المدارس الإدارية
المدرسة البيروقراطية
عبد الرحمن تيشوري – شهادة عليا بالادارة

فيما يلي توضيح مختصر لبعض المدارس والنظريات الإدارية .
I- البيروقراطية
عاش ماكس فيبر بين 1864-1920 وهو من أصل ألماني تأهل في القانون واستعان بعلم الاجتماع واللاهوت والاقتصاد لمتابعة موضوع اهتمامه الأكاديمي الذي يتلخص في دراسة الحضارة ونموها وإذا كانت شهرة فيبر العلمية قد ارتبطت بنظرية الفعل الاجتماعي باعتبارها الإطار المرجعي لفهم المعنى الذاتي للسلوك الإنساني فان نظرية الفعل الاجتماعي نفسها تعود في جذورها إلى أطروحة فيبر عن" الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" ذلك العمل الذي يعد جزءاً محدداً ولكنه محوري من عمله في علم الاجتماع الديني الذي عالج فيه فيبر دوافع الفعل الديني في الأديان السماوية الإسلام والمسيحية واليهودية إلى جانب أديان أخرى كالهندوسية والكنفوشيوسية والتأوية التي تفرض على الباحث الاجتماعي أن يبدأ بها عند معالجته لمقولة " الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية " الذي طرح فيه نظريته الذائعة الصيت والتي مؤداها أن النظام الرأسمالي الحديث الذي تطور خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر في أوروبا يعود في روحه إلى الأخلاق البروتستانتية تلك الأخلاق الدينية التي أنتجت قيماً ومعايير شجعت العمل الحر والتنسك والادخار وبذلك خلقت مناخاً خاصاً ساعد على تطور المشروع الاقتصادي الحر وبالتالي على نمو وتطور الرأسمالية في الغرب .
ولاعتزاز فيبر بالبروتستانتية المسيحية فقد اشتق منها تنظيمها الرسمي ليحكم علاقات العمل في المنظمات والمصانع وأطلق علية " البيروقراطية " وهو مصطلح مشتق من الكلمة اليونانية بير وتعني المكتب وقراطية تعني السلطة والمقصود من المصطلحين سلطة المكتب . وتعتمد السلطة هنا على القانون كأساس للتعامل ونبع إتباع القانون هنا من شرعيته وليس من الجهة التي تصدر القانون . فالسلطة تكون في المكتب والوظيفة وليس في الشخص أي أن السلطة تمارس على ضوء القانون والإجراءات الإدارية بواسطته مكاتب ووظائف تقوم خصيصاً لهذا الهدف . كما يدوَن القانون في مدونات يُرجع إليها عند الحاجة ويخضع الإداري هنا والمستخدم لإجراءات تعيين وترقية وترفيع ونقل وإعارة مقننة بلوائح كما يخضعون لمختلف أنواع التدريب ، وتكون السلطة على شكل هرمي يخضع المكتب الأدنى للمكتب الأعلى ويتم الاتصال بطريقة عمودية .
- خصائص الإطار الإداري للبيروقراطية :
قام فيبر بوصف الإطار الإداري الذي تضمن الملامح التالية :
- يكون الولاء للمكتب والوظيفة وليس للشخص الذي يقف على قمة الجهاز الإداري .
- تصبح الوظيفة مستقبلاً حرفياً .
- المكتب والوظيفة ليستا ملكا لأحد .
- يخضع ملئ الوظيفة للتنافس الحر المبني على الكفاءة .
- يبنى أسلوب الضبط والإشراف والرقابة على العلاقة الهرمية التي تفرض وجوب سيطرة المكاتب العليا على المكاتب الدنيا .
- يقسم العمل وفق قاعدة التخصص بحيث يكون لكل موظف ومشرف سلطته واختصاصه وألا يتدخل في أداء أعمال الآخرين .
- توزع المسؤولية في المنظمة الإدارية بشكل تنازلي بناءً على معايير تحمل المسؤولية .
- التنظيم البيروقراطي وتنظيم الكنيسة
كثر اللغط بين الكثيرين في بناء النموذج البيروقراطي إلا أنه لم يعد خافياً من أن ماكس فيبر قد بلغ من اعتزازه بالبروتستانتية المسيحية إلى الحد الذي يراها خلف نجاح الرأسمالية في الغرب والولايات المتحدة ولأجل ذلك صاغ من التنظيم الكنسي النموذج البيروقراطي الذي يتلاءم مع عقيدة وهوية وبيئة وشخصية الإنسان الغربي المسيحي . ولا شك بان نجاح ماكس فيبر لم يأت نتيجة تخمين أو نقل تجارب آخرين إنما بناءاً على دراسات وأبحاث خلص منها على أن التنظيم المطبق في الكنائس البروتستانتية هو الأنسب لوضعه كتنظيم يحكم منظمات الأعمال بعد إجراء التعديلات الخاصة لذلك .
وبالرغم من الانتقادات التي وجهت للبيروقراطية ومن كونها مستوحاة من التنظيم الكنسي الذي يعتبر رجعياً في نظر الغرب العلماني إلا أن ذلك لم يحد من تناميها وتغلغلها في بيئات الأعمال بسبب ملاءمتها لتفكير وسلوك العامة من الناس واعتيادهم على تقبل مثل تلك القواعد والإجراءات في طقوس العبادة في الكنيسة .
ولهذه الاعتبارات كانت البيروقراطية الخيار المفضل دائماً في الغرب حتى العقدين الأخيرين. أما الآن فإن متطلبات التغيير المستمر نتيجة التقدم التقني المعلوماتي السريع وضراوة المنافسة التي تستدعي السرعة في اتخاذ القرار والتوسع في تفويض السلطات والعمل الجماعي كأحد متطلبات النجاح الأمر الذي جعل منظمات الأعمال في الغرب تسعى لاجتثاث البيروقراطية من جذورها كونها أصبحت عبئاً عليهم في القرن الحادي والعشرين . بينما منظمات الأعمال في العالم العربي لازالت تحتضنها وكأنها نبتة نمت في تربتها بل يجاهدون من اجل إنمائها بالشكل المثالي . ويمكن أن يوجد لهم العذر في ذلك لكونهم بعيدين عن أجواء المنافسة والإبداع على الصعيد العالمي .
II