مستقبلك مع العمل الحر



العمل المستقل نعمة ونقمة، إذا لم تتمكن من فن استعادة التركيز وتنظيم الوقت والانضباط الذاتي.. الخلطة السحرية لإدارة الوقت والتركيز في العمل الحر!



بالنسبة للعديد من الناس فإن مستوى الانضباط الذاتي المطلوب للازدهار في العمل الحر والمستقل (Freelancing) قد يبدو مروعاً، فكونك مديرك الخاص.. لا يعني فقط العمل عن المشرف المباشر، حيث يعني أيضاً وضع توقعات واضحة ومحاسبة نفسك على تلك التوقعات، هناك العديد من المجالات الرئيسية التي من المهم الحفاظ على توازنها كموظف في عمل حرّ، وأهمها هي التركيز وتنظيم الوقت الذين يعتبران جناحيك نحو مستقبل ناجح مع عمل مستقل.



التركيز في العمل
كيف تكون أكثر تركيزاً في عملك المستقل؟
هناك طرق بسيطة للحد من التأثير الذي يمكن أن يحدثه إجهاد العمل على عقلك وجسمك، إليك الدليل لتبدأ زيادة تركيزك في العمل:

اللحظة الحاضرة: اليقظة.. والانتباه إلى اللحظة الراهنة بطريقة مقبولة وغير خيالية، هي ممارسة بسيطة متاحة للجميع، حيث أنها طريقة موثوق بها للحد من التوتر بسبب العمل والمواعيد النهائية للتسليم، وببساطة فإن التأمل وسيلة لتدريب العقل، حيث تتجول عقولنا في معظم الأوقات، فنحن نفكر في المستقبل ونسكن الماضي، أو نعاني من القلق، أو يشطح بنا التخيل، أو يسيطر علينا الغضب أو أحلام اليقظة! فيعيدنا التأمل إلى اللحظة الراهنة، ويعطينا الأدوات التي نحتاجها لنكون أقل إجهاداً، وأكثر هدوءً اتجاه أنفسنا وعملنا والآخرين، يقول مؤلف كتاب (10 % من السعادة) دان هاريس (Dan Harris): "أفكر في التأمل باعتباره القدرة على عدم الانغماس في عواطفك الخاصة، وهذا يمكن أن يكون له تأثير كبير على كيفية وجودك في مكان العمل"، هناك العديد من الطرق لممارسة التأمل في العمل لاسيما الحر منه، من المشي خلال النهار إلى التوقف المؤقت عن العمل أثناء تناول الطعام وهي واحدة من أكثر الطرق موثوقية وبساطة.

العمل مجهد.. فابحث عن التركيز: عليك أن تنظم وقت عملك الحرّ، الذي يمكن أن يكون مصدراً لضغط كبير كما الوظائف بدوام كامل، حيث أصبح الإجهاد في مكان العمل أكثر انتشاراً؛ مع البريد الإلكتروني وأدوات الدردشة داخل المكتب ووسائل التواصل الاجتماعي التي تتنافس باستمرار على جذب اهتمامنا، تقول مؤسسة المنظمة غير الربحية للقيادة العقلانية والكاتبة جانيس مارتورانو (Janice Marturano): " نشجع في مكان العمل إرفاق مجموعة من التقنيات المتطورة طيلة أيام الأسبوع ولـ24 ساعة، إن المعلومات التي نتعرض لها يمكن أن تنتج القلق، كما يمكن أن تخلق شعوراً بالانفصال يربكنا في حياتنا الشخصية والمهنية على حد سواء"، لذلك فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يساعد بها وعينا بهذه الأمور، هي ببساطة من خلال السماح لأنفسنا بتحسين تركيزنا، وعندما ننتقل باستمرار من مهمة إلى أخرى، يمكن أن تعاني نوعية وجودة عملنا أيضاً، ومن خلال تدريب ذهننا على التركيز؛ ببساطة نستطيع العودة إلى اللحظة الحالية، بالتالي يمكننا ويجب علينا تدريب أنفسنا لنصبح أكثر تركيزاً، ويقول دان هارس "هذا هو التدريب على الاهتمام، حيث يظهر علم الأعصاب أن هذا التمرين اليومي يمكن أن يعزز مناطق الدماغ التي لها علاقة بتنظيم الانتباه والتركيز، لأن تعدد المهام هو أسطورة خبيثة تمنعنا من إنجاز عملنا".

التركيز الكامل للذهن: التوقف عن التفكير أو تفريغ العقل ليس هو التركيز.. بدلا من ذلك فإن الهدف هو إيلاء اهتمام وثيق لضجيج أحاسيسك والأفكار والعواطف؛ من أجل رؤيتها بشكل أكثر وضوحاً، دون اتخاذ الكثير من الافتراضات أو إعداد قصص ودراما حول ما يشتت ذهنك، فالتأمل المستوحى من الممارسات البوذية، متاح لكَ اليوم كممارسة علمانية كلية تركز على الحد من الإجهاد، وتعزيز التركيز وتنمية الهدوء، لذا فإنه إحدى الوسائل التي تهدف إلى تعزيز حالة من الوعي المريح.

الخيارات الواعية: أنت تعمل بعيداً عن ضجيج المكاتب تمتلك كامل وقتك لإنجاز مهامك؛ لكن كيف تزيد من تركيزك؟ مع الكثير من عوامل التشتت في مكان عملك الحر (منزلك أو مكتبك الخاص)، هناك خطوات بسيطة يمكنك اتخاذها لتوفر لنفسك فرصة أفضل للبقاء مركزاً في اللحظة الحاضرة:
1- إيقاف الإشعارات في هاتفك الجوال أو جهاز المحمول وتأجيل إخطار البريد الإلكتروني لوقت تحدده مسبقاً.
2- يمكنك الرد على البريد الإلكتروني خلال الفترات الزمنية المخصصة لذلك، بدلاً من استمرارها على مدار اليوم بمجرد وصولها إلى البريد الوارد.
3- الانتهاء من مهمة واحدة قبل أن تبدأ في اليوم التالي بمهمة أخرى.
تقول مارتورانو: "يمكننا اتخاذ خيارات واعية حول مدى تشتيت انتباهنا، وسنسمح لأنفسنا بأن نكون طوال اليوم حاضرين، بحيث يمكن أن يساعدك هذا على زيادة الإنتاجية والتركيز".

ماذا تفعل إذا أصابك الإرهاق أو الملل (وهو الغالب في الأعمال الحرة): عندما تمر بلحظة مرهقة بشكل خاص، مرّن نفسك على (التوقف).. يمكن أن يكون ذلك مفيداً لإعادة شحن طاقتك وتركيز انتباهك من جديد من خلال:
1- توقف: ما عليك سوى التوقف مؤقتاً، بصرف النظر عما تفعله.
2- خذ نفساً: اشعر بإحساس تنفسك، بحيث يعيدك إلى اللحظة الحالية.
3- راقب: اعترف بما يحدث، سواء كان جيداً أو سيئاً، فهل أصابك الضجر لأسباب داخلية أم لعدم قدرتك على الإنجاز؟ عليك أن تعرف ذلك.
4- تابع العمل: بعد العودة إلى اللحظة الحالية من التركيز، استمر في كل ما كنت تفعله.
يقول دان هاريس: "الأمر يتعلق بخلق هذه الفرص القليلة للحصول على جرعة صغيرة من التركيز"، فبدلاً من أخذ هاتفك بسبب شعور الملل والضجر، ما عليك سوى فعل ما يحرك قدميك، أعد لنفسك كوباً من شاي الأعشاب أو سندويشاً خفيفاً، أو أخرج إلى الشرفة وتنشق بعض الهواء أو قم بسقاية نباتاتك، تستطيع أن تجد أي نشاط خفيف يمكن أن يعيد إليك التركيز على العمل.



تنظيم العمل الحر
كيفية إدارة وقتك وطاقتك وانتباهك في عملك المستقل
يأتي العمل من المنزل مع العديد من عوامل الإلهاء وعوامل التشتيت، لذلك من الضروري أن يقوم المستقلون بإدارة وقتهم بفعالية حتى ينجزوا أعمالهم، ففي حين يعني العمل داخل المكتب عادة أن يوم عملك مقسم إلى سلسلة من الإجراءات الروتينية، مثل فترات الراحة ووجبات الغداء والاجتماعات المتكررة المزعجة، لكن الجانب الإيجابي..! انه يعطي بنية ليومك، بينما عليك في العمل المستقل أن ترتب هذه البنية بنفسك، حيث تحتاج إلى مخطط دقيق وهيكلية أساسية للوصول إلى أعلى مستوى من الإنتاجية، إن تعلم إدارة وقتك بفعالية ستمكنك من إكمال العمل بجودة أعلى وفي وقت أقل، من خلال:

الحدّ من عوامل التشتيت والإلهاءات: أنت في نطاق عملك ويتدفق جهدك للإنجاز من دون عناء، فجأة تتلقى إشعاراً من صفحتك على موقع فيسبوك، إنه أفضل صديق لك يسألك إذا كنت تريد أن تلتقيا هذا المساء، أو تنتقل إلى موقع (YouTube) لمشاهدة مقاطع فيديو جديدة وصلك إشعارها، لقد خرجت عن المسار ومع هذا التشتيت تموت الإنتاجية، بطبيعة الحال.. ربما يكون التحدي الأكبر للعمل في المنزل، هو إدارة أو إزالة الانحرافات التي تتنافس على وقتك وتركيزك للعمل، هناك دائما هذا الإغراء لسرقة نظرة على هاتفك أو ربما تنتهي بأداء عض الأعمال المنزلية غير الملّحة غالباً، وإذا كان معك شخص آخر في المنزل مثل أحد أفراد العائلة أو شريك في السكن، فيمكنه أن يكون بمثابة إلهاء مقلق أيضاً، في وقت كل ما تريد القيام به هو التركيز على عملك، والفلسفة البسيطة للتعامل مع كل هذه العوامل المشتتة متقاطعة تماماً مع العوامل التي تساعدك على التركيز وهي:
1- افصل جميع وسائل التواصل الاجتماعية (إلا إذا كان عملك يدور حول وسائل الإعلام الاجتماعية).
2- اضبط الدردشة أو المراسلة الفورية أو وضع التطبيق على الرسائل النصية إلى "عدم الإزعاج" وتجنبها عمداً حتى تكتمل المهمة أو تكون في استراحة.
3- العمل في مكان يمكّنك من التركيز، قد يحتاج البعض إلى الصمت المطلق في غرفة خاصة للعمل، بينما قد يفضل البعض الضوضاء الخفيفة في المقهى مثلاً، أنت أدرى بما تفضل.
4- تذكر أن تأخذ استراحات بشكل منتظم، لأن إعطاء راحة لذهنك سوف يساعد على تنظيم وقتك وإدارة طاقتك وانتباهك.

إنشاء جدول زمني: يتم تعزيز جهودك للقضاء على التشتيت عن طريق جدولة مهامك ويوم عملك، فيوم منظم بشكل جيد يتيح لك الوقت للاستراحة وتناول الغداء، وحتى المشي في الخارج لتصفية ذهنك، حيث يمكن أن تُحدث الجدولة فرقاً كبيراً في إنتاجيتك وشعورك بالإنجاز اليومي، وأعلم أن الجدولة ليست مسلية.. لكن حتى أفضل الخطط الموضوعة يمكن أن تفشل دون إدارة ذاتية صارمة، لحسن الحظ هناك عدة طرق يمكن من خلالها جدولة وتكوين أيام عملك:
1- قم بعمل قائمة بكافة مهامك لليوم: يمكنك القيام بذلك من خلال جهاز كمبيوتر أو تطبيق أو حتى بالقلم والورقة.. اختر ما هو أكثر راحة وملاءمة لك.
2- تقسيم مهامك إلى كتل وفق الوقت مع فواصل بينهما: هناك راحة ذهنية عندما تدرك أنها ليست مهمة مستحيلة، عليك فقط التركيز على كل خطوة لفترة قصيرة.
3- تذكر روتينك اليومي: فقط لأنك تعمل في المنزل اليوم لا يعني أنك يجب أن تهمل تنظيف أسنانك وارتداء ملابس تحبها؛ ثق بي.. ستشعر بتحسن كبير، إذا أخذت الوقت الكافي استعداداً ليوم العمل.
4- امنح نفسك مجالا للمرونة: عندما تخطط لوضع جدول زمني للأسبوع، فإن المفتاح هو تحقيق التوازن بين مهامك، لذلك تأكد من منح نفسك مجالا للتنفس!
5- الانضباط هو مهارة تُمارس.. كلما سعيت أكثر لإكمال مهامك وفقاً للجدول الزمني، كلما أصبحت العملية أقل إرهاقاً.



تتبع نجاحك: إذا كنت تستطيع قياسه، يمكنك تحسينه، فكل خطوة ناجحة تكملها سوف تصبح الوقود الذي يدفعك للحفاظ على العمل الجيد، لذا فتتبع تقدمك لا يخدمك فقط كدافع بل يساعدك على القضاء على ذلك الناقد الذي يعيش داخلك ويسبب لك عادة التسويف والمماطلة، كما يصرفك عن المهمة التي في متناول يديك، وهناك فوائد أخرى لتتبع النجاح وهي:
1- الإنجازات الأصغر تستحق الاحتفال: يسير تقدمك ونجاحك جنباً إلى جنب مع تقسيم المهام إلى كتل قابلة للإنجاز وفق الوقت المتاح لك، فعندما تقوم بإكمال كل عنصر من عناصر مشروعك، يتكون رضا فطري يأتي من إنجاز مهمة أخرى في قائمتك.
2- إنها معايير أدائك: عندما تحرز نجاحات.. ستكتشف بسرعة المهام التي يكون التركيز عليها أسهل أو أكثر صعوبة، إكمال العمل بشكل أكثر فاعلية سيؤدي إلى إتاحة الوقت في جدول أعمالك لأشياء أخرى، مثل الخروج أكثر مع شريك الحياة وأصدقائك.
3- يمكنك التركيز على ما هو مهم: ليس كل شخص يعمل لحسابه وبصورة مستقلة قادر على الاستخدام الجيد للوقت، في بعض الأحيان تكون المهمة نفسها تشويش حقيقي! وإذا كان ذلك يخفض من طاقتك؛ فهذه علامة على أنك يجب أن تركز أكثر على المشاريع التي تثير شغفك.

في الختام.. أعرف من التجربة المباشرة أن البقاء في عمل مستقل أو عن بعد؛ يمكن أن يكون تحدياً، حيث تتحمل مسؤولية أكبر عن كيفية قضاء وقتك، إن تعلم إدارة وقتك.. مهارة سوف تستمر في التحسن مع إبقاءك على بينة حول كيف وأين تقضي وقتك، في نهاية اليوم ستكون على موعد مع المكافآت لإدارة وقتك بشكل فعّال.. فهل لديك عمل حر؟ كيف تقوم بإدارة وقتك واستعادة تركيزك؟ هل لديك جدولة وخطة زمنية معينة للإنجاز؟


منقول ..