رقابة المجتمع (( الرقابة الشعبية )) :
جاء فى الحديث الشريف الرسول صلى الله عيه وسلم أن الله يوصى لكم ثلاثة ان تعبدوه ولاتشركوا به شيئا، وان تعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفلرقوا وان تناصحوا ولاة أمركم )) .
كما ورد فى الحديث الشريف أيضا (( انما الدين النصيحة , قالوا لمن رسول الله ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ))
فنصيحة من يتولى أمرا (( وظيفة )) فى الاسلام مسألة واجبه خاصة وان الاسلام -كما سبق ان أوضحنا - يعتبر الوظائف العامة امانة ومسئولية
وتكليفا ولا تشريفا. ومن ثم فان الامر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب على كل مسلم . وقد ورد فى القرآن الكريم العديد من الايات التى تحض على ذلك .
(( ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )) . (( كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )) (( الذين ان مكاناهم فى الاض أقاموا الصلاة واتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عم المنكر (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )) .
وقد ورد فى الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطيع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ))
كما ورد فى الحديت الشريف ايضا (( لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم , ولتأطرنه على الحق اطرا او ليضربن بعضكم بقلوب بعض ثم تدعون فلايستجاب لكم)) .
كما ورد فى الحديث الشريف ايضا ان الناس اذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه اوشك الله ان يعمهم بعقاب من عنده كما لام صلى الله عليه وسلم من يتقاعس عن آداء هذا الواجب فقال بئس القوم قوم لايأمرون بالقسط وبئس القوم قوم لايأمرون بالمعروف ولاينهون عن المنكر . كما ان أبا بكر الصديق رضى الله عنه خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( أيها الناس انكم تقرأون هذه الاية , وتضعونها على غير موضعها: (( يا ايها الذين امنوا , عليكم انفسكم , لايضركم من ضل اذا اهتديتم)) وانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ان الناس اذا رأوا المنكر فلم يغيروه , أوشك ان يعمهم الله بعقاب منه )) وفى حديث آخر (( ان المعصية اذا خفيت لم تضر الا صاحبها ، ولكن اذا ظهرت فلم تنكر اضرت العامة ))
ومن أهم اساليب الرقابة الشعبية تعريف الشخص بان ما اقترفتممخالف لاخكام الشريعة والنهى عن الفعل بالوعظ والنصح فالدين - كما قال الرسول الكريم - النصيحة .
ولقد أدرك الخلفاء الراشدون أهمية الرقابة الشعبية وفاعليتها فى تصحيح مسار النظام الادارى . فهذا أبو بك الصديق يقول فى أول خطبة له بعد توليه الخلافة ((0 أما بعد ايها الناس : انى قد وليت عليكم ولست بخيركم , فان احسنت فأعينونى ,وان اسأت فقومونى . الصدق امانة والكذب خيانة .. اطيعونى ما اطعت الله ورسوله فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم ))
كما أوضح عمر بن الخطاب هذا المعنى بقوله: (( أيها الناس من رأى منكم فى اعوجاجا فليقومه ,فقام له احد الافراد وقال له ((والله لو رأينا فيك اقومناه بسيوفنا ))
فقال عمر : (( الحمد الله الذين جعل في هذه الامة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه ))
كما ان رجلا قال لعمر (( اتق الله ياعمر , وأكثر عليه , فتصدق له رجل من بين الحاضرين وقال له : (( اسكت فقد أكثر على أمير المؤمنين . فقال له عمر : دعه فلا خير فيكم ان لم تقولوها لنا , ولاخير فينا ان لم نتقبلها منكم .
وقد سار على الدرب ذو النورين عثمان ابن عفان والامام على بن ابى طالب وبعض الحكام فى العهد الاموى والعباسى .
وهكذا يتضح لنا ان الرقابة على عمال الدولة فى الاسلام نظام متكامل يتسم بالامور الاتية :-
- العمومية والشمول
- العدالة
- البساطة والايضاح
- منع الاخطاء وتفادى الوقوع فيها مستقبلا
فمن حيث العمومية والشمول فاننا وجدنا ان العامل يخضع لرقابة المولى سبحانه وتعالى ولرقابه نفسه ((الرقابة الذاتية)) والى رقابة الجهة
الرئاسية التى يعمل تحت امرتها , كما يخضع لرقابة المجتمع .
وقد يتبادر الى الذهن لاول وهلة ان هذا التعدد فى انواع الرقابة قد يؤدى الى التضارب او الازدواج وشل عمل الموظفين العموميين الا ان
ذلك ليس سليما , فكل أنواع الرقابة سالفة الذكر مكملة لبعضها فى اطار شمولية الفكر الاسلامى , كما أنها متسقة مع بعضها ، ومن السهل
على الفرد ان يحقق كل متطلبات هذه الرقابة لصدقه مع الله ومع نفسه ورؤسائه والمجتمع فهى ليست متعارضة ولامتضاربة بل متناسقة تعكس وحدة فى المنهج .
ومن حيث البساطة والوضوح فان هذه الخاصة من سمات الفكر الاسلامى عموما . وتنعكس بطبيعة الحال على عملية الرقابة التى رأينا انها مبسطه ولا تحتاج لمجهود كبير فى تطبيقها والوصول الى اهدافها .
كما ان الرقابة فى الاسلام تتسم بالعداله لانها ليست وضعية وانما تطبيق للمبادئ التى وردت فى كتاب الله ورسنة رسوله , تلك المبادئ التى تأمر بالعدل والاحسان بصفه عامه فالمولى سبحانه وتعالى يقول فى سورة النساء( يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء الله ولو على انفسكم أو الوالدين والاقربين )
وتتسم الرقابة اخيرا بأنها تهدف الى منع الاخطاء قبل وقوعها والعمل على تصحيحها حال وقوعها لان الاسلام يضع من القواعد مايحمى بها الافراد ويدرأ بهم من الوقوع بالرقابة فى المعصية . فلقد وجدنا الرسول الكريم وصحابته من بعده يهتمون بالرقابة الوقائية ، وكانوا يحسنون اختيار الولاه والحكام ويتعرفون بأنفسهم على احوال عمالهم ورعايتهم . كما كانوا يصدرون التوجيهات المسبقة بما يحول دون الوقوع فى الاخطاء .