إن الإسلام دين ودولة في نفس الوقت، حيث أتى الإسلام ليبين العلاقة بين الإنسان وخالقه سبحانه وتعالى (العبادة) وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان (المعاملة)، لذا نجد أن هناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تنظم العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان وتضع لها الأسس والقواعد التي تساعد البشر على عبادة الله، وعمارة الأرض.
والحقيقة التي نود أن نشير إليها هي أن الشريعة الإسلامية كانت رائدة في تبني مبدأ العمل الجماعي، لان في ذلك توحيد للهمم والطاقات، وتعاون تتهادى أمامه أصعب المهام وتتحقق من خلاله أعظم الانجازات. فنحن نرى أن الخطاب الرباني في القرآن الكريم كله دعوة للعمل الجماعي إذ جاء بصيغة الجمع في غالبية التكاليف وكثيرا ما ينادي القرآن المسلمين بنداء الجماعة بقوله: (يا أيها الذين آمنوا) ولا أدل على ذلك من الحث على الصلاة في جماعة حتى ولو كان الإنسان بعيداً عن المسجد، وأن الله تعالى يجزل العطاء والثواب لهذا العمل الجماعي ويبارك فيه حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (يد الله مع الجماعة).
والآيات التي تحث على بث روح الجماعة والفريق في المسلمين كثيرة ومتعددة ومنها قول الحق تبارك وتعالى { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } [آل عمران: 103]، وقوله عز من قائل { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } [المائدة: 2]، وقوله سبحانه } إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } [ الصف: 4]، وقال جل من قائل } ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأؤلئك لهم عذاب عظيم } [آل عمران: 105]، وقوله تعالى { وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } [المؤمنون: 52]، وكذلك قوله سبحانه { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } [ البقرة: 251]. وكذلك قوله تبارك وتعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} [الأنعام: 159]، ومن هذه الآيات أيضاً قول الباري جل جلاله { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} [آل عمران: 105]، وقوله سبحانه وتعالى { وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } [ الأنفال: 46]. وغير ذلك الكثير من الآيات الكريمة التي تحض على التعاون والتآخي ويبث روح الجماعة وينبذ الفرقة والتشتت بين المسلمين.
كما أن السنة المطهرة مليئة بالأحاديث الشريفة التي تدعوا المسلمين للعمل بروح الفريق، ومن بين هذه الأحاديث قول الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى" . رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم "إياكم والفرقة، وعليكم بالجماعة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد...، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة". أخرجه الترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم " وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهن: بالجماعة، والسمع والطاعة، والهجرة والجهاد في سبيل الله، فإن من خرج من الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلى أن يرجع.. قالوا: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم". أخرجه أحمد، وقوله صلى الله عليه وسلم.
ومن الأعمال والعبادات التي يظهر فيها العمل الجماعي الصلاة يقول عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة وفي رواية بخمس وعشرين درجة)، والصيام فهو مشاركة جماعية ومساواة في الجوع في فترات معينة من الوقت، والحج وهو ملتقى عام للمسلمين جميعاً في كل عام يجتمعون من كل أطراف الأرض على أقدس غاية وفي أيام محدودة منها يوم عرفة { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} [الحج: 27-28]، ومثل ذلك في صلاة الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، والكسوف والخسوف ونحوهما. وإذا كانت الجماعية مؤكدة ولازمة في التشريعات التي يمكن أن تتم بصورة فردية، فإنها تكون من باب أولى ألزم وأشد في الأشياء التي تتطلب العمل الجماعي.
ولو رجعنا إلى السيرة وهي التطبيق العملي لدعوة الله بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم لرأينا كيف قاد المسلمين كجماعة واحدة، وأقام بهم دولة الإسلام الأولى.. وتبعه الخلفاء الراشدين على نفس المنهاج. فعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وأراد أن يشرع في تأسيس الدولة الإسلامية قام ببناء المسجد أولاً ثم لم ينتقل مباشرة إلى توزيع الأعمال والمهام على الصحابة والدخول في تفاصيل الحكم والإدارة ، بل كانت الخطوة العظيمة الثانية التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم هي المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، والمؤاخاة هنا تعني بناء العلاقات الإنسانية على أساس الأخوة الإسلامية بين أفراد فريق العمل الواحد وتنمية روح العمل الجماعي بينهم، روى البخاري رحمه الله : أنهم لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال سعد لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك! فسمِّها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبدالرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟". (عبدالجواد ، 1428: 81-90).
ونجد أن الساعات الحاسمة في تاريخ المسلمين هي الساعات التي تتحول فيها الأمة كلها إلى (ورشة عمل)، كلٌّ له مكانه وكل له مكانته، يشعر كل فرد أنه يشارك في البناء بل إنه ضروري لهذا البناء، وهكذا قام المجتمع الإسلامي الأول عندما شارك المسلمون كلهم في بناء المسجد بمن فيهم قائد هذا المجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما استقبل الأنصار إخوانهم المهاجرين وتنازلوا عن شطر أموالهم، ونفَّذوا هذا عملياً ولم يكتفوا بالأدبيات والكلام عن الأخوة الإسلامية (مدثر، 1425هـ : 4).
ومن خلال هذا العرض الموجز لفرق العمل من المنظور الإسلامي يمكننا القول أن الحضارة الإسلامية قد أخذت بمبدأ العمل الجماعي والعمل بروح الفريق قبل أن يعرفه الغرب بقرون عديدة، وقبل أن تظهر مدارس الإدارة المختلفة إلى حيز الوجود، ولكن من الأهمية الإشارة إلى أن تبني الحضارة الإسلامية أسلوب العمل الجماعي وبث روح الفريق في الجماعة ينبع من العقيدة الإسلامية ذاتها مما يزيد الدافعية لدي أفراد فريق العمل ويجعل هناك نوعا من الرقابة الذاتية النابعة من الفرد نفسه على تصرفاته و أعماله، ولعل هذا ما يبرر ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية من تقدم ورقي في شتي المجالات.