الحاجة لمهنة الاستشارات الإدارية
تحتاج المنظمات ويحتاج الأفراد دائما إلي المشورة ، وقد عرف الناس من قديم استشارة الطبيب واستشارة رجال الدين والحكماء ، غير أن بروز المستشار الإداري كهوية مستقلة يستشيرها الناس هو ظاهرة حديثة نسبيا ، بل أن مكاتب المحاسبة والمحاماة والهندسة قد قامت لفترة طويلة بتلبية الحاجة إلي الاستشارات الإدارية ضمن نطاق عملياتها وأنشطتها لعدم وجود مكاتب استشارات إدارية مؤهلة ويوثق بها 0
وليس هناك من عيب هيكلي في انضمام نشاط الاستشارات مع غيره من الأنشطة الاستشارية في مؤسسة استشارية واحدة ، شريطة أن تبقي للمستشار الإداري منطقة عمله المتخصص والذي لا يستطيعه غيره 0
لقد تزايدت الحاجة إلي مهنة الاستشارات الإدارية المستقلة عن غيرها من المهن للاعتبارات الآتية :
·تطور وتنامي المعرفة الإنسانية ، وبالتالي تطور وتنامي مجالات التخصص والتخصص الدقيق إلي الحد الذي يتعذر فيه علي المدير أن يحيط بها جميعا ، وأن يتقن جوانبها المختلفة ، فتزايدت حاجته إلي استشارة المتخصصين 0 وعلي سبيل المثال فإن المدير المالي المحترف والمؤهل في أي شركة لا يستطيع أن يلمّ بكل الفروع الدقيقة والمتخصصة للعمل المالي والاستثماري ، ويكون من الأصلح له وللشركة أن يستعين بأهل الرأي في الأمور التي لا يملك ناصيتها ولا يتقن تفاصيلها 0
·ويرتبط بما سبق أن هناك من وقت لآخر حاجة بالشركة إلي الاستشارة في مجال متخصص لا يكون من المجدي اقتصاديا أن أوظّف المتخصص فيه ضمن قوة العمل المتفرغة بالشركة ، بمعني أنه لا يمكن للشركة اقتصاديا أن توظف متخصصين في كل فروع المعارف الإدارية كموظفين متفرغين لديها ، ويكون من المنطقي الاستعانة بمستشار متخصص لبعض الوقت في المجالات التي تنشأ الحاجة إلي المشورة فيها لبعض الوقت 0
·واستطرادا علي النقطة السابقة فإنه حتي لو استطاعت الشركة أن توظف لديها متخصصين متفرغين في أغلب المجالات ، فقد تنشأ الحاجة إلي استشارة متخصصين علي مستوي أعلي من التأهيل والخبرة ليس بالإمكان تعيينهم موظفين بالشركة 0
·إن اللجوء للاستعانة بالمستشار الإداري الخارجي يحقق مزيتين أخريين علي جانب كبير من الأهمية :
-الأولي هي توافر ظروف أفضل لاستقلال الرأي وحياده بالمقارنة بالموظف الداخلي والذي قد يتأثر باعتبارات ومصالح شخصية ، وقد يأخذه الحماس لموضوع فلا يري سلبياته ، كما قد يتأثر بموازين القوي والنفوذ داخل الشركة فلا تكون نصيحته محايدة 0
- الثانية هي توافر ظروف أفضل لتحقيق الرؤية الكلية للصورة وتوافر هذه الرؤية الكلية شرط مبدئي (ضمن شروط أخري بالطبع) لسلامة المشورة ، وذلك بالمقارنة بالموظف الداخلي الذي قد يصعب عليه تحقيق هذه الرؤية بسبب انغماسه الشديد في إدارته أو انشغاله الشديد بمعطيات وظيفته 0
· يتيح المستشار الخارجي أيضا إمكانية أكبر وفرصا أوسع لتشكيل فرق العمل الاستشارية والتي تضم تخصصات متعددة مرتبطة بموضوع الاستشارة ، وهو أمر وإن كان متاحا أيضا بين الموظفين الداخليين ، إلا أن ظلالا من خبراتهم وتحيزاتهم وتنافسهم علي الظهور وربما صراعاتهم قد تنعكس علي عملهم في الفريق ، مما يهدد بالتأثير علي سلامة المشورة 0
· وربما تجدر الإشارة إلي أن ما جرت عليه بعض الشركات - ومن بينها كبري الشركات - من اللجوء إلي مكاتب المحاسبين والمراجعين لإعطائهم ما يحتاجون إليه من استشارات إدارية قد أظهر مخاطر شديدة في الآونة الأخيرة بسبب شبهة تعارض المصالح أو الخضوع للتأثير من الإدارة عند إعطاء المشورة0 وقد تداولت وسائل الإعلام مؤخرا قصصا ووقائع متعددة لم يستطع فيها المراجع أو المدقق الحفاظ علي حياده واستقلاله ونزاهته عندما أعطي مشورته وأحكامه بشأن الشركة التي يراجع ميزانياتها ، ناهيك عن احتمالات التلاعب المتعمدّ وهو أمر ممكن الحدوث مع كل المستشارين 0
خلاصة القول
إن هناك حاجة ملحة ومتزايدة لوجود وقوة مهنة المستشار الإداري المستقل لضمان التخصص بمستوي رفيع ولزيادة فرص الاستقلال والنـزاهة في الرأي
نقلاً عن :
المستشار الإداري - معايير التأهيل والاعتماد
أ.د صديق محمد عفيفي
أستاذ إدارة الأعمال
رئيس أكاديمية طيبة المتكاملة للعلوم