الاستدلال والمنطق:
ينصبُّ الاهتمام في علم المنطق على عمليات الاستدلال وَفْق القواعد المنطقية؛ ذلك أن علم المنطق هو في الأصل علم الاستدلال الصائب، ويميز علماء المنطق بين ثلاثة أنواع من الاستدلال، هي: الاستنباط، والاستقراء، والتمثيل: الاستدلال الاستنباطي Deductive Reasoning: ويعني الاستدلال من العام إلى الخاص.
مثال:
جميع الفلزات تتمدد بالحرارة.
الحديد فلز.
إذًا يتمدد الحديد بالحرارة.
الاستدلال الاستقرائي Inductive Reasoning: ويعني الاستدلال من الخاص إلى العام.
مثال:
الحديد معدِن ويتمدَّد بالحرارة، النُّحاس معدِن ويتمدد بالحرارة، الألمنيوم معدن ويتمدد بالحرارة.
إذًا كل المعادن تتمدد بالحرارة.
الاستدلال التمثيلي Analogical Reasoning: وهو استدلال من الخاص إلى الخاص، ويتم عن طريق إجراء مماثلةٍ بين شيئين أو حالتين بينهما أوجهُ شبهٍ، ويترتَّب على عملية المماثلة الوصولُ إلى نتيجةٍ مفادُها نقلُ حكم أو وصف من أحد المتماثلين إلى الآخر. وليس هناك شكٌّ في أن فهمَ قواعد المنطق الضروري ومبادئه، والألفة ببعض مصطلحات المنطق، ومعرفة أنواع الاستدلال المنطقي - تمثِّلُ عوامل مُعِينة ومفيدة لممارسة الاستدلال بفاعلية، ولكن ينبغي ملاحظة أن المنطق ليس إلا مظهرًا واحدًا من مظاهر الاستدلال؛ لأن الاستدلالَ بمعناه الواسعِ لا يقتصر على استخدام قواعد المنطق وتحرِّي المغالطات المنطقية، بل يتعدَّى ذلك إلى أشكالٍ عديدة تستخدمُ فيها قواعد علم النفس المعرفي والتطوري، وعلم نفس التعلم، ومعالجة المعلومات، وغيرها، كما أن المنطقَ لا يقدِّم الكثير في موضوع الكشف عن صحة الأشياء والادِّعاءات أو زيفها، بينما الاستدلال مَعنِيٌّ بالتوصُّل إلى الحقيقة عن طريق توليد الفرضيات وفحصها وموازنة البدائل، وهي عمليات يلعب الإبداع دورًا جوهريًّا فيها؛ لأنها تتجاوزُ ما هو متاحٌ من معلومات. إن المنطق يمثِّل أحد الجوانب المهمة في عملية الاستدلال، ولكن معرفة القواعد الصورية للمنطق في حد ذاتها لا تعدُّ ضمانة للوصول إلى استدلال صحيح. الاستدلال والحقيقة: يميز نيكرسون (Nickerson, 1986) بين الحقيقة والاعتقاد والرأي، فالحقيقة في جوهرِها عبارة عن اعتقادات، تجمَّعت لدعمه أدلةٌ صحيحة تجعل ثقتنا كبيرة في كونه حقيقة، أما الاعتقاد، فلم تَثبُت صحته، ويمكن الافتراض بأنه إما أن يكون صحيحًا وإما أن يكون خطأ، وفي المقابل ينحصر الرأي في الأمور المرتبطة بالتفضيلات والقيم والأذواق الشخصية، ولا يخضع للاستدلال أو معايير الصحة والخطأ. ويرتبط الاستدلال الصائب ارتباطا وثيقًا بالحقيقة، بالرغم من أن الاستدلال لا يؤدي دائمًا إلى الحقيقة، ومن أجل ذلك يقتضي الاستدلال الصائب من جانب الفرد وجودَ اتجاه محدَّد لديه نحو الحقيقة، يرتكز ضمنيًّا على مجموعة أسس هي أشبه ما تكون بالمسلَّمات؛ ومن أهم هذه الأسس ما يأتي: • الالتزام بالحقيقة طالما كان بالإمكان إثباتها. • الرغبة في تعديل المعتقدات والحقائق عند توافر أدلة تستوجب التعديل. • التسليم بأن حالة اليقين نادرة، وأن الحاجة لإعادة فحص المعتقدات - بما فيها المعتقدات الراسخة - من وقت لآخر قائمة ومشروعة، قد ثبت زيفه لدى حضارة أخرى أو في عصر آخر. • الاستدلال الصائب لا يقود بالضرورة إلى الحقيقة. • الاستدلال الصائب يجعل الفرد أكثر اقترابًا من الحقائق.