التعامل مع رئيس العمل أمر يشغل بال الكثير منا؛ فضبط تلك العلاقة يوفر بيئة عمل مناسبة تحقق النجاح للمؤسسة، أو قد تتسبب في العكس، ولنتعرف على نفسية كل مدير والطريقة المثلى للتعامل معه.


حدد د. محمد فتحي خبير التنمية البشرية أهم الصفات التي قد يتصف بها مدير ما فتعكر صفاء علاقته بمرءوسيه، فرصد بعضها فيما يلي:

-المدير "الودني": يسمع كلام الناس ويسيء الظن بمن حوله، معتقدا أن الجميع يحاربونه، ويعادونه، ويتربصون به الدوائر، فهو يبحث عن الأخبار والأقاصيص ويشجع الناس أن يتعاملوا معه، أو يتحدثوا معه عن بعضهم.

وللتعامل مع هذا المدير: عليك أن تقصر اتصالك معه على أمور العمل فقط، وابتعد تماما عن المجاملات، وليكن هدفك الصدق مع النفس في التعامل معه، ولا تتحدث عن زملائك معه، أو عن أي شخص آخر خاصة بالعمل.

وإذا وشى بك أحد عند رئيسك في العمل، فلا تسأله من الذي وشى بك.. فقط ابحث مع نفسك، إذا كان الأمر عيبا فيك فأقلع عنه، وإذا كان الأمر ليس عيبا فيك فاستمر في تصرفاتك العادية والمعتادة، وسيعلم عندها أن كفاءتك في العمل هي الأساس، وأن ما قيل عنك غير صحيح، حتى ينتهي.

ولكسب هذا النوع من المديرين فلابد للعاملين معه من إظهار الجد والاجتهاد في إنجاز العمل الموكل إليهم، وإظهار أنهم أهل لهذه الثقة الممنوحة لهم من خلال عملهم.

-المدير سريع الغضب: حاد المزاج.. يشعر بضرورة الإسراع في الهجوم على الآخرين قبل أن يباغتوه بالهجوم، فهو عادة لا يثق بأحد.

للتعامل معه: عليك تجنب ما يثير انفعاله، أو يستحث غضبه، حتى في حالة غضبه، واحتفظ بهدوء أعصابك، واستمع له بإنصات تام، ولا تقابل غضبه وهجومه بهجوم مماثل؛ حتى لا تتضخم المشكلة وتتعقد، ويفلت الموقف منه ومنك.

إذا كان يلوح بذراعيه، فضع ذراعيك جانبا، وإذا كان وجهه مقطبا عابسا فاجعل وجهك هادئا وليس ضاحكا، وإذا كان يضم قبضة يده، فابسط يديك، وإذا كان يصرخ ويعلو صوته، فاجعل صوتك رزينا هادئا، وضع دائما الكلمات الآتية على لسانك: لا يمكن أن ألومك.. أشعر بما تشعر به لو كنت مكانك.

عندما يهدأ ابدأ في عرض وجهة نظرك، أو اشرح أسباب الخطأ، فإن وقعت في خطأ فعلا فاعترف به. وإذا كان غضبه خطأ منه، فعليك أو على أحد الزملاء أن يقدم له ما يفيد عدم مسئولية هذا الفرد عن الخطأ، مع التأكيد على أن هذا الكلام ليس لوما له.

-المدير محب الظهور: هذه النوعية من المديرين التي تنسب العمل لنفسها، تعتقد أن ذلك حق مكتسب؛ لأنه هو الذي يقود فريق العمل، ويعتقد أن النتائج المميزة التي حققها من خلال مجموعة العمل الموجودة معه حق مكتسب بالنسبة له.

للتعامل معه: على الموظف أن يظهر أداءه للغير، وشارك مع رئيسك في الظهور بدون أن تشتكي، وبدون أن تعترف على الملأ أن لك الفضل فيما وصل هو إليه، واسأله دائما المشورة والرأي، واجذب انتباهه عند معالجتك للأمور، ولابد من مراعاة مشاعره عند وضعك لخطط العمل، فهو رئيس وليس لصا.

أي نتائج عمل قدمها موثقة وانسخ منها عدة نسخ، ووزعها لمن يعنيه الأمر، وإذا وجدت من يثني عليك بدون رئيسك، ولا تظهر ذلك له، حتى لا يعتقد أنك تسرق النجومية منه، ولا تنس مطلقا أن تواظب على إخطار رئيسك بفضل مساعدته لك.

-المدير المتردد: شخصية تخشى اتخاذ قرار، وتقلق جدا من نتائجه إذا اتخذته، فهو لا يثق في نفسه، وغير متأكد من أي شيء؛ لذا مطلوب أن نكسب ثقة هذا المدير؛ لإعانته على الخروج من تردده.

حتى تساعده، عليك أن تحدد دورك في جمع البيانات وتحليلها، وتلخيصها، وتقديمها له بطريقة لبقة، حتى تقل فرص التردد، ويصبح في موقف يمكنه من اتخاذ القرار، وعند عرض بياناتك والمعلومات التي تقدمها له، ولابد أن توفر له بدائل مختلفة، وترجح له البديل الأمثل، ولماذا اخترته، ومزاياه.

وللتعامل معه:عليك أن تكون دائما المرءوس وهو الرئيس.. كن دائما المساعد له وقت الحاجة، وإلا فسوف تدور الظنون برأسه، ويتهمك بالتقصير.

الأساس هنا هو مساعدة مديرك على التغلب على تردده وعلى اتخاذه للقرار، ولا يعني ذلك أن زمام الإدارة أو القيادة انتقل إليك؛ فأنت مجرد مساعد له، وإياك أن تعتقد أنه لا يستطيع التصرف بدونك؛ فأنت هنا تقلل من شأنه، ولن يسمح هو بهذا مطلقا.

- المدير الحساس: يظن أن أي اقتراح من قبل أي فرد أو طرف أدنى منه في المرتبة الإدارية، كأنه نوع من الهجوم عليه، وبالتالي يعتبر هذا نقصا في شخصيته، أو كفاءته الإدارية.. تخيل لو لديك صديق حساس، ماذا تصنع معه؟

وللتعامل معه: عليك أن تجتهد في البحث عن الألفاظ والعبارات والمواقف العملية البسيطة، حتى لا تحرجه، مع اعتبار أنه إيجابي تماما، ومن الممكن التوافق لو أحسنت اختيار المدخل المناسب له.

-المدير ناقض العهد: يرجع في وعوده، ويحنث في اتفاقاته، ولا ينوي أن يوفي بما وعد أبدا، ولا يدعم رجاله أو العاملين معه بالسلطة المناسبة لأداء العمل المناسب، كما يحلو له سحب البساط من تحت أقدامهم، وقد لا يكتفي بهذا، فمن الممكن أن يعرضهم للحرج الشديد أمام الغير. وللتعامل معه: ليكن هدفك هو محافظة رئيسك على الوعد الذي وعد به إذا ما واجهتك مشكلة بسببه.. تحدث عنها وكأنها مشكلته هو، ولا تخصك أنت وحدك.. ناقش معه الأهداف المشتركة بينكما لصالح العمل، وذكره بالمكاسب المتوقعة إذا نفذ ما وعدك به.. سهل له الأمور ليحافظ على عهده.. قيم ما أنت في حاجة إليه، ووضح له ذلك، ولا تنس أن تراعي وقته، ورتب أفكارك قبل لقائه، فهو ماكر ويعرف أنك حتما سوف تعود مرة أخرى، فهو ينتظرك ويعرف ما تريد منه بالتحديد.

لا تنس أن تراعي في حديثك اللباقة واللياقة، وإياك وابتسام الماكرين عند الحديث معه.. لا تستجدِ ما وعدك به، وأكد له أنك اليد اليمنى له للوصول إلى ما يريد في العمل.

- المدير عاشق المركزية: عادة يكون سعيه لمركزية العمل بين يديه نتاجا لتجربة سيئة سابقة في التفويض، فأصبح يرى أن النجاح في العمل مرتبط بشكل مباشر بعدم تفويض أي سلطات للموظفين العاملين في فريقه.

وللتعامل معه: يجب عليك دائما التأكيد على أنك صاحب خبرة أعلى (وبالتأكيد ليس أعلى منه)، وإثبات ذلك عن طريق العمل، ثم العمل وإتقانه عدة مرات قبل أن تتكلم معه في هذا الأمر، حتى يتأكد تماما أنك أهل للثقة وللتفويض.

إذا كان الأمر عقدة ناتجة عن عدم الخبرة، فمن الحماقة أن تتجادل معه، على أساس تفويض أكبر قدر ممكن من المسئوليات؛ لأن الأمر قد يتطور فيظن أنك تسعى أن تعتلي كرسيه، وفي هذه الحالة أدعو الله أن تخرج سالما من هذه المؤسسة.

- المدير متصيد الأخطاء: ضيق الأفق، ويعلق على أتفه الأخطاء، وثائر دائما، ويلجأ إلى العنف عند الكلام، ويريد أداء العمل بشكل نموذجي؛ لذلك عليك التدقيق في كل عمل قبل تقديمه له؛ ليتحلى عملك بمستوى عال من الجودة والإتقان، ولا تنس فربما تكون طريقتك في العمل غير مناسبة، أو ينقصها بعض التركيز، وربما تكون وجهة نظره فيما هو مطلوب منه كمدير من قبل رؤسائه أن الأخطاء لا يمكن قبولها في العمل.

وللتعامل معه: لابد من تقبل وجهة نظره، ولا تغضب من أفعاله، وحاول أن توجه طاقتك نحو إجادة العمل من أول مرة، ومراجعته جيدا، وإذا كان هناك معايير للأداء في العمل فتأكد من أنك تسير على هداها، وإذا لم يكن اجتهد أن تضع معايير لها، ويوافقك عليها رئيسك.

إذا كنت تتوقع حدوث أخطاء في العمل قبل البدء فيه، فاستشر رئيسك في كيفية تفاديها، وإذا وقعت أخطاء بالفعل، وتعرض لك الرئيس بالمسائلة فاشرح له أسباب الأخطاء، وأنصت جيدا لما يقول، واعمل بتوجهاته، واحذر أن تكرر نفس الأخطاء مرة أخرى.

يمكنك توجيه اهتمامه نحو أشياء أكثر أهمية لمصلحة العمل، كالتفرغ لأهداف عليا؛ ليكف عن المتابعة وملاحقة الأخطاء البسيطة.

- المدير الفاشل في إقامة علاقات إنسانية: بعض المديرين أثرت فيهم التربية السيئة أو المعقدة بشكل كبير، فيعتقد خطأ أن المدير لابد أن يكون كالضابط، لا يضحك تماما؛ حتى لا تضعف شخصيته أمام موظفيه، فهو يظن أنه كلما كان متجهما كلما اكتسب احترام من حوله، وأنه كلما كان متشددا، كلما أعطاه ذلك أداء أفضل من قبل موظفيه، وقد يكون هذا الأداء بدافع التعتيم على بعض عيوبه الشخصية، رغم أنك ستجده بالتأكيد لديه محاسن وإيجابيات كثيرة.

للتعامل معه: عليك زيادة جرعة التواصل الإنساني بينكما، حتى ولو لم يكن يهتم بها تماما، مع مراعاة إتقان العمل تماما، والسرعة في رد الفعل عند طلب أداء مهمة ما، والاعتراف بالخطأ إذا وقع مع عدم الكذب، أو رمي الخطأ على شخص أو طرف ما، فهو لن يتسامح في هذا.

هناك من الأمور المعقدة في التربية في مجتمعاتنا العربية، والتي تؤثر في شخصيتنا، ولا تظهر إلا عند الكبر، ولكن بالتأكيد هو شخص حنون ومهذب، ولكن يخشى أن يظهر هذا الحنان والتهذيب، وحتى لا يحول هذا بينكم وبين أداء العمل بالجودة المناسبة، فعليك بالتواصل، ثم التواصل، ثم الصبر على التواصل التام، مهما كانت ردود الأفعال.

متى تقرر ترك العمل؟

لو أن كل شخص اختلف نسبيا مع مديره ترك عمله، فلن يعمل أي شخص في أي وظيفة، فالأصل في التعامل مع المدير أو مع غيره الاختلاف، ولكن ثمة فارق بين الاختلاف والخلاف.

فالاختلاف يعني: أن هناك وجهة نظر أخرى صحيحة، ولكن لا تتفق مع مفهومك، ولكن ممكن تطبيقها، وفي حالة كونها وجهة نظر المدير فلابد من تنفيذها.

أما الخلاف: فهو خلاف شخصي يتم على شخصية المدير، أو غيره، فمطلوب عدم الخلط ما بين الاختلاف والخلاف، فإذا كان الأمر اختلافا نقبل وننفذ بعد عرض وجهة نظرنا بهدوء وأدب، فهناك فارق بين الصراحة والوقاحة، وهناك فارق بين توصيل نصيحة لشخص، أو الإساءة إلى شخص.

وفي حالة حدوث تصادم أو مشكلة كبيرة في التواصل مع مديرك، حدد لنفسك إيجابيات مديرك مقابل سلبياته؛ لأنه بالتأكيد كل منا له سلبيات وإيجابيات، فليس هناك أي معنى أن يترك أي شخص عمله لمجرد أنه اختلف مع المدير، فكل شخص منا يختلف حتى مع نفسه، والمطلوب حتى يظل يعمل في المكان أن يروض نفسه للتوافق مع ما يطلبه المدير.