بطاقة الأداء المتوازن نظام متكامل لصياغة و تنفيذ و تقييم الإستراتيجية
كثير من المؤسسات تواجه مشكلات مرتبطة بتطبيق استراتجييها و تجد صعوبة في تحويل الإستراتيجية إلى نشاطات عملية قابلة للقياس، قد يرجع هذا الفشل في تطبيق الإستراتيجية إلى أن:

  • الإستراتيجية لا تكون مدركة ولا مفهومة من قبل كل الأقسام في المؤسسة.
  • النشاطات التي تنجم عن التوجهات الإستراتيجية ليست محددة بوضوح.

إذ يعكس واقع المؤسسات أن معظم النشاطات المنفذة في الأقسام مفيدة غير أنها لا تخدم الإستراتيجية و في بعض الأحيان قد تتعارض معها، لذلك فإنه من أجل الإدارة الإستراتيجية السليمة من المهم استعمال بطاقة الأداء المتوازن حيث تكون القياسات فيها منسجمة مع إستراتيجية المؤسسة، كما أن لها دورا فاعلا على امتداد المراحل الثلاثة للإدارة الإستراتيجية.
1.بطاقة الأداء المتوازن و مرحلة الصياغة الإستراتيجية:
1.1 ترجمة الرؤية الإستراتيجية للمؤسسة إلى أهداف:
عند استعمال بطاقة الأداء المتوازن يجب ابتداء تحديد الإستراتيجية المناسبة التي ستتبناها المنظمة، و من ثم يسهل ترجمة رسالة المنظمة إلى أهداف قابلة للقياس و التقييم.
فعملية تشكيل بطاقة الأداء المتوازن يجب أن تكون مسبوقة بتوضيح الرؤى الإستراتيجية المستقبلية بالنسبة للمؤسسة، ثم عليها التساؤل حول ما الذي سيتم تصحيحه لو قامت بوضع هذه الإستراتيجية بالنسبة لمساهميها، زبائنها و أنظمتها و قدرتها على التجديد، وعلى هذا الأساس تقوم بتحديد العوامل الحرجة لكل محور من هذه المحاور و تحديد الوسائل لقياسها.
تركز الأهداف المالية على بعض القياسات مثل: النمو، الربحية، دوران رأي المال الموظف، أما الأهداف المرتبطة بالزبائن فتضم المؤشرات المتعلقة بقطاعات السوق المستهدف و رضا الزبائن ووفائهم، المردودية لكل قطاع من الزبائن، الحصة السوقية في السوق المستهدف، محور الأنظمة يتضمن الأهداف طويلة الأجل مثل تلك المتعلقة بدورة التجديد و الأهداف القصيرة المرتبطة بدورة الاستغلال، محور التعلم التنظيمي له أهداف تهتم بالبنى التحتية التي يجب أن تضعها المؤسسة و بالموارد البشرية، وغالبا فإن من 15 إلى 20 هدفا هو عدد كافي لترجمة الرؤية الإستراتيجية[i].
و على كل فاعل في المؤسسة من القمة إلى القاعدة أن يعرف إستراتيجية المؤسسة و دوره لتحقيقها، يمكن ذلك من خلال الميكانيزمات التالية[ii]:

  • برامج الاتصال و التكوين(كتيب، جريدة داخلية، الرسائل الإلكترونية...)
  • نشاطات تحديد الأهداف: بعد توصيل الأهداف العريضة لكامل المعنيين و شرحها يمكن للأجراء تحديد أهدافهم الخاصة بدلالة الأهداف العامة.
  • وضع نظام للمكافآت لتشجيع نشر الإستراتيجية.

2.1 ربط القياسات بالأهداف الإستراتيجية للمؤسسة:
بطاقة الأداء المتوازن ليست طريقة جديدة لقياس الأداء فحسب و لكن أداة للإدارة الإستراتيجية، فالمؤسسات التي تلجأ إلى وضع قائمة من مؤشرات الأداء الأساسية و إلحاقها بنظام لمتابعتها، غير أن هذه القائمة ما هي إلا سلسلة من الأنشطة الواجب القيام بها و لا يوجد ما يربطها مع إستراتيجية المؤسسة، وأحيانا لا ترتبط هي في ما بينها، تأتي أهمية بطاقة الأداء المتوازن ليس من كونها تجمع بين مؤشرات مختلفة، و إنما من كونها تثبت عددا محدودا من التوجهات الإستراتيجية الأساسية يتم تقسيمها إلى أهداف إستراتيجية ملحقة بنظام خاص للقياس[iii].
و هناك ثلاثة عناصر أساسية تساعد في ربط القياسات بإستراتيجية المؤسسة، وهي:

  • علاقات السبب و النتيجة(العلاقات السببية):

تعرف الإستراتيجية بأنها مجموعة من الفرضيات التي ترتبط قي ما بينها بعلاقة سببية، كثير من العمليات الإستراتيجية تمثل علاقات سبب ونتيجة، ولذا يجب أن يحقق القياس العلاقة بينهما حتى يمكن إدارتها والتأكد من صحتها، ويجب أن تتضمن العلاقة الجوانب الأربعة المكونة لبطاقة قياس الأداء المتوازن.
مثال : معدل العائد على رأس المال يزيد بزيادة المبيعات للعملاء ويعكس ذلك ولاء العملاء، إذن يتم إدراج معدل العائد في الجانب المالي والولاء في جانب العملاء ولكن كيف يتحقق الولاء؟ يتم الحصول على الولاء بتحسين وقت الخدمة للعملاء إذن ندرج الولاء ووقت الخدمة للعملاء في جانب العملاء من البطاقة ولتحقيق وقت خدمة قصيرة يجب تقليل وقت أداء العمل وإجادة العمليات الداخلية (يتم إدراجهم في العمليات الداخلية) وهذا يتم الحصول علية بالتدريب وتنمية المهارات للموظفين (يتم إدراجهم في جانب التعلم والنمو).
و يتم وصف علاقات السبب و النتيجة من خلال الخرائط الإستراتيجية، هذه الأخيرة تعني تمثيل تصوري لهذه العلاقات السببية، لبيان كيفية الربط بين الأهداف الإستراتيجية الفرعية بعضها البعض و بين مؤشرات الأداء الأساسية بعضها البعض و ذلك من خلال مجموعات متتالية من العلاقات الافتراضية السببية، و تمثل الخرائط الإستراتيجية إحدى المكونات الأساسية لمقياس الأداء المتوازن.
ولغرض إحداث تطوير على بطاقة الأداء المتوازن نحو الاتجاه الاستراتيجي يمكن عمل موائمة بين الخارطة الإستراتيجية والمنظورات الأربعة للبطاقة على أساس فلسفة رؤية المنظمة التي تترجم بصيغة مجموعة استراتيجيات، بدءا من الإستراتيجية المالية التي تستهدف زيادة قيمة حملة الأسهم وانتهاء بإستراتيجية التعلم والنمو التي تستهدف زيادة قدرة العاملين في المنظمة .

  • محددات الأداء:

في جدول القيادة المتوازن نجد أن المؤشرات التي تعكس الأهداف تكون مشتركة بين عدة مؤسسات، غير أن محددات الأداء تخص كل مؤسسة بذاتها، لذلك يجب أن يضم جدول القيادة المتوازن: مؤشرات تقيس النتائج، و محددات الأداء و هي التي تسمح للمؤسسة بوضع تحسينات قصيرة الأجل قريبة من المهام اليومية.

  • الاحتكام إلى النتائج المالية: يجب أن يخصص لجدول القيادة حيزا للمؤشرات المالية، ذلك أن المحاور الأخرى ليست هدفا بحد ذاتها إنما هي وسيلة لتحقيق مكاسب مالية.

2.بطاقة الأداء المتوازن و مرحلة تنفيذ الإستراتيجية:
1.2 أهمية وضع موازنة إستراتيجية (تحويل الأهداف إلى نشاطات):
في بعض الأحيان تحيد الشركة عن الإستراتيجية التي اختارتها لنفسها و تضل طريقها في تعاملاتها و تصرفاتها فتضيع بين الأهداف المتضاربة و يلتبس عليها الأمر، فلا تعرف في أي وجهة تمضي و لا أي طريق تختار و هذا يسمى "التضارب الإستراتيجي فمثلا قد تختار الشركة شكل تميز العلاقات مع العملاء، و لكنها تنفق مواردها في رفع كفاءة عمليات التشغيل و تخفض أسعار منتجاتها، لدرجة لا تتوفر معها أية موارد أخرى لتعزيز علاقاتها مع العملاء، للقضاء على هذا التضارب الاستراتيجي يكون على الشركة أن تقوم بإعداد موازنة بين الأهداف النظرية و الأنشطة العملية داخل الإستراتيجية لتحقيق الخيار الاستراتيجي، دون انحراف أو التباس[iv].
2.2 أهمية الموازنة بين الأنشطة و القياسات:
يكمن جوهر الإستراتيجية في نوع الأنشطة التي تركز عليها، فيجب على المسير أن يوازي بين أنواع الأنشطة الإستراتيجية التي تهدف لتحقيق أهداف إستراتيجية معينة و الأدوات التي تستخدم لقياس أثر هذه النشاطات، فلا يصح مثلا أن تركز الشركة على أنشطة كفاءة التشغيل بينما تنصب أدواتها الإستراتيجية على قياس درجة ولاء العملاء، كما ينبغي التأكد من وجود التوافق بين الأنشطة الإستراتيجية ذاتها، و كذا التوافق بين الأنشطة الإستراتيجية و بين المؤشرات التي تقيسها.
3.2 الإجراءات المتعلقة بالموازنة الإستراتيجية في بطاقة الأداء المتوازن:
إدماج التخطيط الاستراتيجي و الإجراءات المتعلقة بالموازنة في بطاقة الأداء المتوازن يتضمن أربع خطوات هي :

  • تحديد الأهداف التي يتم قبولها من طرف الجميع.
  • تحديد و تنظيم المبادرات الإستراتيجية.
  • إحصاء و جمع المبادرات العرضية التي ينجم عنها "التضافرية" (synergies) و الملائمة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية.
  • ربط الإستراتيجية بالموارد و الموازنات السنوية.

3.بطاقة الأداء المتوازن و مرحلة تقييم الإستراتيجية (التعلم الاستراتيجي):
من المهم أن تملك المؤسسات نظاما للتعلم التنظيمي يسمح للمسيرين بتحليل فرضياتهم و تحديد ما إذا كانت المبادئ التي تقود نشاطاتهم هي دائما متلائمة مع النشاطات و مكيفة مع الملاحظات و الخبرات، ففي بعض الأحيان يجب وضع استراتيجيات جديدة لاستغلال منافذ معينة و مواجهة تهديدات غير متنبأ بها، من أجل الحصول على نظام فعال للتعلم التنظيمي عليه أن يضم:

  • إطار استراتيجي مشترك يوضح الإستراتيجية الكلية و يظهر لكل عامل في المنظمة بماذا تساهم نشاطاته، يتحقق هذا بفضل بطاقة الأداء المتوازن التي تعتبر شكلا من أشكال الأداء المشترك.
  • نظام لعودة المعلومات المتعلقة بالآثار الإستراتيجية و التي تسمح باختبار الفرضيات حول علاقات السبب و النتيجة بين الأهداف و الخيارات الإستراتيجية.
  • نظام لحل المشكلات يحلل و يستخلص المعطيات حول الأداء ثم يكيف الإستراتيجية بدلالة تطور الظروف و المشكلات، أفضل وسيلة لذلك هي الحل الجماعي للمشكلات أي الحل بالفرق.



[i] Caroline Selmer ; concevoir le tableau de bord(outil de contrôle, de pilotage et d’aide à la décision) ; Dunod ; Paris ; 2ème édition ; 2003;p : 208.

[ii] Robert Kaplan et David Norton ; le tableau de bord prospectif(pilotage stratégique : les quatre axes du succès) ; éditions d’ organisation ; Paris ; France ;1998; p p : 207-208.

[iii] Harvard Management Update ; « stratégie : misez sur le tableau de bord prospectif » ; revue management ; n 73 ; Mars 2001 ;p : 120.


[iv] روبارت كابلان و ديفيد نورتون، "المؤسسة الموجهة استراتيجيا (طريقة كابلان و نورتون في قياس التوازن و الأولويات الإستراتيجية)"، مجلة خلاصات كتب المدير و رجل الأعمال، العدد 196، فبراير2001، ص ص: 7-8.