلب على الحكومة لتلعب دوراَ بارزاً في تقديم البرامج التنموية التي تساهم في رفع المستوى المعيشي و رقي مواطنيها . و هذا ما أدى إلى ظهور ما يطلق عليه في وقتنا الحاضر ( دولة الخدمات العامة ) أو ( دولة الرفاهية ) .
إذاَ فالإدارة العامة هي الركيزة الأساسية للدولة الحديثة . رسم السياسة العامة بدقة ليس كافياً ، بل لا بد من وجود جهاز تنفيذي فعّال يعتمد على أساليب إدارية حديثة تكفل تقديم الخدمات العامة في أقصر وقت و بأقل تكلفة ممكنة . إن أي تنظيم ، أياً كان هدفه يحتاج إلى الإدارة . الوزارة، الجامعة ، المصنع ، الشركة ، المدرسة ... و غيرها لا بد لكل منها من وجود إدارة تعينها على أداء أنشطتها المختلفة . و نجاح أي من هذه التنظيمات يعتمد على كفاءة و نوعية جهازها الإداري و مقدرته على التطوير و التجديد و الإبداع ليواكب متطلبات مجتمعه و بيئته الخارجية .

.
علاقة الإدارة العامة بالعلوم الأخرى

العلاقة بين الادارة العامة و علم النفس :
تركز دراسات علم النفس على الاهتمام بالعنصر الإنساني فدارسو علم النفس تنصب اهتماماتهم على دراسة الفرد و انطباعاته و مشاعره ، فالمفاهيم الشخصية ، و الدوافع و الإدراك ، و سيكولوجية النمو ، و القيم و الاتجاهات و العوامل البيئية و الوراثية في نمو الفرد و سلوكه ، هي مفردات علم النفس و تلعب هذه الأنماط السلوكية دوراً أساسياً في التأثير على سلوك الفرد وانتاجيته داخل المنظمة
فأهداف علم النفس مثلاَ تساهم في خدمة الإدارة العامة و منها زيادة الكفاءة الانتاجية و الانسجام ، إيجاد نوع من الاستقرار الوظيفي عن طريق حل الصراعات و المنازعات و مصادر الشكاوي ، تحسين نوعية العمل بشكل لا يفقد الموظف الاهتمام و الحد من قدرته و أخيراَ معرفة النمط الثقافي و خاصة القيم و الاتجاهات السائدة في داخل التنظيم .

العلاقة بين الإدارة العامة و علم الاجتماع :
يركز علم الاجتماع اهتماماته في المشكلات المتعلقة بالمجتمعات الإنسانية و يعتبر أحد الروافد الرئيسية في العلوم السلوكية و المفاهيم المتعلقة بالسلوك الإداري . و يعتبر دراسة المجتمع و الجماعات و الأسس التي تقوم عليها و علاقاتها ببعضها البعض ، و لذلك أهمية كبيرة لكون الجماعات ذات تأثير كبير على تفكير الإدارة و سياساتها و برامجها و نشاطها .
فإن علم الاجتماع ذو صلة وثيقة بالإدارة و التنظيمات الاجتماعية فهو يهدف إلى دراسة و معرفة القواعد و التقاليد التي تحكم العلاقات بين الأفراد داخل المنظمة ، مما سهل على المدراء معرفة أمور كثيرة عما يدور أو يحكم عمل الجماعة أو الفرد و خاصة عن التنظيمات غير الرسمية و علاقاتها بالتنظيمات و أي مفاهيم أخرى لها صلة تؤثر على الجماعة بما يخدم أهداف التنظيم و العاملين .

العلاقة بين الإدارة العامة و الاقتصاد :
تتوافق دراسة الاقتصاد مع دراسة الإدارة العامة في كثير من الوجوه ، إذ أن المالية العامة و الميزانية و الحساب الختامي و الإدارة المالية مثلاً تعتبر موضوعات أساسية حيث يشترك في دراسة هذه الموضوعات دارسو الإدارة العامة و الاقتصاد على حد سواء .
فالدولة تقوم بإرساء القواعد الأساسية للاقتصاد العام و توكل مهمة التنفيذ إلى الأجهزة الإدارية ، و عليه فالإدارة الحديثة تمارس نشاطات ذات طابع اقتصادي مثلاً تحديد مصادر الإيرادات و أوجه الإنفاق و الحسابات الختامية و الرقابة المالية . .. إلخ

الإدارة والعلوم الطبيعية والرياضية
تضم العلوم الطبيعية علم الفيزياء والكيمياء والإحصاء والرياضيات، ومن مظاهر العلاقة بين العلوم الطبيعية وعلم الإدارة ظهور ما يسمى ببحوث العمليات (Operation Research) وهو علم رياضي فيزيائي اقتصادي يساعد المدير في التوصل إلى قرارات رشيدة، كذلك يساعد علم الإحصاء ونظرية الاحتمالات والنماذج الرياضية المدير في التوصل إلى قرارات رشيدة.
كما ينبغي أن يلم الإداري بعلم القانون ليعرف اتجاه الحكومة نحو المشروعات الاقتصادية، وبعلم السياسة وعلم الأخلاق والتاريخ والجغرافيا لتسيير أمور المؤسسة.



أهمية الإدارة في المجتمع
يعود تقدم الأمم إلى الإدارة الموجودة فيها، فالإدارة هي المسؤولة عن نجاح المنظمات داخل المجتمع، لأنها قادرة على استغلال الموارد البشرية والمادية بكفاءة عالية وفاعلية. فهناك العديد من الدول التي تملك الموارد المالية والبشرية ولكن لنقص الخبرة الإدارية بقيت في موقع متخلف.
كما يمكن أن يقال: إن نجاح خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيقها لأهدافها لا يمكن أن يتم إلا بحسن استخدام الموارد المتاحة المادية والبشرية. وكذلك نجاح المشروعات المختلفة في جميع الأنشطة الاقتصادية الزراعية والصناعية الخدماتية. ولا شك بأن استخدام الموارد المتاحة دون إسراف أو تقصير يتوقف أساسا على كفاية الإدارة في مجالات النشاط المخلفة، كما أن نجاح المشروعات و تحقيقها لأهدافها الموضحة في خطة عملها يتوقف على كفاية إدارتها، ومن هنا نجد أن نجاح خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية مرتبط بمستوى الكفاية الإدارية في المشروعات المختلفة داخل الدول. وخلال الحديث عن التنمية والإدارة فإن البلدان النامية تواجه كثيرا من المشكلات الإدارية التي تحتاج إلى قدرة و كفاءة إدارية لمواجهتها والتصدي لها وحلها، حتى يمكن أن تحقق أهداف التنمية المرغوبة.



الإدارة فن أم علم؟
يدور جدل كبير بين رجال الفكر الإداري حول طبيعة الإدارة ، أهي علم أم فن أم علم وفن معاً ؟
الإدارة علم: يعني أنها تعتمد على الأسلوب العلمي عند ملاحظة المشكلات الإدارية وتحليلها وتفسيرها والتوصل إلى نتائج يمكن تعميمها.
الإدارة علم: أي لها مبادئ وقواعد ومدارس ونظريات تحكم العمل الإداري، كما أن تطبيق هذه المبادئ والنظريات يؤدي إلى نتائج محددة.
الإدارة فن: أي أن المدير يحتاج إلى خبرة ومهارة وذكاء في ممارسة عمله، وتعامله مع العنصر البشري لحفزه على الأهداف التنظيمية، لأن ليس كل من درس علم الإدارة قادر على تطبيقه. ففن الإدارة هو القدرة على تطبيق الإدارة في المجالات المختلفة.
الإدارة فن وعلم معا: من كل ما سبق يمكن القول بأن الإدارة فن وعلم معا، فالإداري يجب أن يعتمد على الكتب والنظريات الإدارية، بالإضافة إلى الخبرة العملية التي لا غنى عنها.

الصفات الإدارية التي يجب أن يتمتع بها الإداري:
1. الأمانة والعدل والإخلاص في العمل .
2. صفات عقلية وفكرية، أي أن يكون على قدر من الذكاء .
3. صفات جسمانية حتى يتحمل عبء العمل .
4. صفات فنية أي أن يكون ملما بالتخصص الذي يعمل به.
5. صفات ثقافية بحيث يكون مطلعا على العلوم الأخرى .
6. صفات إنسانية يستطيع من خلالها التعامل مع العنصر البشري.

الخاتمة :

أسأل الله أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم و أن ينفعنا بما علمنا ..
و صلى الله على نبينا محمد و على آله وصحبه و سلم ..