قبل أربع سنوات منقضية، أرسل لي صديق قصاصة إنترنتية، عن أغرب قضية، ليست فقط مأساوية، بل هي تراجيديا إغريقية، يتداخل فيها حابل الجلاد بنابل الضحية!
صحيح أنها ليست إنسانية، إلا أن حميّتي وغيرتي الحيوانية، تمنحها الأولوية، ولست كغيري من البرِية، ممن يستهويهم الضحك على شرِّ البلية، التي جعلت فأراً مسكيناً يفقد الهوية، وضاع بين إهمال الخطوط السعودية، وتقاعس شقيقتها المصرية، ليصبح نكرة في الحدود الدولية، بدلاً من لمّ شمله ببقية الذرية، وإن اشمئزّ منه حتى عامل البلدية!
حسناً، لقد تأخر هذا المقال أربع سنوات، لكنه ظل ديناً في رقبتي، والقصة هي أن فأراً أثار الذعر آنذاك في رحلة للخطوط السعودية؛ قبل إقلاعها من القاهرة بربع ساعة، عندما صرخت راكبة حين اكتشفت فأراً يسير على جسد ابنها الذي يجلس بجوارها، الأمر الذي تسبب في وقف تشغيل الطائرة لأكثر من 24 ساعة، وإلغاء رحلتها وعودتها من ممر الإقلاع وعلى متنها 368 راكباً، وحدوث خسائر للشركة التي اتهمت سلطات مطار القاهرة بالإهمال، والتسبب في تكبّدها لخسائر بلغت نحو 3 ملايين جنيه؛ بسبب استدعاء طائرة أخرى!
أما الملابسات التي أعقبت الحادثة؛ فهي أظرف ما في الأمر، حيث نفى المسؤولون المصريون آنذاك أن يكون الفأر مصرياً، وأكدوا استحالة تسلل أي فأر لأي طائرة في المطار.
واستنفرت الصحافة المصرية جهودها لمعرفة هوية الفأر، فأوردت إحداها رأياً لرئيس الجمعية المصرية لعلم الحيوان، الذي أكد أن تحديد الجهة المسؤولة عن الخسائر يتوقف على تحديد جنسية الفأر، وأن ذلك لن يتم إلا من خلال معرفة السلالة التي ينتمي إليها، مضيفاً أنه من المحتمل أن يكون “الفأر سعودياً” أو من أي دولة أخرى، أو قد يكون موجوداً على الطائرة منذ 15 يوماً؛ دون أن يكتشفه أحد، ولمعرفة ذلك يمكن فحص الفأر من خلال المواصفات البيئية التي اكتسبها من المنطقة التي عاش فيها.
الأسئلة التي تشغل ذهني الآن كثيرة – باعتباري ممثلاً شرعياً للحيوانات – مثل: أين الفأر الآن؟ هل يلقى مُعاملة حسنة؟ لماذا نسي الثوريون في الميادين تحريره مع ذويهم؟ هل تُشرف عليه لجنة طبية محايدة؟ هل تتابع المنظمات الدولية قضيته للتأكد من عدم تعرضه للتعذيب، للإقرار بما يريده المحققون، بغض النظر عن التعتيم الإعلامي حول مصيره؟!
إن هذا الفأر لديه من المنغّصات ما يغني عن بيروقراطية البشر، بغض النظر عن سخرية إخواننا المعلّقين المصريين من القصة، وهي بالمناسبة موجودة في الإنترنت، وتضيف المزيد من البهارات لمن لم ينصحه الطبيب بتجنّبها!
هذه القضية واضحة وقد تم تناولها في الصحافة المصرية، لكن لا نعلم ما التسوية التي تمت لإغلاقها وإبقائها طي الكتمان؟!
وهل قامت فعلاً لجنة خاصة بزيارة الوجهة التي قدمت منها الطائرة، كجُدة أو الرياض مثلاً لجمع فئران من عدة أحياء، لمطابقة الـDNA مع الفأر الأسير في القاهرة؟!
حسناً، ماذا بقي؟!
بقي القول إنني سأتابع هذا الأمر بشكل شخصي، حتى لو ترتّبت عليه رحلات مكوكية، وسأستعين بالزميل “أحمد عدنان” الذي صرّح في فيسبوك ذات مرة أنه سيُسافر إلى القاهرة للبحث عن حلول لموضوعات أقل أهمية من قضية فأري العزيز!
رابط الخبر بصحيفة الوئام: المطالبة بالثأر .. لأن أهل الخطوط أساؤوا للفأر ..!