[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]




هناك أنواع من الحريات: حرية العقيدة وحرية التعبير والتفكير والسفر وغيرها. وهناك أنواع من الحقوق: الحق في المواطنة والتعلم والعمل والحب والأمل وغيرها من حقوق الإنسان. وأضافت أمريكا حقوقًا أخرى لا غاية لها سوى البيع والربح.
هناك الحق في الحصول على (جرين كارد) بعد إقامة 5 سنوات، والحق في دخول السحب على الهجرة لأمريكا مقابل 50 دولارًا، والحق في أن تستخدم الكمبيوتر بعد الحصول على شهادة ICDL، بشرط شراء رخصة من ميكروسوفت، وتدخل الجامعة برخصة التوفل، وتدير مشروعًا بشهادة PMP، وتصبح محاسبًا بشهادة CPA، وخبير بورصات بشهادة CFA، ومدير بشهادة MBA.
من المؤكد أن الترخيص ضروري لكثير من المهن، فلا أحد يسكن عمارة لم يصممها مهندس، أو يسافر في طيارة يقودها طيار هاو، أو يخضع لعملية جراحية لا يجريها جراح. لكن حمى الترخيص طالت كل شيء، حتى وصلت نسبة المرخصين إلى 40% من العاملين في أمريكا، بعد أن كانت 5% في القرن الماضي. وما زالت هذه النسبة حول 13% في دول أخرى مثل بريطانيا واليابان.
في أمريكا لا تستطيع العمل حلاقا دون ترخيص، وتحتاج لحوالي 750 ساعة تدريب لتمارس وظيفة "مانيكير". ولا تمارس أعمال الديكور قبل دراسة الألوان والحصول على رخصة، حتى لو كنت مهندس تصميم داخلي. حتى دفن الموتى يحتاج لترخيص، لأن المرحوم لن يرتاح في قبره ما لم تخرج جنازته على يد جنائزي معتمد!
لكن رغم ترخيص كل أطباء أمريكا، بقي 20 مليون أمريكي دون رعاية صحية، ورغم ترخيص كل محاسبي أمريكا، بقيت مشكلات التزوير والتلاعب في ميزانيات الشركات ظاهرة شائعة، ورغم ترخيص كل خبراء البورصة، انهارت أسواق المال وأفلست الأعمال. فما فائدة كل هذه التراخيص ما دامت آثارها سلبية؟! فمن أبرز سلبيات التراخيص؛ تضخم حجم الحكومة الأمريكية بعدما وجدت هيئات لا تفعل شيئًا سوى الترخيص للآخرين، مع أنها غير مرخصة؛ وتفاقمت ظاهرة البطالة وحرمت الموهوبين من ابتكار مشروعات جديدة لأنهم غير مرخصين.
وفي الدول العربية بدأنا نرخص كل شيء. فلا أحد يغني أو يمثل أو يرسم أو يكتب مقالاً دون ترخيص. وجاءت ظاهرة المدرب المعتمد في كل شيء. فهناك مدرب معتمد في البرمجة اللغوية، وممارس معتمد في بطاقات الأداء ومهارات الاتصال، ومع زيادة أعداد المدربين المعتمدين، وأعداد الخريجين على أيدي هؤلاء الممارسين العامين، زادت البطالة، وانخفضت الإنتاجية.
التخبيص لغة، هو خلط الحابل بالنابل، والخبيص هو "الهريس" وأي شيء اختلط بعضه ببعض. وما نراه في أسواق الشهادات المعتمدة، ودورات الممارس العام، هو "هريس" و"خبيص". والنتيجة؟ كل يرخص ويعتمد ويدرب ويخرب على هواه! وكل يخبص و يغني على ليلاه!
نسيم الصمادي