الرضا الوظيفي والقيادة الفعالة
د. محمود بن محمد البديوي
يعد الرضا الوظيفي أو المهني من الموضوعات التي ينبغي أن تظل موضعاً للبحث والدراسة بين فترة وأخرى عند القادة ومشرفي الإدارات والمهتمين بالتطوير الإداري في العمل، وذلك لأسباب متعددة فما يرضى عنه الفرد حالياً قد لا يُرضيه مستقبلاً، وأيضا لتأثر رضا الفرد بالتغير في مراحل حياته فما لا يعد مرضيا حالياً قد يكون مرضيا في المستقبل.
ولا شك أن دراسة المدير للرضا الوظيفي عند موظفيه هي عملية تقويم شاملة تغطي جميع جوانب العمل وتتعرف الإدارة من خلالها على نفسها فتنكشف لها الإيجابيات والسلبيات والتي يمكن في ضوئها أن يتم التطوير ورسم السياسات المستقبلية للإدارة، وقد توصل المهتمون والباحثون في هذا الشأن إلى أن السلوك الإنساني داخل المؤسسسات يمثل اهتماماً مشتركاً بين علوم الإدارة من ناحية والعلوم الإنسانية من ناحية أخرى، وأصبح الحوار المتصل بين الطرفين بأن التركيز لجانب واحد لا يكفي لفهم السلوك الإنساني ومعرفة مدى الرضا الوظيفي، وإذا كانت الدول المتقدمة قد اهتمت وما تزال تهتم بالبحث عن الرضا الوظيفي فيجب على الدول النامية أن تكون أكثر اهتماماً نظراً لتأثيره المباشر على تقدم المجتمع وتطوره...
فالرضا الوظيفي ما هو إلا تجميع للظروف النفسية والفسيولوجية والبيئية التي تحيط علاقة الموظف بزملائه ورؤسائه وتتوافق مع شخصيته والتي تجعله يقول بصدق أنــــا ســـــعيد بـــعملي..
فكيف يتم هذا ؟ وأين يتم ؟
إنه لمن المؤكد والمحسوم أيضاً أن معطيات الرضا الوظيفي هو الشعور بالسعادة، فرضا الفرد عن وظيفته يؤدي إلى الكفاية الإنتاجية العالية، فالفرد الراضي عن وظيفته أو مهنته يقبل عليها في همة ونشاط ويكون سعيداً بها مما يزيد من كفايته الإنتاجية، أما عدم الرضا عن المهنة فينتج عنه سوء تكيف، غير متوازن انفعالياً ويظهر الكثير من مظاهر الضجر والملل والاستياء والإحباط...
إن ميل الفرد لعمله أو لجانب معين فيه له المردود الإيجابي على نفسه وعلى عمله والرضا يتحقق عندما تتحقق توقعات الفرد نحو مايحصل عليه من العوائد المعنوية والمادية خاصة، كما يُعبر الرضا عن حالة تكامل الفرد النفسية مع وظيفته ومدى استغلال العمل لقدراته وميوله وإثبات لشخصيته، أضف إلى أن وصول الفرد لمستوى الطموح الذي حدده يتحقق له من خلال عمله وهذا بدوره يؤدي لإشباع حاجاته الشخصية، ولا شك أن هناك عوامل مؤثرة في رضا الفرد عن وظيفته، بعضها يتعلق بذاتية الفرد نفسه وبعضها الآخر متعلق بالتنظيم الذي يعمل فيه الفرد وهي بيئة العمل التي يعيشها كنوع العمل، وطبيعة وظيفته أو مهنته كعمل روتيني أو متنوع، ابتكاري أو عادي.
ولا شك أن العمل المتنوع ينتج عنه مستوى أعلى من الرضا، كما أن الظروف المحيطة ببيئة العمل من التهوية والإضاءة والأدوات والأجهزة المستخدمة وكم العمل وحجم الإدارة، فكلما كان حجم الإدارة صغيراً زاد التعاون بين الموظفين وازدادت العلاقة الشخصية والوظيفية بينهم، وبالتالي ارتفع روح الانتماء للجماعة والعمل فزاد الرضا الوظيفي لديه.
ولا تخفى علينا أهمية المكانة الاجتماعية والاقتصادية للوظيفة كمحدد مهم للرضا الوظيفي، وهذا يرجع لثقافة المجتمع وتقديره للعمل، ومن المحددات الرئيسية أيضاً التي تحتل الصدارة للرضا الوظيفي نمط الإشراف أو نوع القيادة في العمل، فقد حدد علماء الإدارة والعلوم الإنسانية أن هناك علاقة قوية بين النمط السائد للقيادة أو الإشراف ( ديمقراطي _ ديكتاتوري _ فوضوي ) والرضا الوظيفي عند الفرد وهذه العلاقة علاقة طردية قوية، ولا تقف عند العوامل البيئية المؤثرة في رضا الفرد عن وظيفته فقط وهناك عوامل خاصة بالفرد يتأثر بها وتؤثر على عمله كالإنجاز فالإنسان لا يقف عند نقطة معينة في حياته فلديه أهداف (إنجازات) يتمنى تحقيقها ويتوقع تحقيقها وهذه تمثل اتجاهاً لسلوكه بناءً على تقديره لذاته وتقدير الآخرين له وكلما وصل إلى مستوى شعر بارتياح ورضا ثم يضع أهدافاً ومستويات طموح جديدة، ولا نغفل ما يحققه الترقي والتقدم الوظيفي وما يمثله ذلك من أهمية كبرى لدى الموظف ورضاه بوظيفته، بالإضافة إلى الراتب والحوافز المادية وهذان العاملان الأخيران لا شك أنهما مساهمان بدرجة كبيرة في منع مشاعر الاستياء والإحباط الوظيفي لدى الفرد، كما أن الاستقرار في العمل والحاجة للأمن فيه من المصادر القوية لتحديد الرضا وكلما ارتفع المستوى الوظيفي للفرد كان أكثر استقرارا وعطاءً ورضا عن العمل، يقول روجرز العالم النفسي في نظريته (الذات) إن الأشخاص الذين ينتقلون إلى عمل جديد غالباً ما تتغير شخصياتهم للأسوأ وهذا يحدث على الأقل في البداية ولا يعد هذا غريباً إذا نظرنا إليه حسب معطيات نظريته (الذات) فالعمل الذي يرتبط به الموظف لمدة طويلة له مردود ممتاز نفسياً، وقد يفي بكل متطلباته ويشبع حاجاته، بينما الموظف الجديد لم يتعود بعد على مهام العمل وقد يرتكب أخطاء قد تؤدي إلى الضرر بتقديره لذاته سلباً وقد تنمو لديه مشاعر عدم الثقة بالذات، والمدير المشرف سيقيمه وظيفياً من خلال كفاءته الإنتاجية، وهنا دور نمط القيادة الفعال مع موظفيها(قدامى ومستجدين).
وأخيراً بقي أن نشير إلى أن العلاقات الاجتماعية في محيط العمل أحد محددات الرضا الوظيفي والمهمة في حياة الفرد فهذه العلاقات تشعره بالانتماء والرضا داخل المؤسسة وخارجها، فكلما كان في حاجة للانتماء كان أثر جماعة العمل على الرضا الوظيفي لدى الفرد كبيراً، وأرى أنا العمر الزمني المعتمد على طبيعة العمل يحقق أيضاً رضا وظيفيا، وقد وجد الباحثون أن الجنس له صلة بذلك، فالسيدات حققن رضا وظيفيا أكبر من الرجال فيما يتعلق بالأجر والعلاقات الاجتماعية. وكما أن لكل هذه العوامل تأثير كبير في الرضا الوظيفي للفرد لاشك أن لمستواه التعليمي دور في رضاه عن عمله، فهناك علاقة إيجابية بين المهنة والمستوى التعليمي.
إن القائد الإداري الحصيف يدرك تماماً أن الموظف هو حجر الزاوية لدى المؤسسة لكونه الأداة الفعالة التي تقود المؤسسة للاضطلاع بمسؤولياتها وخدمة المجتمع.
ولكن كيف يُسهم هذا المدير في رفع الكفاءة الإنتاجية لأعلى درجة ويؤثر بمرؤوسيه بكل الود والحزم معاً ويحقق الرضا الوظيفي لديهم... وعند أي نمط من القيادة؟
لا شك أن نمط القيادة الديمقراطية من المؤشرات الإيجابية الفعالة في إدارة المؤسسات ويحقق الرضا الوظيفي للموظف ولهذه القيادة مواصفاتها، فالمدير الديمقراطي يضطلع بدور كبير في خلق روح التعاون بين الموظفين والعاملين بإدارته أو مؤسسته ويجعلهم كالفريق الواحد ليتولد لديهم الشعور بالانتماء لتحقيق الأهداف ومن ثم ينعكس على تحقيقهم لأهدافهم الخاصة، كما أن إبراز الجانب الإنساني، لديه بمشاركته لموظفيه في مناسباتهم المختلفة وشعورهم بأن علاقتهم معه ليست متوقفة على حدود العمل الرسمي لا شك أنها تساعد في إيجاد القبول لديهم ليؤثر فيهم وهذا هدف من أهداف القيادة الفعالة... فاهتمامه بمشكلاتهم واحتياجاتهم له الدور الكبير في تحقيق الرضا الوظيفي، كما يرى أن مشاركة الموظف في اتخاذ القرارات بإبداء آرائه وملاحظاته أمر فعال في تحقيق أهداف العمل وينمي شعور الموظف بتحقيق ذاته.
إن المشرف الإداري الديمقراطي الذي يقوم بالتنظيم والتنسيق لجهود مرؤوسية وموظفيه سيؤدي حتماً لتوحد العمل وعدم الازدواجية، كما أن توزيع المسؤولية ومنح الموظف السلطة المتكافئة مع قدراته وإمكانياته وإعطاؤه قدراً من الحرية لتنفيذ العمل بالطريقة التي يرغب بها دون تأثير سالب على الآخرين، بالإضافة إلى اعتقاده بوجود الفروق الفردية بين الأفراد وأهمية القدرات والاستعدادات والميول لدى الموظفين يؤدي للتكيف في العمل والشعور بالأهمية الذاتية فيتحقق الرضا الوظيفي لدى الموظف.
إن القيادة الديمقراطية المفوضة السلطة للموظف لتنفيذ عمله بمرونة وبطريقة سريعة بعيدة عن تعقيدات الروتين (دون إلحاق ضرر) بحيث تكون مناسبة لقدراته وطموحاته تساعده على التجديد والابتكار ومن ثم الشعور بالرضا لما يقوم به من مهام، إن هذا النمط الإداري لا يعترف بحرفية الأنظمة والتعليمات ويعترف بالمرونة وليس التساهل والانفلات في العمل _ وهذا يؤدي إلى إخراج طاقات الموظفين وإبراز ما لديهم من استعدادات. كما أن العدالة من المدير والقائد الإداري مطلوبة أيضاَ في توزيع الدورات والتطوير الذاتي من قبل المؤسسة لموظفيها بتنظيم وتنسيق دون محسوبية بحيث لا يخل بإنتاجية العمل ليؤدي بالطبع لإكسابهم المهارات الفنية والعلمية والعملية والسلوكية للارتقاء بالموظف في تعاملاته مع مراجعيه وزملائه ومديريه وهو بلا شك مؤدٍ للرضا الوظيفي.
إن القيادة الفعالة مساهمة وبقوة في تحقيق الرضا الوظيفي للفرد وهي من أنجح الإدارات في تحقيق الأهداف العامة للمؤسسة وتحقيق الأهداف الخاصة لموظفيها وهذا لا يأتي إلى بتحري الدقة والأمانة والإخلاص في اختيار المديرين ووجود هذه الصفات لديهم بالإضافة إلى مؤهلاته وهذه الصفات قد نادى بها الإسلام وأوصى بها رسولنا الأمين الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته... " واتخاذه نبراساً وهدى لخلقه الكريم والذي قال فيه سبحانه وتعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
دعني أقول (إن القيادة الفعالة الديمقراطية الناجحة تبحث عن الفعالية Effectiveness والإدارة تكافح في سبيل الكفاءة ).
إن القيادة الفعالة مقيمة لذاتها بأن تقول لنفسها... ليس معنى أنني المدير أنني أذكى القوم... وأنني صاحب القرار السليم دوماً... ويمكنني قيادة الناس بدفعهم من الخلف وليس دائماً يجب أن أسير أمامهم... وأن اعترافي بخطئي فضيلة... يجرد أعدائي من أسلحتهم ويعطي أصدقائي سلاحاً للدفاع عني... وعندما أكون سلبياً تجاه الأفكار والآراء الخاطئة أكون إيجابياً تجاه الحقيقة ولن أكون دبلوماسياً ناجحاً... إلا إذا واجهت رئيسي بأخطائه بأدب جم... أنا لست أهم الموظفين... ولكني أكبرهم مسؤولية... إن الصعود على أكتاف الآخرين معناه السقوط من أعلى... وأن مقياس النجاح الصحيح هو ما تعلمته من الفشل وليس مما حققته من نجاح.
إن القيادة الفعالة ناجحة في إدارة ذاتها لأنها تتخذ قواعد وقيماً أساسية منهجاً لها في طريق حياتها وهذه القواعد هي:-
أداء حقوق الله سبحانه وتعالى.
التفاؤل الدائم وتوقع النجاح إلزام النفس بالتخطيط السامي لأمور الحياة.
تحويل الخطط إلى عمل دون ضياع وقت وجهد زائد.
المبادرة والمسارعة لكل خير للمؤسسة وموظفيها وليس من أجل الحفاظ على الكرسي.
الاستعداد للتغيير والتطوير (المرونة).
الاقتداء والتأسي بخيرة الخلق والقادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الواقعية واكتشاف نقاط التميز لدى الموظف.
إن هذه الأمور جميعها لا تتوقف عند حد المدير والمشرف الإداري وإنما هي عملية جماعية لا بد أن تمتد إلى من يقوم بالقرار الإداري من معاونين ومساعدين وموظفين أيضاً وكل فرد يعمل في المؤسسة.
كبير أخصائيي التدريب والتنمية
بالخطوط الجوية العربية السعودية
وبعد هذه المقالة الرائعة في موضوع الرضا الوظيفي
اقدم لكم هذا الاستقصاء الذي يقيس الرضا الوظيفي للعاملين