الأزمة0000المفهوم والواقع


الأزمة من الموضوعات الحيوية التي لا تتقادم مع مرور الزمن، حيث تظهر الحاجة إلى إدارة الأزمات والكوارث بصورة أكثر إلحاحاً كلما تنوعت بصورة تغاير المألوف في حياة المنظمة. وتعد الأزمة مرحلة متقدمة من مراحل الصراع الذي وجد منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، وهو غريزة متأصلة في أغوار النفس البشرية، حينما نشب صراع بين أخوين قتل أحدهما (قابيل) أخيه (هابيل)، فهي حقيقة ثابتة وجدت مع الإنسان التي لابد من أن نسبر أغوارها ونتعلم منها. وباتساع الأرض والأقوام والكيانات الكبيرة والصغيرة تتسع الأزمات وتضيق، ونتيجة لتفاعلات القوى والكيانات المحلية والدولية، وعدم اقتناع كل طرف بما يملكه، وبما قسمه الله له من أرزاق تنشأ صراعات خفية وعلنية، حيث تتربص كل قوة بالأخرى من أجل السيطرة وبسط النفوذ، كل ذلك مدعاة لنشوء الأزمات التي لا تبقي ولا تذر.
من هذا المنطلق لا توجد أمة بدون كوارث أو أزمات.. لا تعلم متى تثور، وفي واقع الأمر هناك أزمات يمكن السيطرة عليها واحتوائها، إلا أن هناك أزمات يصعب التنبؤ بها، ولا يكون من السهل تفسيرها، و إن فسرت استعصت معالجتها، وإن عولجت صعب التخلص من آثارها (الشعلان: 1419هـ، 1).
إن وسائل التقدم والرقي والاكتشافات الحديثة في المجالات المختلفة لم تحد من الأزمات أو تمنع حدوثها، بل بالعكس أدت إلى تسارعها وظهورها بأشكال وبأساليب مختلفة، إلى أن وصلت الأمور إلى صراع جديد وآني، فنحن اليوم نعيش أزمة كبرى هي أزمة صراع الحضارات، وهذا ما جعل العلماء ينادون بحلول تنقذ هذه الحضارات مما ينتظرها من صدام.
وبالرغم من أننا نعيش اليوم في ظل تيار عارم متدفق من الأحداث السريعة المتلاحقة أحدثته وسائل التقدم وأفرزته التكنولوجيا الحديثة، تنعم البشرية بنتاجها، إلا أنه في الوقت ذاته خلّفت معها أزمات وكوارث تشكلت هي الأخرى بأشكال مختلفة اتسمت بالسرعة والتعقيد، مما استوجب التصدي لها والاستفادة من الدروس التي خلّفتها.
وتختلف الأزمات من مجتمع لآخر، فالمجتمعات المتقدمة تمتلك القدرة والأساليب العلمية الحديثة لمواجهة الأزمات، أما الدول النامية والفقيرة، فالأطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي التي تحكمها، وكذلك علاقات عدم التوافق بين الكيانات الإدارية داخل الكيان الواحد، في ظل إمكانيات مادية وعلمية غير كافية وغير منتظمة تفرض سلوكيات معينة، ومواجهات تفتقر إلى الشمولية في المنهج العلمي؛ حيث تعتمد المستويات الإدارية على أسلوب إدارة تقليدي روتيني بسبب انهماك هذه الدول في مشاكل توفير الضروريات، رافضة حتى لمجرد الإصغاء إلى أهمية استخدام الإدارة العلمية في مواجهة ما يصادفها من مشكلات، وما يفاجئها من أزمات، غير عابئة بما يأتي به العلم الحديث في مناهج إدارة الأزمات والكوارث.
من هنا اتسمت أزمات هذه الدول بالعمق والقوة، وشدة الغموض وشمولية التأثير نتيجة جمود الفكر، وعدم تقبل الجديد، والعشوائية في اتخاذ القرار الغير صائب.
وفي السنوات الأخيرة اهتمت الأمم والشعوب بالعلم الحديث، واهتم متخذو القرار بالأساليب والقواعد العلمية التي تحكم السلوك وترشد متخذ القرار نحو الحلول المثلى، في ظل إمكانيات هائلة من نظم معلومات، واتصالات، وتقنيات ووسائل تكنولوجية متطورة في مواجهة الحدث وإزالة آثاره في وقت قياسي.
وتقدم وسائل الإعلام والاتصال قد مكن من إذابة المسافات بين مواقع الأزمات ومتخذي القرار، ومكنّ الإعلام من قيام دور فاعل في توعية الجمهور وإرشاده، باتباع قواعد السلامة والأمان. لقد استفادت الدول والشعوب من الأزمات التي حدثت في العالم، واستخلصت دروساً منها، فأزمة الغذاء جعلت الدول تتسابق في استنباط سلالات جديدة ذات إنتاج وفير، وأزمة الإرهاب ومعاناة شريحة كبيرة من دول العالم من ويلاته جعلت الدول وما زالت تبحث عن وسيلة للقضاء عليه. وأزمة حمى الوادي المتصدع جعلت دول أفريقيا والدول العربية من موقع الأزمة تهرول نحو أسباب الوقاية منها بالأساليب العلمية الحديثة والوسائل العصرية، في ظل اهتمام العلم الحديث بهذا النوع من الإدارة، حتى سن له قواعد وأصول تتدارسها الأجيال جيل بعد جيل، بحيث أصبحت الكيانات الإدارية في ظل النظام العالمي الجديد جزءاً من عالم كبير، مما جعل الأزمات أحداثاً عالمية الحدوث والأثر مهما كانت محليتها، تجد من الدارسين والمهتمين آذاناً صاغية في عالم أصبح وحدة اجتماعية متقاربة مترابطة سياسياً واقتصادياً وإدارياً، يتأثر الجزء منه بالجزء الآخر.
فالأزمة مهما بعد مكانها الجغرافي إلا أنها تؤثر على أجزاء كبيرة من العالم، إن لم يكن العالم كله. ولعل أحداث 11 سبتمبر خير دليل على ذلك.
ولعلنا إزاء استخدام المنهج العلمي كأسلوب للتعامل مع الأزمات كأسلوب وحيد مأمون العواقب نظراً لما يحققه من نتائج إيجابية في التعامل مع الأزمات، حيث أن الأساليب غير العلمية تأتي بنتائج مدمرة تقضي على أسباب الحياة برمتها، إنسان وحيوان ونبات.

مشعان الشاطري
ماجستير إدارة ازمات