بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في كتاب " أسعد نفسك وأسعد الآخرين "
بقلم الأستاذ خالد محمد إبراهيم النعمان – المدينة المنورة
المؤلف : الدكتور حسان شمسي باشا
الكتاب من الحجم الصغير 125 صفحة
دار القلم بدمشق


بتاريخ ليلة الخميس 3/1/1428 هـ أهدى إلي الدكتور حسان شمسي باشا ، طبيب القلب في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة ، مجموعة من كتبه التي نافت على الخمسين عددا ، منها كتابه الموسوم ( أسعد نفسك وأسعد الآخرين ) وذلك أثناء إقامتي في المستشفى لإجراء عملية جراحية لقلبي منها تركيب جهاز منظم لدقاته ، فسهرت مع هذا الكتاب سهرة ممتعة ، فكتبت هذه الوريقات . ولقد سعدت حقيقة بفضل الله ثم بفضل هذا الكتاب ومن سعادتي أنني نظمت خلال ساعتين قصيدة عبرت فيها عن الحالة التي أصابت قلبي .
ليس ما أسجله هنا دراسة نقدية وإنما هو نوع من الانطباعات التي خرجت بها كقارئ متأن لكتاب شد عنوانه انتباهي كما شدت موضوعاته إعجابي . واستحوذ بدون إكراه بل بكل طاعة ومحبة على مشاعري وأحاسيسي . ولكي لا أتفرد بالتمتع لوحدي بهذه المشاعر والأحاسيس فقد آثرت أن أشارك القارئ الجاد معي .
إيماءة عابرة حول العنوان :
بعض أفعال الأمر باللغة العربية ( ولا أدري عن اللغات الأخرى ) عندما تصدر إلى بعض النفوس لا يكون لوقعها الصوتي صدى مقبولا في تلك النفوس لا لشيء إلا لنبرة حروفها التي لا تخلو من حرف أو حرفين ساكنين بعد متحرك أو متحركين ،( قم . اسمع ، انتبه )، فالحرف الساكن في تصوري صوت ظاهرة تستدعي الانتباه ، يصطحبها شعور بالعلوية والفوقية تتجه إلى الدون . والسابر غور هذه المشاعر لا يكاد يجد هذا النفور في مشاعر المتلقي ولا يجد لها أثرا في فعل الأمر الذي أصدره دكتورنا "حسان" إلى القارئ ، بقوله " أسعد نفسك " بل وأردفه بفعل أمر آخر " وأسعد الآخرين " وسبب عدم وجود هذه الحساسية في تلقي الأمرين بل وتقبلهما رغم وجود نبرة الأمر فيهما عاملان :
العامل الأول : هو أن الأمر تعلق بفعل محبوب تسعى إلى معرفته وتحقيقه جل الأنفس الرشيدة ، وتشرئب إليه الأعناق متطاولة لنيله وإدراكه ، وهو السعادة ، ومن من البشر لا يبحث عن السعادة ؟
العامل الثاني : أن الأمرين صادران من قلب رجل محب ، وناصح أمين ، والمحب والناصح يقبل أمرهما ، لذا لا تلقى للنفور مكانا .
يقول في ص 15 تحت عنوان أين السعادة ؟ " السعادة ضالة المؤمن المنشودة ، يسعى إليه في كل زمان ويبحث عنها في كل مكان ، وكم نتمنى أن يكون تصوير السعادة سهلا ومنالها ميسرا وأن تكفينا وصفة طبية للحصول عليه ، ولكن هيهات " .
ويضيف : " لا تذهب إلى السوق فلن تجد تاجرا يبيعك السعادة في علبة مخملية أنيقة . وما اختلف الناس في تفسير أمر قدر اختلافهم في تفسير السعادة ذلك لأنها من الأشياء النسبية " .
ثم يذهب إلى عرض نماذج من حالات يحسبها الناس السعادة كلّ حسب مفهومه ، فيقول " ومن الناس من يرى السعادة في التبسيط في المأكل ، والمشرب واللهو والملبس وتمضية الوقت في المنتزهات والملاهي . ومنهم من يجد السعادة في المطالعة والمدارسة والغوص على درر العلوم ، والبحث عن مكنونات الأدب ، ومنهم من يحسب السعادة في التخلي عن هذا العالم الفاني ، والزهد بما تحويه هذه الأرض من متاعها " . إلى أن يقول " ومنهم من يرى السعادة في التسلط ، وتذليل الناس ليكونوا عبيد أهوائه وإرضاء شهواته".
ثم يعرض نماذج أخرى متباينة ، فيقول " ومن الناس من يخال السعادة في الملذات الجسمانية فيعيش مسترسلا مع أهوائه يألف أصحاب الفجور ، وربما دعته الحال إلى اكتساب الأموال من طرق الحرام، وحملته محبة الذات على التهور في الدنايا والمحظورات ". ويضيف: " ومنهم من يتخيل أن السعادة قائمة بجمع المال فتراه يدخره ويفرط في الشح فيمنعه عن أداء حقوق نفسه وذويه " .
إنها في الواقع صور شتى وحالات مختلفة متباينة ظنها الناس سعادة فإذا بها بؤس وشقاء ، ويستطرد مؤلفنا في تصوير أو تصور السعادة لدى الآخرين فيقول في ص 17 ( ومن الناس من يجد السعادة في الهروب من الحياة بشتى الطرق . فالحياة في نظر هؤلاء عبء لا يطاق . وكسب العيش منهك للجسم ، والحب والوفاء والصداقة وسائر الفضائل كلها في اعتقادهم خرافات لا وجود لها إلا في عالم الأوهام " . إلى أن يقول في ص 18 " والواقع أن هؤلاء يريدون الفرار من تلك الحياة الصاخبة الغارقة في لذات العيش ، فمثلهم كمثل من يرى النار تشتعل على مقربة منه فيضع عصابة على عينيه متجاهلا إياها بدلا من أن يحاول إطفاءها أو الابتعاد عنها .
وبعد استعراض طويل ذهب بنا المؤلف إلى محاولة جادة لوضع أيدينا على بعض ما يتصوره ، موصلا قارئ الكتاب إلى أعتاب بوابات السعادة ليدخلنا إلى دهاليزها فنجد فيها بعض الأرائك لنستريح عليها بعض الشيء . ويضرب الدكتور حسان مثلا في ص 24 " يقول السعيد إن كأسي ممتلئة إلى نصفها ، ويقول الشقي إن كأسي فارغة إلى نصفها ، وهكذا تختلف نظرة الناس إلى الحياة فكل شيء في الحياة له وجه جميل ، وآخر قبيح ، فخذ الدنيا بوجهها الجميل وحاول أن تنسى ذلك الوجه القبيح ". ويضيف :" ليست السعادة مجرد الامتلاك وإنما حسن استعمالنا لما نملكه " .
ويقول مؤلفنا " السعادة في العمل لا في المال فالعمل المثمر ينقذ صاحبه من وحشة الفراغ وشرور البطالة ، والذي يحب عمله راضيا عنه يسعد به حقا ، فالعمل على مضض ضرب من ضروب الإرهاق الخ " . وضرب على ذلك مثلا وهو الفاحص البصير الذي لم يأل جهدا في المسير باحثا عن المزيد في هذا البحث الفريد " لا تكن عبدا لمهنتك " . فاستدرك بعد أن حث على العمل ليقول لنا ويحذرنا مما وقع لذلك الرجل الأعزب الذي ظل طوال حياته عبدا لمهنته لا يعنيه شيء في الحياة سوى العمل في دكان بقالته . يذهب إليه في كل صباح ويعود إلى بيته الموحش في ساعة متأخرة من الليل ليرتمي في فراشه حتى إذا أسفر الصبح انطلق إلى دكانه لا يلوي على شيء ، فلما أدركته الوفاة بعد أن جمع مبلغا كبيرا من المال وضع أحد أقاربه لوحة تذكارية على قبره كتب فيها تحت اسمه هذه العبارة " ولد إنسانا ومات بقالا " . وكذلك الواحد من الناس قد يولد إنسانا ويموت مهندسا أو طبيبا أو تاجرا أو قل ما شئت من أصحاب المهن والأعمال.
ألا ترى عزيزي القارئ أن طبيبنا جزاه الله خيرا قد شخّص لنا بعد الفحص الداء ووصف له العلاج، وحذرنا من الإسراف في تعاطي الدواء ، وزيادة الجرعات أكثر من المطلوب حتى لا يحدث لنا الدواء داء . إنها حكمة الدكتور حسان شمسي باشا، فلقد وصف لنا العمل كعلاج للبطالة وإنتاجا للعطاء والفائدة ، وفي نفس الوقت حذرنا من الإسراف فيه .
وتحت عنوان آخر في ص 28 يقول " السعادة في الصحة ". ويضيف :" الصحة أغلى أنواع السعادة وليست السعادة مالا ولا جاها ولا سلطانا . ولكن قبل كل شيء صحة كاملة متى ما توافرت للإنسان هانت أمامه كل المصائب " .
وكعادته في سبيل إيصال المعلومة متوّجة بالدليل ليقطع بها كل شك راح يورد قصة أحد الدراويش فيقول في ص 28 " يروى أن أحد الدراويش سافر إلى حج بيت الله الحرام ، فبلي حذاؤه وألهبت حرارة الصحراء قدميه فقضى سفره ساخطا على سوء حظه الذي حرمه من مال يساعده على ركوب مطية توفر عليه مشقة السفر فوق الرمال المحرقة حتى إذا وصل إلى مكة رأى على أحد أبوابها سائلا مريضا مقطوع الساقين . فبكى واستغفر ، وأدرك أنه بقدميه أسعد حظا من ذلك السائل المريض المحروم " .
ويقول مؤلفنا في ص 29 " ثقف نفسك تعش سعيدا " . ومفهوم المثقف لديه " هو الذي تثقف حسه وتثقف عقله وتثقف قلبه ، وجمع معاني العرفان والحكمة فهو إذ ذاك أسعد رجل على هذه الأرض . وهو سعيد في شبعه وجوعه ، سعيد في عريه واكتسائه ، سعيد ما بقي له شعاع عقله ودفء قلبه وتفتح بصيرته " .
وقد يتساءل أحدنا وهذا سؤال وارد مشروع لما نحسّ به في واقع أنفسنا من إلحاح . هل المال ضرورة للسعادة ؟ وإننا لنتطلع إلى إجابة شافية كافية من مؤلفنا يطمئننا هل ما نسير فيه جميعنا من لهث ، وإصرار وحث شديد وطمع أشد ، واجتهاد منقطع النظير وراء الحصول على المال لشعورنا شبه الأكيد بأن المال هو الذي يوجد لنا بعد الله ما نطلبه من سعادة . فيقول سعادته نقلا عن الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله " اقنع بالقليل تسعد ، وكن جليلا عظيما موقرا عند الناس ، كن ميسور الحال لا من أهل الثراء ، واصبر على ما تلقى بشوشا شجاعا ، وأقبل الهزيمة كأنها شيء تحبه الخ " .
وحين نتساءل أيضا عن دور الماديات في حياتنا وهل هي الأخرى تعطينا، بعد الله ، ما نصبو إليه من تحقيق السعادة ؟ يجيبنا سعادته في ص 32 :" لا شك أن للجانب المادي دورا معينا في تحقيق السعادة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول " أربع من السعادة : المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيئ ، وأربع من الشقاء ، المرأة السوء والجار السوء والمركب السوء والمسكن الضيق " . وقد أضاف كشأنه أيضا في توثيق دراسته حديثا نبويا شريفا آخر يقول : " من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده ، عنده قوت يومه كأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " .
ووسائل الحصول على السعادة كثيرة لدى مؤلفنا لا يحدها حد ولا يقطعها شد فيشير إلى أن السعادة في القليل من كل شيء ، وذهب مستشهدا في ص 33 بقول الطبيب الإسلامي الشهير – ثابت بن قرة – " راحة الجسم في قلة الطعام ، وراحة النفس في قلة الآثام ، وراحة القلب في قلة الاهتمام ، وراحة اللسان في قلة الكلام " وأكبر دليل على صحة هذا التوجه هو قوله تعالى : " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا " آية 31 سورة الأعراف .
ولو فلتنا زمام الاسترسال من أيدينا لذهبت بنا الركائب كل مذهب ، ولأبعدت بنا النجعة ولكننا نختصر فنذكر عناوين مصادر السعادة كما ذكرها مؤلفنا ، إذ يقول :
" السعادة في الوسطية " ،" الإيمان ينبوع السعادة "،" السعادة في سكينة النفس " " السعادة في القناعة والورع "، " السعادة في العمل الصالح " ، "السعادة في شكر النعم ومراقبة الله"، "السعادة في الرزق الحلال" ، و"السعادة في الصبر على المصيبة" ، و"السعادة في التوبة" ، و"السعادة في التواضع" ، و"السعادة في الاقتصاد" .
وهكذا نجد أن السعادة كنز مدفون في كل شيء في حياة الإنسان،وما على الباحث الجاد عنه إلا أن يحسن وسيلة التنقيب ، وأن يشد من عزيمته وأن يمعن أو ينعم النظر ، ولا شك إذ ذاك ، وقبل ذلك مشيئة الله أنه واجد ضالته المنشودة .
أما كيف تسعد الآخرين فهذا بحث في فصل ثالث من هذا الكتاب القيم . يقول في هذا الفصل الدكتور حسان " إن سعادة الآخرين ولو عن طريق المشاركة الوجدانية والمواساة أجمل وأمتع عند صفوة الناس من الفكرة الصائبة والنغم الحلو واللقاء السعيد . ومن الناس من يجد السعادة في إسعاد زوجه وأولاده وأعظم ما يفرحه هو رعاية الأسرة . فالسعادة قد تنبع من إسعاد الآخرين أو التضحية لأجلهم . يقول فولتير : من تسبب في سعادة إنسان تحققت سعادته ، ويقول ايمرسون: السعادة عطر لا تستطيع أن تعطّر به غيرك دون أن تنهال منه قطرات عليك " . واستشهد المؤلف بالحديث النبوي الشريف : " من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة . ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون آخيه " .
اما الفصل الرابع فيتعلق بالسعادة الزوجية ، يقول المؤلف في مقدمة هذا البحث " ليس في العالم كله مكان يضاهي البيت السعيد جمالا وراحة ، فأينما سافرنا وأنى حللنا لا نجد أفضل من البيت الذي يخيم عليه ظلال السعادة . والسعادة والبيت كلمتان مترادفتان في المعنى إذا عرف الأب والأم كيف يعيشان حياة هنيئة سعيدة . ويضيف : " ومن الجهل أن يسمح لأسباب تافهة بسيطة أن تكدر حياتنا ، أو أن تثير غضبنا فنرغي ونزبد لأمور تافهة لا تستحق الانفعال فيرتفع الضغط في دمائنا ، وتخفق قلوبنا ، وتضطرب أمعاؤنا إلى ما هنالك من أمراض قد تكون سببا في شقائنا كل الحياة " .
والحقيقة إن أسّ العادة في نظري هو البيت فإن فقدت فيه فلا يؤمل العثور عليها خارجه .
إن البيت كما أتصوره بلغة أهل طب القلوب هو الجهاز المنظم لدقات القلب فإن أصابه خلل أصابت بقية أجزاء الجسد المرض والعلل . فالبيت هو الذي تصدر عنه ناشئة اليوم كبار الغد ، ولا ريب أنهم سيتأثرون بكل أو بجزء مما رأوا عليه حالة والديهم ، وربما اتخذوا ذلك السلوك سواء الحسن أو السيء الصادر من والديهن سلوكا لهم أيضا يعتدون به .
ومن هنا تنطلق أهمية سعادة البيت .
يقول المؤلف في ص 85: ( وتقع المسؤولية في خلق السعادة البيتيه على الوالدين فكثيرا ما يهدم البيت لسان لاذع ، أو طبع حاد يسرع إلى الخصام ، وكثيرا ما يهدم أركان السعادة البيتية حب التسلط ، وعدم الإخلاص من قبل أحد الوالدين فينشأ الأولاد وهم الذين يراقبون حياة الوالدين على حب التسلط ، والخصام والكلام اللاذع ، وعدم الإخلاص ، ومتى نشأ أفراد العائلة على تلك الخصال زال كل أثر لسعادة البيت .
ويضيف المؤلف قائلا : والحقيقة أننا لا نستطيع أن نخدع أولادنا فهم يعرفون دخائلنا وأسرارنا ، ويطّلعون على دقائق سلوكنا وتصرفاتنا في البيت وتجاه الآخرين ، فيقتدون بنا ، أو سيحكمون علينا حكما يطبقونه أيضا على الاخرين ، وإذا قلت ثقتهم بنا قلت ثقتهم بكل الذين يعيشون معهم الآن وفي المستقبل" .
ولئن قربت رواحلنا من الوصول إلى المحطات النهائية لنضع عندها الرحال بعد طول التنقل والترحال ، فإننا ما زلنا نتشوق إلى المزيد من التزود بما ينفعنا وينفع القارئ الكريم من توجيهات ، ونصائح الدكتور حسان ، وها نحن نقلب صفحات قبل الأخيرة وفيها تساؤل عن كيفية صنع سعادة الأسرة ، فنجد الدكتور يقول : " وكثيرون يسألون كيف يصنعون السعادة في بيوتهم ، ولماذا يفشلون في تحقيق هناءة الأسرة واستقرارها . والمحبة أهم العوامل في تهيئة البيت السعيد ، ولسنا نقصد بها ذلك الشعور الأهوج الذي يلتهب فجأة وينطفئ فجأة ، إنما نقصد التوافق الروحي والإحساس العاطفي النبيل بين الزوجين ، والبيت السعيد لا يقف على الحبة وحدها ، وإنما يلزمه أن يتبعها بروح التسامح بين الزوجين " . ويضيف " إن معظم الشقاء ينشأ عن عدم تقدير أحد الزوجين لمتاعب الآخر أو ميله إلى تقرير حقوقه على حساب حقوق غيره " .
وما أكثر ما نجد من القصص والحكم والمواعظ بين دفة هذا الكتاب القيم ، فهو يقّرب إلى الأذهان ما يمكن أن يشتط بعدا ، ولا يأل جهدا في الخوض بين طيات كتب العلماء والحكماء والفلاسفة ، ليأتي لنا بجرعة دواء تشفي الداء فيقول : " يقول أحد علماء الاجتماع: لقد دلتني التجربة على أن أفضل شعار يمكن أن يتخذه الأزواج لتفادي الشقاق هو أنه لا يوجد حريق يتعذر إطفاؤه عند بدء اشتعاله بفنجان من الماء ذلك لأن أكثر الخلافات الزوجية التي تنتهي بالطلاق ترجع إلى أشياء تافهة تتطور تدريجيا حتى يتعذر إصلاحها ، والسعادة الزوجية أشبه بقرص من العسل تبنيه نحلتان وكلما زاد الجهد فيه زادت حلاوة الشهد فيه " .
يقول المؤلف في ص 87 : " والغريب أيضا أن يضيق صدر الآخر بالأخطاء فيحفظها في نفسه ويبني منها على مر الأيام بركانا لا يلبث أن ينفجر فيودي بهدوء البيت واستقراره. والتعاون عامل رئيسي في تهيئة البيت السعيد وبغيره تضعف قيم الحب والتسامح " .
وحينما قرأنا هذا النبأ عن "التسامح" وضرورة أهميته ذهبنا وبحرص شديد وترقب أشد وشعور بتلهف نسأل مؤلفنا عن ماهية هذا التسامح . لأننا جميعا وبلا استثناء نحتاج إلى معرفته لنطبقه على الأقل في بيوتنا وحياتنا ومجتمعنا . فإذا بسعادة المؤلف في ص 87 يقول : التسامح لا يتأنى بغير تبادل حسن الظن والثقة بين الطرفين، وقد نوفق في بيوتنا كثيرا إذا آمنا بأننا بشر والبشر عرضة للخطأ، فليس مستغربا أن يتنكب أحد الزوجين طريق الصواب في قول أو فعل، إنما الغريب حقا أن يتبين خطأه فلا يعرف به ، أو يعمل على إصلاحه ".
هنا محطة توقف قصيرة وكلمة شكر عريضة نقدمها للمؤلف فقد أنقذ بكلمة واحدة مواقف صعبة وحرجة لو فطن لها الناس بشفافية لتبدلت كثير من المواقف المؤسفة . إنها لفتة كريمة وإيماءة ذات مغزى من رجل ناصح أمين . ترى ماذا قال عن علاج وقوع الخطأ من أحد الزوجين . قال : " يعترف به " والاعتراف المباشر الصريح صعب على بعض النفوس وما أكثرها من نفوس، لا سيما في الأوقات الانية لحدوث الخطأ. لقد أوجد لنا ناصحنا موقفا مرادفا بديلا وهو : " العمل على إصلاح ذلك الخطأ " وكأني بالمخطئ قد تنفّس الصعداء وتهللت تباشير وجهه وقال" فرجت وكنت أظهنا لا تفرج" . فبدلا من أن يتنازل عن كبريائه وأنفته وعظمته المزعومة ويعترف بالخطأ . إذا به يبادر في الحال إلى علاج وإصلاح ذلك الخطأ .
فشكرا لك أيها الدكتور الحكيم ، قد أنقذت مواقف أولئك وحفظت ماء وجوههم الباهتة . ولعلّهم بإصلاح الخطأ يدركون معرفة عواقب تصرفاتهم فيقلعون عنها مستقبلا .
ومن طريف ما جرى أثناء مناقشة بيني وبين أحدهم حول هذا النوع من الاعتذار وهو " إصلاح الخطأ بالفعل " قال أنه لا يجدي إلا أن يكون لها اعتذارا قوليا ،فكيف يعتذر الزوج من زوجته لو صفعها كفا خفيفا؟. قلت: بلى ينفع هذا النوع من الاعتذار بالإصلاح الفعلي بأن يبادر إلى تقبيلها في خدها مكان ما صفعها فلسوف يقلب هذا النوع من الاعتذار السلب إيجابا وبطاقة حرارية . فضحك .
أرأيت أيها القارئ الكريم كيف أن حكمة الدكتور حسان قد ألانت القاسي وسهّلت الصعب ، وفلقت الحجارة ، واستبدلت الشر خيرا .
هناك نصائح وإرشادات وتوجيهات يرسلها المؤلف إلى كل من الزوج والزوجة لتفادي ومعالجة ما يحصل بينهما من خلل في مركبة حياتيهما ولإكمال مسيرتهما على أحسن وجه بإذن الله تعالى . لا يسع المكان هنا لسردها كاملة ، ولا أتمكن من اختصارها وحذف شيء منها لأهمية كل ما جاء فيها فمن أراد التزود فليس أصفى ولا أعذب من النهل من مصادر المياه العذبة الصافية ، وحسبك الاطلاع على ماجاء في الكتاب كاملا .
وختاما فإنني سعيد بهذه الرحلة الماتعة مع أفكار وتوجيهات الدكتور " حسان شمسي باشا " نفع الله به وزاده رفعة وعلما .