عندما هرع المسعف القطري محمد مجيب الى قصر الشيخ خليفة بن حمد ال ثاني في منتصف التسعينيات بعدما تلقى مكالمة استغاثة لم يكن يعرف أيهما له وقع أكبر على الامير المريض النوبة القلبية التي داهمته لتوها أم حقيقة أن من يسعفه مختص محلي وقد بادره الحاكم السابق للامارة بصوت متهدج قائلا "أنت قطري ما شاء الله".

المفاجأة التي انتابت الشيخ خليفة كان لها ما يبررها ففي شتى دول الخليج خاصة في الدول التي يقود النفط والغاز فيها نموا سريعا من النادر أن تجد مواطنا يعمل في قطاع الصحة أو في أي مجال اخر تابع للقطاع الخاص ويبدو أن هناك ميثاقا غير معلن بين الحكام والمواطنين في الخليج بأن يرضى المواطنون تمام الرضى بشغل الوظائف الحكومية المريحة ذات الاجر المرتفع وساعات العمل القصيرة والتي كثيرا ما لا يجد الموظف فيها ما يشغله أما في القطاع الخاص فقد بدأ الاجانب من جنوب اسيا والعرب غير الخليجيين والغربيون يشغلون الوظائف الواحدة تلو الاخرى.

ويدرك حكام الخليج منذ أكثر من عقد أنهم يواجهون مشكلة لاسباب ليس أقلها أن هذا الامر يضع سلطة تسيير العمل اليومية في قطاعات كاملة من الاقتصاد في أيدي الاجانب ويمثل العاملون الاجانب أكثر من 80 بالمئة من قوة العمل في القطاع الخاص في كثير من الدول الخليجية ويشغلون مناصب رئيسية في ادارة الشركات الوطنية في مجالات الطيران والعقارات والخدمات المالية وقطاع الاعلام.

صعوبة في تغيير ثقافة الوظيفةواستجابة لذلك شرعت الحكومات في تنفيذ برامج "توطين" تهدف لدفع مواطنيها للعمل في القطاع الخاص وقادت سلطنة عمان الطريق فأطلقت في الثمانينيات من القرن الماضي برنامجا للعومنة وحذت حذوها حكومات البحرين والكويت وقطر والسعودية والامارات العربية المتحدة .وعادة ما تتضمن هذه البرامج حوافز ضريبية للشركات الخاصة التي تعين مواطنين وتحديد حصة من العمالة المحلية بكل شركة والاستثمار في تدريب الخريجين.


لكن ذلك لم يؤت ثماره ،اذ تجد كثير من الحكومات الخليجية صعوبة في تغيير ثقافة الوظيفة الحكومية التي يسهل الحصول عليها واعداد مواطنيها للعمل في القطاع الخاص ومازال القطريون الذين يشكلون 16 بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة لا يمثلون وفقا للاحصاءات الحكومية سوى خمسة بالمئة فقط من اجمالي العاملين في القطاع الخاص بالبلاد .

ولا يشغل المواطنون غير واحد بالمئة فقط من وظائف القطاع الخاص في الامارات العربية المتحدة أما السعودية بعدد سكانها الكبير فقد بلغ حجم مشاركة المواطنين في القطاع الخاص عشرة بالمئة.

تقول نورة البدور المسؤولة عن برنامج توطين الوظائف بالامارات "نحتاج للمشاركة في القطاع الخاص القطاع الخاص عصب الاقتصاد الوطني وللمواطنين الحق في العمل في هذا القطاع هذا مهم للغاية بالنسبة لنا".

الاحتجاجات واردةويقول خبراء انه ما لم تتصدى الحكومات لمشكلة البطالة فربما تتزايد الاحتجاجات مما يضيف الى المخاطر الامنية في هذه البلاد وقال مصطفى علاني من مركز الخليج للابحاث " الحكومة /السعودية/ تعتبر مسألة البطالة مشكلة رئيسية لها تداعيات خطيرة على الاوضاع الامنية".

وجزء من المشكلة هو أن كثيرا من مواطني الخليج مازالوا لا يرون جدوى من السعي للعمل في القطاع الخاص في دولة مثل الامارات حيث اختفت البيوت المتواضعة المبنية بسعف النخيل لتحل محلها الفيلات الفاخرة وناطحات السحاب على مدى جيل أو اثنين تقول الحكومة ان معظم المواطنين عاطلون بارادتهم وتظهر الاحصاءات الرسمية أن نسبة البطالة تبلغ 23 بالمئة بين الاماراتيين وهي نفس نسبة البطالة في قطاع غزة.

يقول بول داير المتخصص في الاقتصاد السياسي والعمالة بكلية دبي للادارة الحكومية"هذه اقتصادات غريبة فهي اقتصادات تحولت بين عشية وضحاها من اقتصادات فقيرة الى حد ما وغير متطورة الى اقتصادات بها استثمارات ضخمة من عائدات النفط".
ويقول المواطن الاماراتي خالد المطوع (26 عاما) الذي كان يعمل حتى وقت قريب كمدير للمشروعات في أحد البنوك العالمية ان التحول لم يكن أمرا سهلا.

وأضاف وقد جلس مسترخيا بعد العمل في منتجع ريتز كارلتون في دبي "اعتقد أن الاجيال الاكبر سنا لم تكن مستعدة لمثل هذه الطفرة الهائلة لكنني لا أعتقد أن الشباب هنا كانوا أكثر استعدادا لها بأي حال الاماراتيون يعيشون في مناخ أسري من الدرجة الاولى يضعون الاسرة على رأس الاولويات".