كل إنسان على وجه هذه الأرض له ابتلاءاته، وكل إنسان له مشاكله وظروفه الخاصة سواء كانت مشكلات مالية، أو اجتماعية، أو نفسية، ولكن هذه الابتلاءات وتلك المشكلات تتفاوت من إنسان لآخر، وتفاوت القدرات وطرق التعامل معها من إنسان لآخر.
فالـدنيا دار اختبار وكبد، وتعب ونصب، وقد خلقها الله لتكون دار اختبار للإنسان، يقول تعالى: }لقد خلقنا الإنسان في كبد{ (سورة البلد: الآية: 4).. والمؤمن يعلم أنها ليست الدار الخالدة، ومن ثم فهو يعمل على الخروج منها بالحسنات التي يدعو الله أن يضعها في ميزان حسناته يوم القيامة، لتثقل ميزانـه، ويفوز برحمة الله ويدخل الجنة، وهي دار الخلود التي لا تعب فيها ولا كبد..

والإنسان الحصيف الذكي هو الذي يتعامل ويتكيف مع مشكلاته، والتحديات التي تعترض طريقه، ويعمل على تذليلها بكل ما يملك.. ولا يصطدم معها.. فتكسره إن كانت أقوى منه.. وبالتالي تكون عائقًا له في أثناء مسيره في بناء مستقبله، وفي النهاية يتعرض إلى الخسران المبين.
والتحديات التي يتعرض لها كل إنسان، تنحصر في شكلين:
الشكل الأول: تحديات داخلية: وهي التحديات التي تنبع من داخل الإنسان ذاته.. وهي تحديات فكرية ونفسية وعقدية.. وتتمثل أهم هذه التحديات فيما يأتي:
1- الإيمان ببعض المعتقدات الخاطئة: خاصة بين فئة الشباب.. على سبيل المثال وليس الحصر.. الاعتقاد بأن تناول المخدرات تشعر الإنسان بنوع خاص من السعادة، وتجعله ينسى همومه ومشاكله.. ويستمر في تناولها إلى أن يصبح مدمنًا، وهذا اعتقاد خاطئ فالمخدرات لا تجلب سعادة، بل هذا الاعتقاد وهم كاذب في أذهان المتعاطين، يزينه لهم الشيطان ليتمادوا في تناولهم إلى أن تقضي عليهم هذه المخدرات وتهدم مستقبلهم، فكثير من المدمنين لا مستقبل لهم، فهم قد باعوه بثمن بخس، إذ دفعوه ثمنًا للذة كاذبة مؤقتة، ويا له من بيع! فالخسارة فيه كبيرة! إذ خسر المدمن نفسه، وحاضره ومستقبله.
2- عدم الثقة بالنفس: عدم نظر الإنسان بعين الرضا لما حباه الله سبحانه به من نعم عظيمة، ولجوؤه إلى احتقار الذات، والنظر إلى الإمكانات الذاتية التي منحه الله إياها على أنها أقل من أن تمكّنه من الوصول إلى تحقيق هدف ما.
إن عدم الثقة بالنفس تعد من أهم معاول هدم هذه النفس، والمسبب الأكثر شيوعًا في تحقق الانكسار الداخلي للإنسان.
3- الشعور باليأس والإحباط: إن استسلام الإنسان لليأس والإحباط نتيجة إخفاقه أو فشله في دراسة ما، في مشروع ما، يعد هذا الاستسلام من أهم العوامل المحققة لسلسلة لا تنتهي من الفشل التي يتعرض لها الإنسان في حياته.
4- الخوف من الإقدام وأخذ زمام المبادرة: يسبب هذا الخوف لصاحبه عدم الانخراط في الحيـاة الاجتماعية، أو عدم الدخول في مشروعات اقتصادية، والركون إلى وضعه الحالي، وهذا يعني أن هذا الإنسان محلك سر، ولن يتقدم خطوة واحدة للأمام، والنتيجة النهائية أنه سوف يتقهقر إلى الخلف، مما يشعره بالانكسار الداخلي والعجز في تحقيق مستقبل أفضل، وحياة أكرم، ورفاهية ذات مستوى أعلى.. والأخطر شعوره بأنه كم مهمل، وأنه يعد في فئات المهمشين غير الفاعلين، وهو إحساس مدمر.
5- الخوف من قيود الالتزام: إن الإنسان الذي يخشى قيود الالتزام، ويعشق الفوضى، تراه يكره التخطيط حتى إن كان لمستقبله الشخصي، فهو يريد أن يعيش يومه كما يحلو له، وهذا بالطبع لن يكون له مستقبل. فأهم عناصر نجاح التخطيط أن يلتزم صاحبه بقيوده، فأي خطة لها أهداف، وهذه الأهداف يجب تحقيقها في فترات زمنية محددة، وهذا يفرض على صاحب الخطة الالتزام بهذه الفترات وتصفية ذهنه من كل ما يشغله، وتوفير وقته للقيام بالعمل اللازم لتحقيق هذه الأهداف، وهذا بالتأكيد سيحرمه من بعض الراحة والترفيه، والتمتع ببعض الملذات، وهذا ما يكرهه ولا يقدر عليه الإنسان الفوضوي.
6- اللجوء إلى جلد الذات: فالإنسان الذي يلجأ دومًا إلى جلد ذاته وتوبيخها على نحو مبالغ فيه على كل خطأ أو تقصير، إنما يكسر هذه الذات، فهو لا تغافل عن حقيقة بشرية جعلها الله سبحانه في كل إنسان، وهي الخطأ.. فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال: رسـول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» (أخرجه الترمذي وابن ماجه).
الشكل الثاني: التحديات الخارجية: وهي التحديات التي يتعرض لها الإنسان من خارج نفسه.. وتتمثل هذه التحديات في الآتي:
1- تحديات البطالة: إن الهدف من العمل ليس فقط من أجل الحصول على المال الذي يستطيـع الإنسان من خلاله أن يفي بحاجاته الفسيولوجية (المأكل، والمشرب، والمسكن)، وإنما يحتاج الإنسـان إلى العمـل لإشباع حاجاته السيكولوجية (النفسية)، فالإنسان الطبيعي يحتاج العمل ليحقق ذاته من خلاله، إذ إن قيمة الإنسان في الحياة مرتبطة بما يقدمه من أعمال، وكلما كانت هذه الأعمال نافعة له ولغيره كان هذا الإنسان من الفاعلين المؤثرين، وهذا قمة تحقيق الذات أن يجد الإنسان نفسه في فئة الفاعلين المؤثرين وليس في فئة العالة المهمشين. والبطالة تحرم الإنسان من تحقيق ذاته، وإدراك وتفعيل طاقاته وقدراته، وهي بالتالي من أهم العوائق والتحديات التي تقابل الإنسان، وتسبب له اليأس والإحباط والانكسار الداخلي.
2- تحديات البيئة: يقال: «إن الإنسان ابن بيئته» وهذا القول صحيح في كثير من الأحيان، وتتفاوت صحته نسبيًا.. وما يهمنا في هذا المقام أن تأثير البيئة على الإنسان لا يمكن تجاهله لأنه واقع، ولعل في حديث رسول الله صلى الله عليه خير دليل على ذلك.. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحـًا منتنة» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواه البخاري ومسلم).
فالبيئة واضح تأثيرها.. فالإنسان الساعي لتطوير ذاته، الهادف إلى الرقي والتقدم لا يصاحب إلا تقيًا، كي يتأثر بفعله، ويبتعد عن الفاجر حتى لا يكون مثله، فكما يقال: «الصاحب ساحب».. والإنسان الواعي هو من يختار الرفيق قبل الطريق، وهذه المؤثرات الخارجية من المؤكد أنها تصيب الإنسان إما بالمزايا الإيجابية أو بالمزايا السلبية التي تنعكس على حالته إما بالإيجاب والفاعلية أو بالانهزام والانكسار.
ومن البديهي أن البيئة كلما كانت متقدمة في النواحي العلمية والتكنولوجية والصحية والاجتماعية والاقتصادية اتصف الكثير من أبنائها بصفاتها، وهذا يظهر بشكل جلي في دول العالم المتقدم صناعيًا وخاصة اليابان - مع التحفظ على الجوانب الأخلاقية والعقدية - والعكس صحيح في كثير من دول العالم الذي يطلقون عليه مجازًا العالم الثالث.
3- المشكلات الاجتماعية: بالتأكيد يتأثر الإنسان بمحيطه الأسري الصغير، فكلما خلت أسرته من المشاكل والصعوبات نشأ هذا الإنسان بشكل سوي، مما ينعكس على حالته النفسية بالإيجاب والفاعلية، والعكس صحيح كلما نشأ الإنسان في محيط أسري مليء بالمشاكل انعكس ذلك على حالته النفسية، التي تؤثر بشكل مباشر على أفعاله وتصرفاته.
4- المشكلات الاقتصادية: إن المشكلات الاقتصادية سواء كانت على المستوى الخاص (للفرد)، أو على المستوى العام (للدولة التي ينتمي إليها ويعيش على أرضها) يؤثر بشكل كبير على حاضر ومستقبل هذا الفرد، فكلما كانت حالته الاقتصادية مرتفعة، وكذلك حالة بلده، كانت فرصه لتحقيق ذاته، ونموه وتطوره، وتقدمه ورقيه أكبر بكثير مما لو كانت حالته وحالة بلده الاقتصادية متدنية، فالمال هو عصب الحياة ويستطيع الفرد والمجتمع والدولة من خلاله الاستثمار في الفرد نفسه عن طريق التعليم والصحة، والاستثمار في بناء مستقبل أفضل لهم من خلال الاستثمار في الصناعة أو الزراعة أو التجارة... إلخ، ومن ثم تحقيق مستوى متقدم من الرفاهية الشخصية والرفاهية المجتمعية. وهذا التقدم يزرع الثقة ويجدد الأمل في نفوس أبناء المجتمع ويدفعهم إلى المزيد من البذل والعطاء لتحقيق مستويات أعلى من الرفاهية، ويجنبهم الانكسار النفسي الداخلي وآثاره السلبية.
كيف نواجه الانكسار الداخلي:
هناك العديد من العوامل التي تستطيع من خلالها مواجهة الانكسار الداخلي وتفادي آثاره المعيقة لتقدمه ورقيه.. من أهمها ما يأتي:
- اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى في كل شؤوننا، كبيرها وصغيرها، كلها ودقها، بدءًا من مراحل التخطيط مرورًا بمراحل التنفيذ، وانتهـاءً بقطف الثمار. والتوكل على الله سبحانه في كل عمل نقوم به، مع الأخذ بالأسباب هما سبيل الإنجاز والفلاح.
- التسلح بالإرادة القوية والعزيمة الصلبة: فالإرادة القوية هي التي تدفعنا إلى الصبر والمثابرة، وتجنبنا الوقوع في براثن التسويف، وتدفعنا أيضًا إلى العمل الخلاق المبدع الجاد ذي المرجعية التخطيطية السليمة، التي تساعدنا على إنجاز الأعمـال ذات القيمة، وتحقيق التميز فيها من خلال الجودة العالية.
- الثقة بالنفس: إن الثقة بالنفس، وبالقدرات والإمكانات المتاحة لنا، من أهم العوامل المؤثرة في جلب التفاعل والإيجابية والدافعية الذاتية، والمجنبة في نفس الوقت لحالات الانكسار النفسي الداخلي.
والثقة بالنفس تدفع صاحبها إلى مواجهة التحديات والصعوبات الحياتية بكل شجاعة، وصبر وإقدام، فهو متوكل على الله حق التوكل. فالإنسان الواثق بنفسه ثقة كاملة هو الذي تعرف على مكامن قوته الذاتية، من قدرات ومهارات وكفاءات، وعمل على استغلالها الاستغلال الأمثل، فقادته إلى النجاح والتميز.
- تجنب الوقوع في فخ اليأس والإحباط: فعندما يلازم الإنسان شعور دائم بالإحباط، تتأثر وتتزعزع ثقته بنفسه.
فالإحباط من أهم العوامل المعينة على الوصول إلى مرحلة انعدام الثقة بالنفس. فهو يوجه صاحبه دائماً إلى التفكير السلبي غير المفيد، وغير المنتج، وعندما يشعر الإنسان بأنه لا يؤدي عملًا مفيدًا، أو يساهم في عملية إنتاجية غير مثمرة، سرعان مـا يؤدي به هذا الشعور إلى فقدان ثقته بنفسه، ويشعر بمدى انكساره الداخلي.
- تجنب الشعور المتزايد بالخوف وعدم الأمان: يعد القلق أحد الروافد المغذية للشعور بالخوف وعدم الأمان، فإن سيطر عليك القلق في كثير من أمورك، فاعلم أنك تسير في طريق فقدان الثقة بنفسك وطريق انكسارك الداخلي، فالقلق يصيبك بعدم القدرة على التركيز، وذلك من شأنه أن يؤثر على قراراتك، ومن ثم تشعر بالخوف عند اتخاذ قرار، الأمر الذي يؤدي بك إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة في كثير من الأحوال.
- فكر في النجاح والتميز، واجعل نصب عينك أن الناجحين ما هم إلا أناس قد يستوون معك في القدرات الذهنية والبدنية، والخبرات، والمهارات، وقد يكونون أقل منك من ناحية القدرات والمهارات والإمكانات، فلماذا تفرط في حقك في المساواة بهم أو التفوق عليهم، أو أن تكون واحدًا منهم، فتفكيرك في النجاح والثقة الكاملة بقدراتك وكفاءاتك، يبنيان ثقة قوية بنفسـك، ويجنبانك عدم الوقوع فريسة سهلة المنال للانكسار الداخلي.
واعلم أن النجاح في عمل ما أو دراسة ما، تحقق لك ثقة في نفسك وقدراتك، التي تدفعك نحو المزيد من النجاح والتميز.
- تجنب الشعور المستمر بالفشل: إذا سيطر عليك شعور بالفشل عند إقدامك على البدء في تنفيذ مشروع ما، أو دراسة ما، فإن ذلك سيفقدك بالتأكيد الثقة بنفسك ويقوي انكسارك الداخلي الذي يغذيه شعورك بالفشل، ولن تحصد من هذا المشروع أو تلك الدراسة إلا الإخفاق والفشل فعلًا.
- تجنب الشعور بالضيق من انتقادات الآخرين: إذا وجدت في نفسك عدم الرضا، وشعرت بالضيق من انتقادات الآخرين لك، وكان هذا الانتقاد في محله أو في غير محله، فإن هذا الشعور دليل على عدم الثقة بنفسك، فالفرد الواثق بنفسه يستمع لآراء الآخرين ويستفيد من الصواب منها، ويتجنب المغرض منها دون أن تتأثر ثقته بنفسه، أو يسبب له انكسارًا داخليًا أمام نفسه.

بقلم: فاطمة موسى