مقدمـة :
الإبداع هو المسئول عما وصلت إليه البشرية من حضارات ومدنية ورقي عبر تاريخها ، فلولا الابتكار لبقيت الحياة علي صورتها البدائية حتى يومنا هذا يضاف الي ذلك الإبداع الفني .
والحقيقة العلمية أن التفكير الإبداعي كغيره من ضروب التفكير لابد له من دوافع تحركه وتثيره وتشجعه وتدفع صاحبه لبذل الجهد والطاقة والاستمرار في ذلك لفترات قد تطول أياماً وشهوراً ولابد لتلك العملية من ظروف مواتية ومشجعة وأن العامل الوجداني أكثر أهمية من العوامل العقلية البحتة في إنتاج الروائي والقصاص والفنان ، حيث تهبط الفكرة المهمة وهو في حالة استرخاء تام أو استسلام لما يدور في سره .
تعريـف الإبـداع:
و في معجم ألفاظ القرآن الكريم بدع الشيء، بدعاً وأبدعه، أنشأه وبدأه علي غير مثال سابق ومن ذلك في القرآن الكريم "بديع السماوات والأرض".
ورد في كتاب لسان العرب ، بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه ، أنشأه أولا وقال “أبو عدنان” المبدع الذي يأتي أمرا ، أي أول لم يسبقه أحد والبديع المحدث العجيب . والبديع الشاعر جاء بالبديع .
هذا عن الإبداع ومعناه في اللغة العربية، ومن مجمل تلك الأفكار التي وردت في النصوص السابقة يتبين لنا بجلاء أن العرب قد ميزوا بين عدة أمور نجملها فيما يلي :
1 ـ أن هناك شخصاً مبدعاً.
2 ـ أن هناك فعلاً أو عملية للإبداع.
3ـ أن هناك ناتجاً للنشاط أو هذا الفعل، هذا الناتج هو ما يطلق عليه الباحثون اسم الناتج الإبداعي .
الإبداع لغة مشتقة من الفعل " إبدع " الشيء أي اخترعه ، والله بديع السموات والأرض أي مبدعها وإبداع الشعر أي جاء بالبديع ، والبدعة الحديث في الدين بعد الإكمال ،وإبدع الله الخلق إبداعاً خلقهم لا علي مثال ،وأبدعت الشيء وابتدعته أي استخرجته وأحدثته ومنه قيل للحالة المخالفة بدعة ثم غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين أو زيادة ، وفلان بدع في هذا الأمر كان هو أمرا من فعله فيكون اسم فاعل بمعني مبتدع والبديع فعيل من هذا " قل ما كنت بدعاً من الرسل والإبداع يعني الإيجاد أو الخلق أو التكوين أو الابتكار.
والتخيل الإبداعي نوع من التخيل المثمر ، والإبداعية هي النزعة نحو الإبداع وفيما يتعلق بالفرق بين الإبداع والتخيل نقول ان التخيل أكثر تلقائية ، والإبداع يؤدي بنا الي حلول مستندة الي الواقع لما نشعر به من مشكلات ، بمعني الوصول الي حلول يمكن تحقيقها في عالم الواقع .
وتتدخل الذاكرة وما فيها من معلومات في عملية الإبداع أو التفكير الإبداعي ،والإبداع وفقاً للمفهوم السيكولوجي ليس مجرد محاكاة لشيء موجود وإنما يبدو في اكتشاف علاقات ووظائف جديدة ووضع هذه العلاقات وتلك الوظائف في صيغة إبداعية جديدة، والإبداع لا يمكن أن يكون محاكاة للطبيعة أو تصوراً لحقائقها ووقائعها وأحداثها ، وإنما هوإنشاء شيء جديد ولكن ليس من الضروري أن تكون جميع عناصر الشيء المبدع جديد كل الجدة ، وإنما قد يكون الإبداع عبارة عن تأليف جديد أو تصوير جديد لأشكال قديمة .
يتميز المبدع بما يلي :
ـ أنه أكثر دافعية وأكثر رغبة في تحقيق الإنجاز والتفوق .
ـ وهو أقوى من حيث القدرة العقلية وبخاصة تلك القدرات المعروفة باسم قدرات التفكير في نسق مفتوح أو قدرات التفكير التنويعي ،كما أنه من حيث الصحة العقلية يتمتع بدرجة عالية من السواء إذا ما قورن بجماعة من المرضي العقليـين ( الفصاميين ) - وهو أكثر تسامحاً مع الواقع المحيط والذي قد يحمل ما يغاير الفكر الذي يعتقده المبدع وما يؤمن به .
الإبـداع والـذكـاء:
أن القدرات الإبداعية ليست قدرات تعمل في وعاء غريب عن العقل ذلك الوعاء الذي يري "جيلفورد" أنه يتسع للقدرات التي اصطلح علي تسميتها بالقدرات الإبداعية كما يتسع أيضاً ليتضمن القدرات الأخرى التي اصطلح علي تسميتها قدرات الذكاء العام والتي يستخلص منها ما نطلق عليه نسبة الذكاء .
يبدو أن الابتكار يرتبط بأسلوب الوظائف العقلية ولكنه مستقل إلي حد ما عن الذكاء الذي يعبر عنه بنسبة الذكاء . ولكن في معظم الأعمال الابتكارية لابد من توفر حد أدني من الذكاء العام يتراوح ما بين 115 – 120 نسبة الذكاء ودون هذا المستوى لا يمكن أن يحدث الابتكار ،أما الزيادة عن هذا الحد الأدنى فليست لها دلالة كبيرة في حدوث الابتكار فبين أصحاب المستويات العليا من الذكاء لا يوجد فرق كبير في نسبة الذكاء بين أكثرهم وأقلهم إبداعاً وذلك كما تدلنا دراسة " تيرمان " علي الأطفال الموهوبين ويؤيد هذه النتيجة كثير من الدراسات الأخرى .
أن الإبداع يتضمن التفكير المتشعب أو المتعدد أو المتباعد وهو تفكير جديد ومختلف وغير عادي ومرن وطلق ولكنه ليس ذلك الذكاء المتبلور الصوري ،أما الذكاء الصوري فإنه يعتمد علي الذاكرة والتفكير التقاربي أي إدراك الإجابة الأفضل والأكثر تقليدية ،ولقد كان علماء النفس القدامي يقومون الذكاء علي حين يهملون الابتكار ويمكن النظر إلي الابتكار علي أنه أحد جوانب الذكاء وعلي الأخص ذلك النوع من الذكاء المرن المتشعب أو المتباعد ،أما الذكاء الصوري أو الرسمي فلا يبدو كعامل سببي في الإبداع وتبدو القدرة علي الإبداع في إنتاج أو تكوين أفكار جديدة لم تكن معروفة من قبل وقد تكون في إدراك علاقات جديدة بين العناصر القديمة أو إعطاء وظائف جديدة لها وقد يكون الابتكار في مجال العلم أو الأدب أو الفن أن الأصالة والابتكار يوجدان في جميع الأفراد كباراً وصغاراً ولكن بدرجات متفاوتة .
ومعظم وسائل قياس الابتكار ترجع إلي عالم النفس جيلفورد وزملائه .
ويفترض "جيلفورد" أن الابتكار يتضمن عناصر متعددة مثل الحساسية للمشكلات والقدرة علي إنتاج كثير من الأفكار والحلول الجديدة ووجود اتجاه مرن نحو حل المشكلات والقدرة علي الحل والتركيب لسلسلة من الأفكار المعقدة ،ولقد وجد أن الأفراد أصحاب القدرات الابتكارية لا يفضلون الفن التمثيلي ويفضلون الإنتاج الفني المعقد وغير التمثيلي وغير المنظم ولهم قدرة كبيرة في تكوين ارتباطات لغوية غير عادية .
والذكاء قدرة عقلية عامة وتعتبر الوظيفة الأساسية للذهن أو العقل وتدخل في كافة الأنشطة العقلية أو الذهنية بدرجات متفاوتة، ومن هنا كانت تسمية الذكاء بالقدرة العقلية العامة.
والذكاء من أبرز مكونات الشخصية أكثر ما يكون فيما يلي :
1 – حدة الفهم وسرعته ودقته وصوابه .
2 – القدرة علي التعلم والتحصيل الدراسي.
3 ـ القدرة علي معالجة المواقف الجديدة التي تتعرض لها الشخصية بمهارة ونجاح.
4 ـ القدرة علي إدراك العلاقات المجردة بين الأشياء أو الموضوعات المختلفة.
5 ـ القدرة علي الاستفادة من الخبرات الماضية في مواجهة المواقف والظروف والمشكلات الحالية والتعامل معها بنجاح.
6 ـ القدرة علي إنجاز أعمال وواجبات تتميز بالتعقيد والصعوبة .
القـدرات الأبـداعيـة:
1ـ الأصـالـة :
الأصالة من أهم القدرات اللازمة للإنتاج الإبداعي وهي تعني السير في إنتاج الجديد غير المكرر
2ـ الطلاقــة :
وتعتمد الطلاقة علي الإنتاج الوفير للأفكار وهناك اختبارات متعددة الطلاقة وهناك أربعة عوامل للطلاقة .
الطلاقة اللفظية : لإنتاج أكبر عدد من الألفاظ .
طلاقة التداعي : توفير شروط معينة من حيث المعني.
الطلاقة الفكرية : ذكر أكبر عدد في زمن معين .
الطلاقة التعبيرية : ويشار به الي القدرة علي التفكير السريع في كلمات متصلة.
3ـ عوامـل المرونـة :
وهي تعني القدرة علي تغيير الوجهة العقلية أو التنويع في الأفكار وهناك عاملان هما :
أ ـ المرونة الكيفية :
وهي قدرة الشخص علي تغيير وجهته الذهنية حين يكون بصدد النظر الي حل مشكلة معين ويمكن أن تنظر إليها باعتبارها الطرف الموجب للتكيف العقلي فالشخص المرن من حيث التكيف العقلي مضاد للشخص المتصلب عقلياً.
ب ـ المرونة التلقائية :
وهي القدرة علي إنتاج أكبر قدر ممكن من الأفكار التي ترتبط بموقف معين يحدده الاختبار علي أن تكون الأفكار الخاصة بهذا الموقف متنوعة ويتم قياس هذه القدرة باختبار الاستخدامات غير المعتادة لشيء معين مثل استخدام الصحيفة في أشياء غير مجرد قراءتها .
4ـ الحساسية للمشكلات.
مراحل الوصول إلي الابتكار وهي :
1 – مرحلة الإعداد.
2 – الإلهام أو الوحي.
3 – الإضاءة أو الإشراف.
4 – التحقق .
سمات العملية الإبداعية :
1ـ ينظر المبدعون إلي السلطة علي أنها أمر تقليدي أكثر من كونها مطلقة و لا يميلون إلي عمل التمييزات القاطعة كالقول أن الأشياء أما بيضاء وأما سوداء صواب أم خطأ جميلة أم قبيحة ، صالحة أم فاسدة.
2 ـ نظرتهم للحياة ليست جامدة أو مطلقة ، وإنما نظرة تتسم بالنسبية أحكامهم أكثر استقلالية من كونها تقليدية أو امتثالية في المجالات العقلية والاجتماعية أيضاً - هم أكثر استعداداً لإظهار دوافعهم وغير المعقولة ، من وجهة نظر الناس وقد يكون ذلك وراء وصف العامة لهم " بالشذوذ "
3- لديهم روح المرح ويقدرون الفكاهة أكثر من غيرهم .
4- أقل تعقيداً أو أقل جموداً وأكثر تحرراً .
هذا الموضوع للعضو د. علي مكي
فجزاه الله عنا كل الخير