طالب ناشطون حقيقون وإعلاميون من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي أمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتـأسيسها ضمن حزمة القرارات التي أصدرها الجمعة الماضية على الإطلاع على بواطن الفساد بنفسها، ولا تركن إلى التقارير التي ستقدمها لها الجهات الرسمية، وأبدوا تخوفهم من أن تتسبب البيروقراطية في تحويل الهيئة الوليدة إلى جهاز آخر ضعيف في مواجهة الفساد.

وأكد الناشط الحقوقي وعضو مجلس الشورى السابق الدكتور محمد آل زلفة، والذي كان أحد المشاركين في وضع أسس جهاز مكافحة الفساد إبان وجوده تحت قبة المجلس، أن أكثر ما يمكن أن يهدد عمل الهيئة هم المسؤولون الذين اعتادوا الفساد وتشربوه حتى بات من الصعب اكتشافهم.
وقال في حديثة لـ"العربية.نت": "أكبر ما يهدد عمل هيئة مكافحة الفساد هو من استمرأ الفساد وتعود عليه.. ربما يكون الكثير منهم لهم سنوات طويلة لم يتحركوا من مواقعهم، نحتاج لتغيير شامل لمن قضوا سنوات طويله في مناصبهم ثم نكون أمام وجوه جديده تحمل هم الوطن والملك والمواطنين، لكي نسهل عمل الهيئة الموكل إليها حق المسائلة والمحاسبة".

وتابع: "لا نريد لهذه الهيئة أن تتحول مع الزمن إلي هيئة بيروقراطية لا تستطيع متابعة كل شيء يقوم به من قد يجد نفسه بعيداً عن المسائلة ولم يتعود عليها فترة طويلة، كما لا نريد لهيئة الفساد أن تنتهي إلي دور ديوان المراقبة الذي لا يستطيع الحصول على المعلومات الكاملة من الجهات الحكومية، فديوان المراقبة هو الجهة المسؤولة عن مراقبة أداء الجهات الحكومية ومتابعة ميزانية كل وزارة، والخوف أن تنتهي الهيئة إلى ذات الصعوبات التي واجهت الهيئات الأخرى، كمواطن أريد المنتج الجيد حتى ولو أنفق عليه مبلغاً أكبر، ولكن الأهم أن يذهب هذا المال للإنتاج وليس للفاسدين، هنا تكون المراقبة والمحاسبة والحاق الغرامات والعقاب على كل من مارس الفساد على حساب المصلحة العامة".
مهام واسعة
ونص قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز على إنشاء "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" وترتبط به مباشرة. وعين محمد بن عبدالله الشريف رئيساً لها وطالبه رئيس هيئة الخبراء بمجلس الوزراء وضع التنظيم الخاص بها خلال ثلاثة أشهر.

وتشمل مهام الهيئة كافة القطاعات الحكومية، ولا يستثنى من ذلك كائن من كان، وتسند إليها مهام متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام، ويدخل في اختصاصها متابعة أوجه الفساد الإداري والمالي، وطالب القرار رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء، ورئيس الديوان الملكي تزويد الهيئة بكافة الأوامر ذات الصلة بمهامها، والوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية وغيرها الرفع للهيئة بكل المشاريع المعتمدة لديها وعقودها ومدة تنفيذها وصيانتها وتشغيلها، دون الإخلال باختصاصات الجهات الرقابية الأخرى.

وشدد آل زلفة الذي زامل الشريف تحت قبة مجلس الشوري ثماني سنوات على أن الشريف قادر على أداء مهمتة بالشكل المتوقع منه.

وقال: "ليس لدي أي شك في قدرات محمد الشريف لأنني أعرفه عن قرب فكان جاري في المقعد في مجلس الشورى على مدار دورتين (8 سنوات) فهو خير من اختير لهذه المهمة، ولكن الخوف عليه وعلى طاقمة ممن لا يمكن السيطرة على أدائهم بسهولة، ولكن أرجوا أن تكون الألية جاهزة لتنفيذ ماتم الرفع به من مجلس الشورى قبل ست سنوات".

وكان الشريف أحد المشاركين في اللجنة التي كلفت من الملك عبدالله بتأسيس جسم يقوم بمحاربة الفساد، وكنا في مجلس الشورى نتسائل متى سيعلن عن هذا الجهاز لأنه تم ترتيب نظامه بشكل دقيق". وتابع: "الهم الأكبر للمواطنين هو متى تنفذ المشاريع الحكومية في أوقاتها وبشكل دقيق وحسب ما رصد لها من أموال لتلبي احتياجاتهم، والخوف هو أن تأخذ الهيئة وقتاً طويلاً لترتيب نفسها قبل البدء في العمل، ولكن المطمئن أنها مرتبطة بشكل مباشر بالملك مما يحميها من البيروقراطية المعهودة والتي قد تحرفها عن مسارها، لأن القضاء على الفساد من أهم مقومات بناء وطن سليم وعلى أسس قوية، وللأسف كل من يحارب الإصلاح هو ممن يعملون ذلك للحفاظ على مصالحهم ومناصبهم".
التنسيق بين الجهات الرقابية
ويطالب الناشط الحقوقي السعودي بالتنسيق بين الجهات الرقابية لعدم تضارب الاتجاهات كي لا تفشل في أداء مهامها. ويضيف: "هيئة مكافحة الفساد مع ديوان المراقبة مطالبون بالتنسيق بينهما كي لاتتضارب الصلاحيات، وأعتقد أن القرار المقبل الآن هو أن تمنح الجهات المعنية بالمسائلة والمحاسبة مباشرة لمجلس الشوري الذي يجب أن يقوم بدور أكبر في هذا الشأن، وأن يحاسب المسؤولين والوزارء المقصرين ويبعدهم بالتصويت أن ثبت فشلهم، مع منح مجالس المناطق دوراً في هذا الأمر لأن من المستحيل على ديوان المراقبة أن تكون له فروع في كل مكان والفساد موجود في كل مكان".
محاسبة كائن من كان
من جهته، يؤكد الكاتب السعودي في جريدة الوطن صالح الشيحي على مقولة (محاسبة كائن من كائن)، ويعتبر أن هذه النقطة هي أساس نجاحها في أداء عملها.

ويقول في حديثة لـ"العربية.نت: "كل المعلومات التي نمتلكها عن الهيئة ما تضمنه المرسوم الملكي واسم من سيقود الجهاز ومهامها. وما نتماه أن تنفذ الهيئة ما ورد في المرسوم وإن استطاعت ذلك وتستند على عبارة (كائن من كان) التي شدد الملك عليها في المرسوم، أتوقع أنه سيكون لدينا هيئة تتواكب مع تطلعات الناس وسنجد أنفسنا وقد تقلص هامش الفساد في البلد، أما إذا تحولت إلي هيئة مثل بقية الهيئات تعتمد على ما يرفع لها من جهات حكومية أو مؤسسات ووزرات وتقوم بالتدقيق في هذه الأراوق فلن يكون لوجودها قيمة، فهذه الوزرات والجهات لن ترفع لها إلا كشوفات مدققه وسليمه".

ويتابع: "نتمنى أن تبدأ الهيئة بداية جادة وتبحث بنفسها عن المشاريع الحكومية المتعثرة وأسباب تعثرها وتبحث عن أصابع الفساد بنفسها ولا تعتمد على ما يرفع لها من جهات أخرى وأن تكون مستقلة تماماً وما يدعم الهيئة أنها ترتبط بالملك مباشرة".

ويشدد الشيحي على أن عدم أداء ديوان المراقبة العام لدوره كما يجب كان السبب وراء إنشاء هذه الهيئة الجديدة. ويضيف: "فقد ديوان المراقبة العام مع الوقت الثقة فيه من قبل المواطن، ولو كان ديوان المراقبة فاعلاً وجاداً في عمله لما كان هناك حاجة لإنشاء الهيئة الجديدة، ولكن عندما وجد صاحب القرار ان الأجهزه الرقابية لم تعد تؤدي عملها كما يجب عمد إلى إنشاء هذه الهيئة وإعطاؤها الكثير من الصلاحيات وربطها به مباشرة، الكرة الآن في ملعب رئيس الهيئة لتحقيق الأهداف الموقعة منه".