من خلال منتدى نسائي على الإنترنت, تسأل ريما غيرها من الأعضاء عن أنسب هدية يمكن أن تقدمها لزوجها بمناسبة عيد زواجهما الأول. الخيارات تتنوع ما بين العطور والأقلام والساعات, إلى أن تتوافق المشاركات على أن شماغًا (الشماغ أو الغترة هي الكوفية التي يضعها الرجال في منطقة الخليج على رؤوسهم) يحمل علامة "جيفنش ي" التجارية، بسعر 67 دولاراً، يعد هدية مناسبة تسعد الرجل.
حديث عائلي من هذا النوع، نشرته مجلة "فوربس " العربية في عدد يونيو /جزيران 2007 واعده الصحفي ابراهيم المطوع ، أفضى قبل 10 سنوات من الآن إلى نشوء فكرة الأشمغة السعودية بأسماء عالمية, لتظهر بعد ذلك إلى العلن شركة "الشاه ين" المتخصصة في بيع وتسويق الزي السعودي الفاخر، وكان ذلك في العام 1998.
بداية الفكرة
مالك شركة الشاهين عبدالحميد السنيد, التي تمتلك حق استخدام علامتي "دانهل " و"جيفنش ي" في تطوير منتجات خاصة بالزي الرجالي السعودي, كما تسعى حاليًّا إلى استقطاب 8 أسماء عالمية أخرى، وطرح عدد منها في السوق السعودي مع نهاية العام الجاري، يقول عن نشوء فكرة بيع الأشمغة تحت أسماء عالمية: "كان موسم أعياد, والجميع يسأل عن أفضل الأشمغة في السوق. وفي لقاء جمع بين عدد من رجال الأعمال في العائلة, طرحت فكرة عابرة عن إنشاء علامة تجارية فاخرة توفر منتجات خاصة بالزي السعودي، إلا أن الكل أبدى تشككه في البداية من نجاح الفكرة، على اعتبار أن السوق لن تقبل علامة تجارية جديدة غير معروفة بأسعار مرتفعة".
ولكن تلك الفكرة كانت مدخلاً إلى مشروع آخر, اتخذ السنيد قرارًا بتنفيذه في أسرع وقت ممكن، وهو البحث عن علامة تجارية عالمية للشماغ السعودي. يقول "كان يقيني يزداد بحاجة السوق إلى منتج بمواصفات عالمية كلما فكرت في الموضوع".
ويتابع "بعد بحث متواصل، وجدت أن "دانهل " هي العلامة التجارية الأنسب التي يمكن استخدامها" فهي علامة تجارية إنجليزية، والأشمغة عادة ما تصنع في بريطانيا, إلى جانب شهرة هذه العلامة التي خصصت 98% من منتجاتها للرجال". إلا أن "دانهل " تحفظت على الفكرة في البداية, ورفضت وضع اسمها على منتج مرتبط بثقافة محلية".
المفاوضات الصعبة
يقول مدير علامة "دانهل " في الخليج صني نحاس "كانت هناك بعض الصعوبات في بداية المفاوضات، ثم اقتنعوا لسببين؛ الأول هو عائد المنتج بالنسبة إلى حصة العلامة من السوق الخليجية والسعودية تحديدًا، خصوصًا أنه سيوجه للنخبة، الأمر الذي سيعزز من قيمة العلامة ويرفع حصة منتجاتها الأخرى. والسبب الثاني هو أن الانجليز هم من أتوا بالشماغ الأحمر في الأساس إلى المنطقة".
ظهر شماغ "دانهل " في السعودية عام 1998 , بسعر يبلغ 3 أضعاف سعر الأشمغة العادية وأكثر من ضعفي الأشمغة الفاخرة في تلك الفترة, كما أحدث تغيرات جوهرية في سوق الأزياء الرجالية السعودية، خصوصًا أن الأشمغة الفاخرة لم تكن تتجاوز تكلفتها أكثر من 32 دولارًا بينما كنت الأسعار تتراوح ما بين 13.3– 21.3 دولار, في حين لا تقل الأسعار حاليًّا للنوعيات الفاخرة عن 53.3 دولار كـأشمغة دانهل وجيفنشي التي تبلغ تكلفتها 66.7 دولار أو مايفير البسام وفالنتينو بقيمة 61.3 دولار.
بداية التسويق
يقول السنيد "لم نتخوف من ضعف المبيعات، بل من عدم قبول الفكرة في السوق, خصوصًا أن السعر كان مرتفعًا جدًّا, مقارنة بأسعار السوق, والتصميم كان تقليديًّا ولا يقدم أي جديد، إلا في طريقة وضع العلامة التجارية وجودة الخامة وفخامة التعليب".
ويضيف "الإقب ال كان متميزًا، حتى إن الكمية الأولى نفذت في زمن قياسي من مستودعاتنا ، وظهرت سوق سوداء يُباع فيها شماغنا الجديد بأكثر من السعر المحدد بسبب نفاد الكمية وعدم قدرتنا على تلبية الطلب. كما بدأت الشركات الأخرى تجارينا في الأسعار، وتقلدنا في طرق التعليب والخامات المستخدمة" . ويشير إلى أن هذه التجربة "أحدثت تغيرات جوهرية في هذه الصناعة".
نجاح التجربة شجع شركات أخرى على دخول السوق. من هذه الشركات جيفنشي التي ضم السنيد عام 2000 حق استخدام علامتها التجارية في تطوير وصناعة تشكيلة خاصة بها من الزي السعودي وليوسع بها منتجات شركته إلى 14 منتجًا تشمل مجوعات مختلفة من الخيارات والألوان والخامات الفاخرة الثقيلة والخفيفة, التي توفر كل ما يخص الزي السعودي, كالغتر البيضاء والأشمغة الحمراء والصوفية، وأقمشة الثياب البالغ متوسط سعرها 107 دولارات للصيفية و 800 دولار للشتوية إلى جانب الملابس الداخلية الخاصة بالثوب. وذلك كله من خلال توظيف علامتين تجاريتين عالميتين في تسويقها.
السعودية الأولى انفاقا
من حيث الإنفاق الفردي على الأزياء، تحتل السعودية مركزًا عالميًّا متقدمًا. فحسب دراسة لشركة يورومونيتو ر للاستشارات , يقدر حجم سوق الأزياء في السعودية بحوالي 2.28 مليار دولار.
وأظهرت الدراسة، التي نشرت أواخر 2006 ، أن الفرد السعودي يعد الأكثر إنفاقًا على الأزياء، مقارنة بجنسيات أخرى عديدة، وهو يوجه 10% من إنفاقه الاستهلاكي على الأزياء والأحذية، في حين لا تتجاوز نسبة الإنفاق الاستهلاكي لدى الفرد في فرنسا مثلا 4.5%، وألمانيا والمملكة المتحدة 6%، والولايات المتحدة 4%، حسب الدراسة نفسها.
ويحظى قطاع تجارة الأزياء في السعودية بفرص نمو قوية, بالنظر إلى فائض السيولة المتوافرة لدى أفراد المجتمع السعودي، والذي ارتفع بنسبة 12% خلال الفترة من عام 2000 وحتى 2004 ، ويتوقع أن يصل معدل ارتفاعه إلى 16% بحلول العام 2009 حسب دراسة "يورومونيت ور".
أرباح الشاهين
مدير عام شركة "الشاهين", جهاد يعقوب، يتحفظ على أرقام المبيعات أو الأرباح لدى شركته لأسباب تتعلق بالمنافسين على حسب قوله, إلا أنه يقدّر حجم سوق الزي الرجالي التقليدي، التي تشمل الثياب والأشمغة والغتر والملابس الداخلية الشتوية والصيفية في السعودية بأكثر من 800 مليون دولار, تبلغ حصة دانهل وجيفنشي منها حوالي 20% في ما يتعلق بالأشمغة والغتر تحديدًا. ويتوقع أن تنمو حصة علاماتهم التجارية بمعدل 6% سنويًّا خلال السنوات الخمس المقبلة.
يقول يعقوب: "حققنا نسب نمو في مبيعاتنا تخطت 40% عام 2005 و60% عام 2006 ، ونتوقع نسب نمو عالية في السنوات المقبلة بسبب خطط التوسع التي نعمل على تنفيذها من خلال استقطاب أسماء جديدة إلى جانب ارتفاع القدرة الشرائية في السعودية, وولع الشباب السعودي بالعلامات التجارية العالمية".
هذا الولع، شجع يعقوب على عقد اتفاقات مع علامات تجارية عالمية أخرى, لزيادة الخيارات المتاحة أمام المواطن السعودي, وذلك لكي يتمكن من شراء زيه التقليدي بالعلامة التجارية التي يختارها عند شراء السترات والملابس الغربية.
اتفاقات جديدة
يقول يعقوب "نعمل على أبرام 8 اتفاقات مع شركات عالمية جديدة، أبرزها أنجرو، سكافال، لمرلي، جورجيو أرماني، شوبارد، وديبون". ويتابع أن "كل الشركات تشجعت بعد أن عرفت أننا نمتلك حقوق تصنيع دانهل وجيفنشي للزي السعودي، وبدأت معنا المفاوضات بعد أن تعرفت إلى أسلوب عملنا وخبرتنا في مجال توظيف العلامات التجارية العالمية في تصنيع الزي المحلي. لقد كان هذا عاملاً مساعدًا جدًّا لنا في إقناعها".
تصنع شركة "الشاه ين" أشمغتها في بريطانيا، ويبلغ سعر الشماغ الواحد من علامة دانهل أو جيفنشي 66.7 دولار للواحد منهما, وهو ما يقول عنه يعقوب "خطأ تسويقي". فالسعر بالنسبة إلى العلامتين واحد، وهما تعودان للشركة نفسها وكأن هناك منافسة فيما بينهما. يبرر اليعقوب ذلك بتقارب شهرة العلامتين عالميًّا وتقارب تكاليف التصنيع وحقوق استخدام الإسم، ما دفع بشركة "الشاه ين " إلى توحيد الأسعار خوفًا من اعتراض إحدى العلامتين أو الإضرار بها.
إلا أنه، يؤكد أن ذلك لن يتكرر مع أشمغة وثياب أرماني وشوبارد حيث ستكون تكلفتها أعلى، وذلك بسبب ارتفاع قيمة حقوق استخدام العلامة التجارية, وقوة العلامتين في السوق، إلى جانب إدخال بعض المواد المكلفة كالفضة الخالصة في تصميم الأشمغة الجديدة.
يعمل في شركة "الشاه ين" التي يقتصر نشاطها على توظيف الماركات العالمية لإنتاج الزي السعودي دون حصولها على تسويق أي منتج آخر لهذه العلامات التجارية، 40 موظفًا. وقد بدأت منذ العام 2003 بإنشاء معارض خاصة لبيع منتجاتها، وصل عددها حاليًّا إلى 12 فرعًا داخل السعودية، وتسعى الشركة إلى التوسع في عدد معارضها في المدن السعودية الرئيسية بمعدل 7 فروع سنويًّا, وذلك لتسويق بعض المنتجات المتعثرة مثل الأقمشة والملابس الداخلية، والحد من حرب الأسعار الناتجة عن عدم تقيد بعض الموزعين بهوامش الربح الممنوحة لهم.
يقول يعقوب، "عدم التزام الموزعين بالأسعار المحددة تسبب في سوء فهم وعدم ثقة من قبل عملائنا وكبار الموزعين. لذلك قررنا إنشاء المعارض الخاصة بمنتجاتنا" .
التحديات
غير أن مساعي التوسع في المنتجات والعلامات التجارية في شركة "الشاه ين" تواجه جملة تحديات، أبرزها هيمنة الصناعة البريطانية على سوق الأشمغة، حيث يقل عدد المصانع التي تتناسب خطوط إنتاجها مع طرق تصنيع الأشمغة الحمراء تحديدا، فضلاً عن عدم وجود آلات جديدة لنقل هذه الصناعة إلى العالم العربي. يضاف إلى ذلك أيضًا تدخل أصحاب العلامة التجارية في تفاصيل التصميم والإعلان والسعر وطرق العرض، وهذا كله يتسبب في ارتفاع النفقات نتيجة تكلفة الشروط والتعقيدات الفنية والصناعية.
إلى جانب عمليات السرقة التي تتعرض لها تصميم منتجات الشركة، عانت "الشاه ين" في سنواتها الأولى من المنتجات المقلدة لـدانهل وجيفنشي في السوق السعودية، والتي عرضت بالأسعار نفسها للعملاء بينما أعطي أصحاب المعارض هامشًا أوسع للربح لتقديمها كخيار أول للعميل.
وعالجت شركة "الشاه ين" تلك المشكلة من خلال شكوى تقدمت بها إلى وزارة التجارة السعودية عام 2003 ، حيث تفاعلت معها الوزارة بسرعة, وصادرت كل ما في السوق ومستودعات الموردين من المنتجات المقلدة. يقول يعقوب "بعد شهرين من تقدمنا بشكوى، لم نعد نرى أي منتج مقلد في السوق".
أما أصعب التحديات بالنسبة إلى الشركة، فيتمثل في جمود التصميم الخاص بالزي السعودي، خصوصًا في ظل حرص "الشاه ين" على تقديم خطوط تصميم جديدة ومختلفة لكل علامة, لكن مع محاولة الحفاظ على الزي بطابعه التقليدي، إذ تعتزم طرح 10 علامات تجارية مختلفة للمنتجات ذاتها.
يقول يعقوب، "لن نعتمد على فكرة الصرعات، لأنها في العادة تختفي بسرعة، وتضر بالعلامة التجارية أكثر مما تتفعها. لكن سنعمل على إدخال تحسينات بسيطة، وسنطور جودة الخامات المستخدمة بشكل سنوي، معتمدين في ذلك على فلسفة التغيير البسيط الهادئ".
على الطريق
ينتظر السعوديون 8 علامات تجارية عالمية في العام المقبل, فيما تبحث هذه العلامات عن فرص رفع حصصها السوقية من خلال الزي التقليدي السعودي الذي ارتفعت تكلفة شرائه بنسبة 150%، بعد ختم الشماغ بعلامتي دانهل وجيفنشي. ومن المنتظر أن ترتفع هذه النسبة بمعدل 200% بعد دخول شوبارد وأرماني إلى السوق.
يقول مدير علامة دانهل في الخليج: "لقد ارتفعت مبيعاتنا في السعودية بنسبة 30% بعد دخولنا على خط تصنيع الزي التقليدي. ونسوق فيها حاليًّا 50% من حجم منتجاتنا الأخرى". وهذا ما يرى مدير "الشاه ين" إمكان تكراره مع العلامات التجارية الأخرى، لكون السعوديين يعشقون توحيد العلامة التجارية في الأزياء والكماليات .