من واقع تجربه ومعايشة واقعية أرى أن مشكلة تسرب العمالة الوطنية تعد من المعوقات الرئيسة لتوطين الوظائف في مؤسسات القطاع الخاص وليست مشكلة زيادة أجورهم كما يعتقد كثيرون.
ربما لا توجد إحصاءات موثقة - وهذه مشكلة أخرى نعاني منها دائما - ولكن من خلال ما اطلعت عليه من تجارب كثير من المؤسسات العاملة في قطاع التجزئة وفي القطاع الصناعي وفي القطاعات التعليمية والتدريبية فإن نسبة تسرب العمالة السعودية الملتحقة حديثاً تتعدى أحيانا 70% خلال أول ستة أشهر من تاريخ التحاقها، وهذه نسبة مخيفة ومقلقة لمؤسسات القطاع الخاص لكون تسرب نسبة كبيرة من الموظفين سنوياً مدعاة لعدم استقرار تلك المؤسسات وبذلك التقليل من قدرتها التنافسية في سوق عمل تزداد تحدياته يوما بعد آخر لأسباب كثيرة لا تخفى على أحد.
وحتى نشخص مشكلة التسرب بشكل أوضح ففي تصوري أنه يمكننا تقسيم مدخلات سوق العمل إلى فئتين: فئة غير ملتزمة وترى أن حصولها على العمل هو حق مكتسب وليس لديها الرغبة في العمل الحقيقي وهذه الفئة ينطبق عليها المثل القائل لا يصلح العطار ما أفسده الدهر، وستبقى تلك الفئة على حالها ما لم تعيد النظر في سلوكياتها وتوجهاتها وتصل إلى القناعة الأكيدة بأن الإنسان لا يولد وفي فمه ملعقة من ذهب وعليه أن يكافح ليصل إلى ما يصبو إليه. أما الفئة الثانية - وهي المعنية في هذا المقال - فهي فئة جادة وملتزمة تتكون من شباب وشابات طموحين وقادرين ولديهم الرغبة الأكيدة في العمل والنجاح وبلدنا ولله الحمد تزخر بعينات كثيرة من تلك الفئة.
يقع بعض المنتمين للفئة الجادة أحيانا في مطب خطير قد يؤدي إلى خروجهم من سوق العمل، فمثلاً ما أن يبدأ الموظف الجاد في عمله ويتمكن من إثبات قدراته في عمله الجديد إلا وخلال أشهر قليلة تأتيه فرصة عمل أخرى وبمميزات أفضل قليلا فتجده خرج من وظيفته الأولى دون حتى أن يقدم استقالته ويعطي المؤسسة التي عمل بها الفرصة في إيجاد البديل لينتقل إلى المؤسسة الثانية. ثم يتكرر نفس السيناريو مرة ثانية وثالثة وهكذا حتى يجد نفسه بعد فترة وقد فقد هويته ولم يتمكن من النمو في أي من المؤسسات التي عمل بها لأنه أستعجل النتائج وسقط ضحية الإغراءات بسبب التسرع وقلة الخبرة.
وهنا يأتي دور وزارة العمل التي يمكنها أن تحمي الموظف الجاد من أخطائه بالتسرع والانزلاق في هذا المطب كما يمكنها أن تحمي المؤسسات من تسرب موظفيها ليتوافر لديها الاستقرار وتُقدم على الاستثمار فيهم وتطويرهم إذا ما اطمأنت من بقائهم في العمل لديها فترة كافية. فأبسط الأمور التي يمكن عملها بهذا الخصوص هو توفير سجل عمل لكل موظف يعمل في القطاع الخاص بحيث يبين هذا السجل التاريخ الوظيفي للموظف كما هو الحال لدى وزارة الخدمة المدنية فيما يخص الموظفين بالقطاع الحكومي. وبلا شك فإن توفر هذا السجل سيساعد المؤسسات في معرفة مدى التزام الموظف وبالتالي فهي لن توظف شخص تنقل في عدة وظائف خلال فترة قصيرة، كما أن وجود هذا السجل سيساعد الموظف في التريث لاختيار المؤسسة المناسبة له وثم الالتزام بالعمل لديها مدة كافية لأنه يعلم أن كثرة التنقل في الوظائف سيقلل من قيمته في سوق العمل.
أما إذا بقي الحال كما هو فعلينا أن نتفهم حرص مؤسسات القطاع الخاص على توظيف غير السعوديين ليس لكونهم أقل تكلفه بل لأنهم أكثر استقراراً مما يساعد تلك المؤسسات على المنافسة والربحية.