إنّ إهتمامَ العالمَ بالصين نابع عنْ حقيقة أنها ليست فقط الإقتصاد الأكبر لكن كونها أيضا المُورِّد الرئيسيّ للسلع الاستهلاكيةِ الرخيصةِ عمليا في كُلّ الأسواقِ سواء كانت بعيدة بقدر ما تبعد البرازيل أَو بقرب الهند. يميل طالب أساليب الأعمال التجارية بحكم دراسته إلى الإسْتِفْسار في قدرة المُنتَج الصينيّ على إبْقاء ميزة الكلفةِ التنافسيةِ بصرف النّظر عن مواقعَ سوقِ المُنتَجاتِ. في خلفيّةِ مثل هذه التساؤلات، يتطلَّع المرء دائماً للمعلوماتِ التي سوف تُحسِّن فَهْم المناخ التجاري الذي يسُودُ حالياً في جمهورية الصين الشعبية.

يعتبر كتاب فانجِ لي كوك الذى يتناول مواضيع المنافسة، الإستراتيجية و الإدارة في الصين، في ظل مناخ التجارة العالمي السائد، إضافةَ هامة إلى أدبيات التجارة مع الصين. كما يقترحُ العنوان، يُركّزُ الكتابَ في ثلاثة مواضيعِ رئيسيِّة؛ المنافسةُ، الإستراتيجيةُ و الإدارةُ مع عنصر الموارد البشرية في بؤرة الإهتمام. مركز الإهتمام الذى يشغله عنصر الموارد البشرية يشيرُ ضمناً إلى أنَّ قضايا مثل فقد أَو خلاف ذلك في ما يتعلق بمستوى العملِ اللائق (كما هو مُعَرَّف مِنْ قِبَلْ منظمةُ العملِ الدوليةِ للأُمم المتّحدةِ) سَيَكُونُ محوري في فَهْم النزعات الجديدةِ. يمكن ملاحظة بشكل واضح الضغطُ الإقتصادي الذى سببه السعى بإصرار لتحقيق وضع مثالي في هذا الشأن في ضمانة القطاع العامِّ السابقِ التى كَانتْ فعالة فيما مضى تحت مظلة رسمية، هى ظروف مشابهة لتلك التي تُواجه مِنْ قِبَلْ شركاتِ القطاع العام في الهند و أيضاً في أجزاء أخرى مِنْ العالمِ. أدت بيئة التجارة المتغيّرة إلى إحداث تغييرات في استراتيجيات الصين التجارية. اكتسبَ مفهومَ الإختيارِ المتوفر إلى المستهلكين في سوقِ تنافسي وضع مركزي في استراتيجياتِ التجارة حتى إن الإدارة الصينية أيضاً أدمجت عنصرَ الاختيارِ الحرج من حيث ''الهدف'' إضافة إلى ''الوسائلِ'' في العناصر التي تُشكّل استراتيجياتِهم الخارجية و الداخلية.

كتابُ فانجِ لي كوك لَهُ أربع معالم أساسية. المنهج التحليلي، الذى يَتبناه الكتاب، يدقِّق النظر في المنافسةً، الإستراتيجيةَ و إدارة الموارد البشرية في مستوى الشركات حتى المستويات العالميةِ. من منظور واسع (ماكرو)، يسعى الكتاب لتفسير الضغطِ التنافسي مِنْ قِبَلْ الشركاتِ الأجنبيّةِ، حوافز لحث الشركاتِ الصينيةِ للاستثمارِ الخارجيّ و دور الحكومةِ. في المستوى الدقيقِ (مايكرو)، نوقشت بتفاصيلِ أعظمِ حركية المنافسةِ، خاصَّة الاستراتيجيات و نماذج لممارسات منشآت مُنفردة. إنّ طبيعةَ التغطيةِ الواسعة للصناعاتِ و الملكيةِ ذات الصلةِ هي ميزّةَ أخرى في الكتابِ. جاءت تغطية الصناعاتِ شاملة و مُستمدُّة مِنْ كلا القطاعاتِ التقليديةِ و الجديدةِ. يجد القاريء مراجع لعددِ كبيرِ مِنْ الصناعاتِ بالإضافة إلى خمس دراساتِ حالة شملت قطاعات السيارات، الأدوية، تقنيةُ المعلومات، بيع بالتّجزئة و المعارض. الصناعات التقليديةُ، التي كَانتْ معظمها مملوكة للدولة و خَضعَت الآن لتغييراتِ كبيرة بسبب إجراءاتِ الحكومةِ التى إستهدفتْ تَحسين الكفاءةِ في المشاريعُ المملوكة للدولةُ و شركات القطاع العام و في مقدمتها الإنفتاح للإستثمار الأجنبيِّ، هذه مُثِّلت بقطاعات صناعة السيارات و المواد الصيدلانية بينما ناب عن الصناعات الجديدة / الصاعدة قطاعات تقنيةُ المعلومات، بيع بالتّجزئة و المعارض. تم إختيار قطاع تقنية المعلومات لسبب واضح فالصين في هذا المجال منتجَ/مُصنِّع عالمي بارزَ، ومثالَ على ذلك: - لينوفو. مدخل فيما بينَ الدبلوماسيةَ ميزّةَ أخرى في الكتابِ حيث يناقش مواضيع مثل إستراتيجياتِ الشركات المساهمة، إبتكارات تقنيةِ، تسويق و التعامل مع المُنتَجِ ، إدارةَ الموارد البشرية، ودراسات التجارة الدوليةِ. أخيراً، لا يُعنى الكتاب فقط بتأثيرِ الإستثمار الأجنبي على الصناعاتِ الصينيةِ لكن أيضا يتوقع زيادة الإستثمارات الصينية نحو الخارج التي تدعم عدد مِنْ الخطوات، بما في ذلك وضع إستراتيجياتَ تجارية تسعى إلى موارد و أسواقِ.

يَشتملُ الكتابُ على عشَر فصولِ ضمَّت تحت ثلاثة أجزاءِ و مقدمة شاملة تستعرض لمحةَ عنْ حياة الصين الإقتصاديّة. خصص فصلان تحت الجزء الأولِ لمناقشة البيئةِ المؤسساتيةِ الدقيقةِ و استراتيجياتِ تجارية على مستوى الشركات. يُفصِّل الفصل الثاني خارطة تطوّر البيئةِ المؤسساتيةِ الصينيةِ و دورِ الحكومةِ في تَشكيل المشار إليه. يبحث الفصلُ الثالث في أركان إستراتيجياتِ شركات الصين الرائدةِ بتركيزِ خاص على الشركات الخاصّةِ الصينيةِ. تحتوي أربعة فصولِ تحت الجزء الثاني على خمس دراساتِ حالة متصلة بالصناعةَ، محلّلة عناصر قوى البيئةَ الفعّالةَ تحت ضغطَ تنافسي و إستجابات كل صناعةِ منفردة إلى المشار إليه. يُركّزُ الفصلان تحت الجزء الثالثِ على الإستثمار الأجنبي المباشر نحو الداخل مِنْ قِبَلْ شركات متعددة الجنسيات و الإستثمار إلى الخارج بواسطة شركاتِ صينيةِ. يتبنى الفصلان أيضا بين الحين و الآخر موقف مقارنةِ في تَوضيح العِلاقاتِ بَيْنَ دوافعِ الإستثمار الأجنبي، استراتيجياتِ الإستثمار و ملابسات المذكور أنفا على إدارة الموارد البشرية. في الفصلِ الختامي، يُلفت النظر إلى مفهوم التطويرِ المستمرِ لمدراء النشاط التجاري و الحاجة لبحثِ إضافي في مجالات يوجد بها ثغرات.

يُغامر الكتابُ بالدخول في المناطقِ الأقل دراية الخاصة بشركات القطاع الخاص الصينية نظرا لقلة التركيز عليهم في المقام الأول. كَانَ كُلّ انتباهِ خبراءِ إستراتيجية التجارة الدولية عموماً مركزاً على المؤسساتِ الضخمة و النظر إلى الصين كتهديد. أبدى وزيرُ صناعةِ الصين رأيا ، خلال حدثِ دوليِ عقد مؤخرا، مفاده أنّ الصين عبارة عنْ مجموعةَ مؤسساتِ تجارية مقامة و تعملُ في مناطقِها المُتعدّدة، لذا، لفَهْم استراتيجيات الصين الإقتصادية / الصناعية، ينبغي أنْ يَكُونَ تركيز مجموعة التجارة الدوليةِ في الخارج على مناطقها الصناعية و شركاتِها العاملة فيها. في هذا السياقُ، أَعتقد أن هذا الكتابُ يُحاولُ مَلْئ فجوةَ مهمّةَ. إنها فجوةُ المعرفةِغير الكافيةِ لدى مدراءِ التجارة الدوليينِ حول الشركات الخاصّةِ الصينيةِ و كذلك في ما يتعلق بممارسات التجارة و الموارد البشرية خاصتها.