أخلاقيات العمل والإدارة عند الأجانب

قد يتصور بعض العاملين والمديرين والمستثمرين من أن العمل والإدارة والاستثمارلا يَخضعون لأي أخلاق في العالم المتقدم. فهناك من يظن أن الأجانب يعتبرون ان العِبرة بالمكسب والخسارة وأن اتباع الأخلاق في هذه الامور هو أمر ساذج. هذا الاعتقاد لو صح فإنه لايُعفينا من ان أن نتبع الأخلاق في عملنا فما بالك وهذا الاعتقاد لا أساس له من الصحة ومخالف مخالفة كبيرة للواقع. أحاول في هذه المقالة توضيح ما تعنيه اخلاقيات العمل عند الأجانب لتوضيح الأمور والرد على هذه المقولة

خلط الأمور
نحن في بلادنا العربية لدينا تحفظ شديد -محمود بالطبع- في العلاقة بين الرجال والنساء وذلك نابع من ديننا وعاداتنا. في كثير من دول العالم المتقدم صناعيا لا تكون هذه التحفظات موجودة بنفس القدر الذي يوجد في بلادنا. وإن كان لابد من ذكر أن هناك في ذلك العالم المتقدم من يكون لديه تحفظات مشابهة لتحفظاتنا. ونتيجة لهذا الاختلاف فإننا أحيانا نُعمم الامر فنفترض أننا ندعو للأخلاق الحميدة وباقي العالم يدعو للرذيلة. ولكننا بذلك نتغافل -عمدا او خطأ- عن أننا لسنا الوحيدين في هذا الكَون الذين يعتقدون بأن العدل والأمانة والصدق والإخلاص هي من الفضائل التي ينبغي أن يلتزم بها أي إنسان. ومن هنا نتصور أن هذه الأخلاق لايدعو إليها الأجانب ولا يلتزمون بها. هذا أمر غير صحيح فهذه الاخلاقيات والفضائل هي محمودة في المجتمعات المتقدمة بل وتلقى اهتماما كبيرا

هناك تصور آخر وهو أننا في بلادنا العربية نستقي أخلاقنا من ديننا وبما أن الكثيرين في العالم المتقدم لايدينون بدين فهم لا يعترفون بالأخلاق الحميدة. هذا اعتقاد خاطئ. أولا: ليس كل أبناء العالم المتقدم ممن لا يؤمنون بالله بل منهم المسلمون والنصارى واليهود وغيرهم ومن هؤلاء من يلتزم بما يعتقده إلتزاما شديدا وذلك يشمل الأخلاقيات. ثانيا: نعم هناك في العالم المتقدم من لايؤمن بالله أو من لايلتزم بدينه ولكن ذلك لايعني أنه عديم الأخلاق وأنه يفتخر بكونه كذاب او مخادع أو خائن. الأخلاق الحميدة مثل الامانة والصدق والوفاء بالعهد هي من الأمور التي يعترف بها الجميع. نعم الدين هو دافع قوي جدا للالتزام بالأخلاق ولكن هذا لايعني أن الملحد يؤمن بوجوب انعدام الأخلاق. هذا بالطبع بالنسبة للأسوياء والأكثرية في كل مجتمع وقد يكون هناك قلة شاذة ومُنحطة في أي مجتمع

هناك حالة مماثلة في تاريخنا كعرب. ألم تسمع عن العرب قبل الإسلام وما كانوا فيه من فساد في الاعتقاد وعبادة للأوثان وانتشار لرذائل كثيرة. ولكنك في نفس الوقت تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمى الصادق الأمين من قبل البعثة وكان ذلك محمودا لديهم. كذلك من المعلوم أن صفة الكرم كانت محمودة لديهم وكذلك صفة الصدق. وكذلك صفات الشهامة والوقوف بجانب الضعيف.

خلاصة القول هو أن الأخلاق الحميدة مثل الصدق والأمانة والوفاء بالوعد وعدم الغش وعدم الخداع هي من الامور المحمودة عند المجتمعات المتقدمة. لاحظ ان هذه الاخلاقيات هي أخلاقيات العمل الأساسية. قد يكون الدافع للالتزام بالأخلاق مختلفا من شخص لآخر فهذا يعتبرها جزءا من الدين وهذا يعتبرها أمرا محمودا وهذا يخاف أن يحتقره الآخرون وهكذا. ولكن على أي حال لن تجد مجتمعا يفتخر بكونه مجتمعا كذابا ولا يعترف بالأمانة. لماذا؟ لأن كل المجتمعات تعلم أن هذه صفات سيئة لا يُمدح عليها الإنسان بل يُذم. وبالتالي فإخلاقيات العمل الأساسية هي فضيلة عند كل المجتمعات

اهتمام الجامعات الاجنبية بأخلاقيات العمل
تلقى الاخلاقيات التي ذكرناها اهتماما كبيرا في الجامعات في الدول الاجنبية. فتجد أن تدريس مادة في أخلاقيات المهنة أمرا شائعا. وكذلك في كليات الإدارة والتجارة تجد أن أكثر الجامعات تُدرِّس مادة في أخلاقيات العمل والإدارة. بالإضافة لذلك فإنه يتم التطرق في بعض الأحيان لأخلاقيات المهنة في أثناء دراسة المواد الأخرى. يمكنك الاطلاع على مثال لهذه البرامج من خلال الرابط التالي والذي يعرض مادة أخلاقيات الهندسة والتي تدرس لطلبة الهندسة في جامعة أمريكية مرموقة

أخلاقيات الهندسة في M IT
أما في مجال دراسة إدارة الأعمال فإنه من الشائع في الجامعات الأوروبية والأمريكية أن تكون هناك مادة متعلقة بأخلاقيات العمل. هذه المادة تكون إجبارية في بعض الجامعات وتكون اختيارية في بعض آخر. الموقع التالي يعرض في صفحته السابعة معلومات عن مادة اخلاقيات العمل في مجموعة من الجامعات في برامج ماجستير إدارة الأعمال MBA
Enhancing the MBA
وللتأكد من ذلك يمكنك الاطلاع على الروابط أدناه لجامعات أوروبية وأمريكية والتي توضح وجود مادة دراسية خاصة لأخلاقيات العمل والإدارة
London Business School
Wharton Business School
Purdue University
لا تكتفي الجامعات بتدريس أخلاقيات العمل بل إنها تتفاعل مع مشاكل العمل الأخلاقية ويدفعها ذلك لتطوير أسلوب تدريس أخلاقيات العمل. المقالة التالية توضح اهتمام الجامعات بتطوير برامجها لأخلاقيات العمل في برامج دراسة الإدارة لمواجهة المشاكل الاخلاقية والقانونية التي وقع فيها بعض الحاصلين على شهادات في إدارة الأعمال
Ethics move to head class
بل ويصل إلى الأمر إلى المطالبة بتدريس أخلاقيات العمل للطلبة بدايةً من مراحل التعليم الإبتدائية والإعدادية (المتوسطة). المقالة التالية توضح ذلك
Interview: Tom Rowley, Junior
وبغض النظر عن هذا الاقتراح فإن أخلاقيات العمل تجد جذورها بالفعل في الخارج منذ الدراسة الإبتدائية وذلك بأن ينشأ الطالب على أن الغش في الامتحانات أو نقل الواجبات هي عملية لا يصح ان يقوم بها الشخص السوي ويتم التعامل مع هذا الأمر بصرامة في المدارس والجامعات. كذلك يعتاد الطلبة على احترام حقوق الآخرين في أبسط الأشياء مثل الانتظار في الطابور والالتزام بقواعد المرور في الطريق. فهذه الأشياء البسيطة تؤخذ بجدية شديدة جدا وبالتالي يترعرع الطالب وهو يحترم فضيلة الصدق والعدل والأمانة وأداء الواجب وهذه هي محاور أخلاقيات العمل.