الإجازة حق من حقوق الموظف وفق معظم الأنظمة العمالية، فالموظف في نهاية المطاف إنسان يحتاج إلى راحة واستجمام وهو بشر له طاقة محدودة، فلا يمكن أن يواصل العمل طوال العام دون أن يستمتع بإجازة يقوم من خلالها بتجديد نشاطه والعمل على تفريغ شحنات الضغط التي تراكمت عليه أثناء عمله.
وعادة ما يلجأ معظم الناس إلى الاستمتاع بإجازاتهم خلال موسم الصيف وأثناء العطلات الدراسية، فهي فرصة للعائلة أن تجتمع وتقضي وقتاً ماتعا مع بعضها البعض، تعوض به فترة الانشغال والشتات التي كانت تنتج من خلال العمل، وهذا الأمر يعرض كثيرا من الدوائر الحكومية والشركات التجارية لامتحان قاس يكمن في قدرة هذه الجهات الإدارية على السيطرة على سير العمل وعدم تأثر إنجاز المعاملات وخدمة المراجعين بسبب موسم الإجازات.
وللأسف فإن ما يحدث في كثير من المنشآت هو عكس هذا الأمر تماماً، فالعبارة السائدة خلال هذه الفترة هي أن "الموظف في إجازة"، فتتعطل كثير من المعاملات وتتأخر الخدمات ويستاء المراجعون، كل ذلك بسبب أن "الموظف في إجازة"، وليس الخطأ خطأ الموظف، فهو يستمتع بحق من حقوقه، ولكن الخطأ يأتي من الإدارة التي لم تقم بتنظيم الإجازات بين الموظفين، ولم تقم بتوفير البديل الذي يقوم بأداء الموظف الذي يستمتع بإجازته، بل لم تقم بتحديد المهام والعهد التي كانت مع الموظف المجاز.
إن إنجاز المعاملات أثناء الصيف في بعض الجهات هو من سابع المستحيلات، فبعض هذه الجهات بطبيعتها تؤخر إنجاز المعاملات في المواسم العادية، فكيف إذا أتى موسم الإجازات، الذي يقل فيه عدد الموظفين، وبالتالي فإن كثيرا من المراجعين يفضلون أن تكون مراجعتهم لمعاملاتهم بعد موسم الصيف، علماً بأن هذا العام سينتهي الموسم وتبدأ الدراسة، وبعدها بأسبوع سيدخل شهر رمضان، حيث تقل ساعات العمل وبطبيعة الحال الإنتاجية، ما يعني أن كثيرا من المعاملات ستبقى حتى نهاية عيد الفطر.
إن المفهوم السائد حول قلة الإنتاجية وضعف الأداء خلال موسم الإجازات هو مفهوم خاطئ يحتاج إلى تصحيح، فمع ضرورة استمتاع الموظف بإجازته لكن لا بد لكل إدارة أن تتأكد تماماً من أن المهام والأعمال الموكلة لذلك الموظف قد تم تسليمها لآخر يستطيع أن يقوم بها على أكمل وجه، وأن العهدة التي كانت موجودة لديه سواءً من ملفات أو مفاتيح أو غيرها من الأمور قد قام الموظف البديل بتسلمها، وأن الموظف البديل يعرف كل صغيرة وكبيرة عن هذا العمل، والأهم من ذلك كله أنه يتمتع أيضاً بالصلاحية لإنجاز هذا العمل، وألا يكون دوره فقط هو موظف استقبال وتسلم للمعاملات.
إن أحد مؤشرات نجاح الإدارات يكمن في قدرتها على التنسيق في توزيع الأعمال بين فريق العمل خلال موسم الإجازات بما لا يؤثر في الأداء، وهي بذلك تعترف بحق الموظف في الإجازة، وتحافظ على حق المراجع في أن يجد الخدمة التي ينشدها كاملة، بل إنها تساهم في إيجاد صف ثان من الكوادر البشرية التي من الممكن أن يعتمد عليها مستقبلاً، كما أن هذا الموسم يقضي على روح الاحتكار الذي قد يكون موجوداً لدى البعض ممن يعتقد أن إنجاز المعاملات مرتبط بوجوده، فإذا غاب توقف كل شيء، كما أن موسم الإجازات يساهم في إيجاد مناخ من التحدي والتنافس، إذ إن البدلاء يرغبون في أن يبرزوا ما لديهم من قدرات ومهارات قد تكون مدفونة في وجود الأساسيين.
إننا في حاجة ماسة إلى تغيير مفهوم موسم الإجازات، فبدلاً من أن يصبح موسماً لقتل المعاملات يكون موسماً لتفجير الطاقات وتطوير المهارات.