إذا سألت خبراء اقتصاديين وإداريين: ما هو سر تعثر أي شركة أيًّا كان نشاطها في العالم؟ فمن المؤكد أنهم سيختلفون في الأسباب، إلا أنهم سيتفقون على أمر واحد، وهو ضعف إدارة الموارد البشرية؛ وهو ما أدى لمناخ طارد للموظفين الأكْفاء، الأمر الذي لا تستطيع معه الشركة إيجاد حلول للمشكلات التي تمر بها.
ولعل ذلك دفع الشركات في الدول الغربية للاستثمار بكثافة في العنصر البشري الذي يستطيع إيجاد حلول إبداعية في مجال الإنتاج. وجاء ذلك ضمن اهتمام عالمي بدأ منذ تسعينيات القرن العشرين بالتنمية البشرية بأوجهها المختلفة كقاطرة للتقدم الاقتصادي للمجتمعات.
وفي هذا السياق تحولت إدارة شئون العاملين في المؤسسات التي اقتصر عملها على تعيين ومتابعة الموظف، إلى إدارة متطورة للموارد البشرية تستهدف جذب الموظفين الأكْفاء، والحفاظ على استمرارهم عبر نظم أجور مميزة، كما يقول د.عادل زايد مدير مركز البحوث والدراسات التجارية بجامعة القاهرة.
أما الدور الأهم لإدارة الموارد البشرية -من وجهة نظر الدكتور زايد- فهو تنمية العاملين داخل المؤسسة، من خلال التدريب المستمر لإكساب الموظف الخبرات والمهارات لمواكبة التطورات في مجال العمل.
ويضيف أن إدارة الموارد البشرية تحدد الاحتياجات التدريبية بمؤسساتها من خلال حصر المهارات المطلوب رفع مستواها لدى العاملين، وتقوم بصياغتها بشكل أهداف يرجى تحقيقها، ويتم على أساسها تصميم البرنامج التدريبي.
نظرة تقليدية
لكن الدكتور زايد يقول لشبكة "إسلام أون لاين.نت": إن ثمة نظرة تقليدية تسيطر على بعض إدارات الموارد البشرية في المؤسسات العربية التي ما زالت تعتقد أن دورها هو مجرد إدارة لحفظ المستندات والأوراق الخاصة بالعاملين داخل المؤسسة.
ويفسر الدكتور عبد المطلب عبد الحميد -مدير إدارة البحوث بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية- وجود هذه النظرة بعدم إدراك مدى أهمية العنصر البشري ضمن منظومة أي عملية إنتاجية سواء على المستوى الجزئي أو الكلي.
ويدلل على ذلك بضعف المخصصات المالية لإدارات الموارد البشرية خاصة في أداء دورها في التدريب. ويقول: "ما زالت هناك مؤسسات تعتقد أن استثمار العنصر البشري يمثل عبئًا إضافيًّا على المؤسسة؛ لأنه يحتاج إلى مبالغ طائلة".
غير أن الموارد البشرية -كما يراها الدكتور عبد الحميد- هي ثروة ليست فقط للشركات أو المؤسسات، وإنما للدولة نفسها، وكلما تم الارتقاء بمهاراتها، أدى ذلك إلى المساهمة في التقدم الاقتصادي.
ويشير إلى أن التدريب والتحفيز للموظف يجعله أكثر إبداعًا، وبالتالي تتفتق في ذهنه حلول لأي مشكلات يواجهها، وتكون لديه دائمًا قدرة على مواكبة أي تطورات وتغييرات في أنظمة المؤسسة التي يعمل فيها، وليس مقاومتها كما نرى في مؤسستنا العربية.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك إهمال ملحوظ من إدارات الموارد البشرية العربية في اختيار الموظفين في البداية؛ بسبب ضعف كفاءة من يعملون في هذه الإدارات والفساد المجتمعي، ويقول الدكتور عبد الحميد: "تكون هناك اختبارات شكلية لا حقيقية لتعيين الموظفين، وبالتالي يشغل أناس من غير ذوي الكفاءة وظائف محورية بالمؤسسة؛ بسبب تعمق المحسوبية والوساطة في مجتمعاتنا".
ويضيف أن هذا الأمر يكلف المؤسسات العربية الكثير من النفقات، حتى يتم تدريب أولئك الموظفين للقيام بمهام المؤسسة، وقد يفشلون في ذلك، مما يؤثر على المؤسسة ككل.
أين الصف الثاني؟
ولأن عدم وجود صف ثانٍ يعني أن المؤسسة قد يتجمد أداؤها في حال رحيل الصف الأول أو تقديم استقالاتهم؛ لذا يفترض أن تحرص على إيجاد بدائل لموظفيها الأكفاء.
غير أن هذا الأمر يكاد يكون غير متواجد في منطقتنا العربية، فيقول الدكتور عبد الحميد: "في منطقتنا المديرون لا يستطيعون الاستغناء عن مناصبهم، ويحبذون الظهور في الصورة وحدهم دون غيرهم من باقي الموظفين، وذلك يؤدي إلى نقص الخبرات داخل تلك المؤسسات...".
ويضيف أن أبرز مهمة لإدارة الموارد البشرية هي إعداد كوادر مؤهلة بديلة لتحقيق أهداف المنشأة، ووضع خطط لما يسمى بتخطيط المسار الوظيفي للعاملين، فضلا عن ممارسة دورها في رفع إنتاجية الأفراد عبر تحفيزهم وتعميق انتمائهم للمؤسسة.
تقييم شكلي
ويقع على عاتق إدارة الموارد البشرية تقييم الأداء الوظيفي للعاملين في المنشأة، ووضع معدلات ومقاييس لقياس درجة كفاءتهم بشكل دوري ومنتظم في ضوء السياسات والأهداف المعلنة. ويفترض أنه بناء على هذا التقييم تتم حركة الترقيات للعاملين أو نقلهم أو حتى تسريحهم من المؤسسة.
لكن الدكتور حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية فيرى أن تقييم الأداء السنوي للموظفين في معظم المؤسسات العربية أصبح "مجرد إجراءات أو تصرفات شكلية لا تمس للموضوعية بشيء، ولا تعكس الأداء الحقيقي داخل المؤسسة، وفي حالات كثيرة لا تعكس هذه التقييمات سوى وجهات النظر الذاتية لبعض العاملين البارزين داخل المنشأة فقط".
ضرورة تغيير الإدراك
هذه المشكلات التي تعاني منها إدارات الموارد البشرية، تدفع إلى ضرورة تغيير إدراكها لمهامها ووظائفها، وهذا ما يطالب به الدكتور زياد الذي ينبه إلى أن الاستثمار في الموارد البشرية طويل الأجل، ولا يمكن حصد النتائج المباشرة في وقت قصير.
ويضيف أن هذا يفرض على المؤسسات ألا تستعجل في حصد ثمار عمل إدارة فعّالة للموارد البشرية؛ فرغم أن اكتساب المهارات والمعرفة والاتجاهات من خلال التدريب يكلف دائمًا نفقات عالية من المال، فإنه يعتبر جزءًا من رأس مال الموظف والمؤسسة.
أما الدكتور حمدي عبد العظيم فيرى أنه لا بد أن تتوسع مهام الموارد البشرية لتشمل القيام بدراسات عن العاملين في المؤسسة كل فترة وقدراتهم على الإنتاج؛ لإعادة توزيعهم على مختلف الإدارات، بما يتفق مع كفاءة كل واحد، وهو ما يعطي حيوية للمؤسسة.
وأهمية هذا الأمر -من وجهة نظر الدكتور حمدي- أنه يساعد الإدارة العليا داخل المنشأة، خاصة فيما يتعلق بتوضيح احتياجاتها، ووضع أساليب لسد العجز في الخبرات والتخلص من العمالة الزائدة.
أيضًا فلا بد من أن تهتم إدارة الموارد البشرية بإجراء استبيان بين الحين والآخر حول الرضاء الوظيفي للطاقات البشرية داخل الشركة، والتعرف على متطلباتهم والاستجابة لها إذا كانت واقعية.