أبرز السمات المطلوبة في أي عمل جماعي هي:
1- تحديد الأهداف وتفعيلها:
وأهمية الأهداف أنها تحدد مسارات الأنشطة التربوية والوسائل الدعوية، والأدوات اللازمة للتنفيذ والتقويم، وهي تُشتق مباشرة من فلسفة التربية الإسلامية، وتنبثق عنها انبثاق الثمرة من البَذرة، فالعمل دون أهداف واضحة يتعرض لعقبات شتى، عقبات في الفهم والتفكير، وعقبات في التطبيق والممارسة.
ويجب أن تتصف الأهداف ببعض الخصائص الجوهرية، ومنها:
* أن تكون هذه الأهداف شاملة متكاملة، وأن توضع في ضوء العلاقات التي تحدد نشأة الإنسان ومصيره وعلاقته بالله وبالكون والإنسان والحياة من حوله.
* أن تحدد معنى العمل الصالح المراد تربية الإنسان عليه، فمفهوم العمل الصالح لابد من تجليته لأنه يختلف من بيئة إلى أخرى.
* أن تكون متفقة مع الطبيعة الإنسانية، مراعية لحاجاتها، قابلة لإطلاق قدراتها الإبداعية.
* أن تحدد الأهداف العلاقة بين الفرد والمجتمع، ثم بينه وبين التراث الاجتماعي من عقائد وقيم وعادات وتقاليد.
* أن ترشد العاملين في الجماعة إلى ما يجب أن يعملوه، وأن تكون واضحة بحيث تمنع التصادم.
* أن توضح نوع المعارف والمهارات والاتجاهات التي يراد تنميتها في شخصية الفرد.
2- الطوعية والالتزام مع إعطاء قيمة لكل الأفراد:
فالفرد ليس رقما داخل جماعة، بل هو عنصر غني ومتميز ومبدع وصاحب خصوصية داخل الجماعة، وهنا جوهر الإنجاز وعنصر الاستغلال من أجل إثراء العمل الجماعي.
أما الحركات الشمولية في العالم العربي، والتى ترى في الفرد مجرد عامل في المجموع، ما عليه إلا الانقياد والسمع والطاعة، فهو مجرد شخص أفاق من غيبوبته الفكرية وتم تطهيره وبرمجته، ليتحول إلى فرد مسلوب الإرادة، معطل التفكير، وهذا أول عنصر هدم وتحطيم لكل عمل متميز.
إن الإنسان في المجتمع الإسلامي - من حيث هو أمة - له غاية في ذاته، وليس مادة خام تشكلها رغائب فوقية في أية صورة شاءت، وهنا تبدو أهمية التوازن بين الفرد بكل تطلعاته والجماعة بكل طموحاتها، فكلما كانت العلاقة بين الطرفين متسامحة ورحبة، كلما كانت إمكانات التطور متاحة.
إن ممارسة التعسف الجماعي على الأفراد، يلغي ميزات الأفراد، ويساهم في إفقار قدرة الأفراد على العطاء، وفي الالتزام الطوعي بديل لكل أنواع التعسف والرضوخ، ففي الطوعية والالتزام ما يكفي لتنظيم العمل وتوزيع الأدوار.
إن الأفراد لهم - بحكم تكوينهم الذاتي - رغبة كامنة في التميز، وحين تقوم المؤسسات بقتل روح التميز والاختلاف داخل الموهوبين، ووصفهم بالخروج على الشرعية، فهنا لا تقوم هذه المؤسسات بعملية تشويه تجاه الفرد فحسب، بل تجاه المجتمع، الذي تَحُول هذه المؤسسات دون استفادته من طاقة الاختلاف والتميز في قسم مهم من أفراده.
3- المساهمة الجماعية في اتخاذ القرارات:
من أهم الوسائل المتبعة في تحقيق الانتماء والإيجابية لدى الأفراد، مشاركتهم في صنع القرارات المؤثرة، فالمشاركة تثري المعلومات، وتشجع على الالتزام بالقرارات، وكذلك تعطي بدائل كثيرة وحلولا منوعة، ومن ناحية أخرى فإنها تعمل على تنمية الأفراد فكرا وتخطيطا وممارسة، فمن الصور الشائعة في صنع القرار ما يسمى بالعصف الذهني، وفيها يقوم المشاركون بهجوم خاطف على مشكلة ما، وإطلاق العديد من الأفكار حتى تأتي الفكرة التي تصيب الهدف.
ولعل مبدأ الشورى من أهم المباديء التي تقوم عليها أية مؤسسة تريد أن تحرز شيئا من النجاح والتميز.
4- تحديد الأدوار والمسئولية الاجتماعية:
والتي هي مسئولية الفرد الذاتية عن مشاركته المجتمعية أمام نفسه وأمام الجماعة وأمام الله، وهى الشعور بالواجب الاجتماعي والقدرة على تحمله والقيام به، وعناصرها الفهم والاهتمام والمشاركة.
والمسئولية مساءلة محتكمة إلى معيار، مساءلة عن مهام أو سلوك، وتحديد مدى موافقته لمتطلبات ومعايير بعينها.
وعندما تكون هذه المساءلة خارجية، مصدرها خارج الذات، نقول عنها أنها مسئولية قانونية، أما عندما تكون المساءلة داخلية من الذات، فإننا نقول عنها أنها مسئولية ذاتية.
وعندما تكون مساءلة الذات، واحتكامها إلى معيار استيفاء الذات حق فهم الجماعة التي تنتمي إليها، والاهتمام بها والمشاركة لها، عندئذ تكون هذه مسئولية اجتماعية.
وفي توزيع الأدوار يكون هناك مثلا دور المشرف، وهو دور يُعنى باختيار وتدريب الأفراد، مع إعطاء الأفراد الذين يُظهرون تميزا دورا أكبر في مناقشة أهداف المؤسسة ووسائل تحقيقها وكيفية تطويرها.
وهناك دور المربي الذي يهتم ببناء الشخصية وتقديم الدعم الفكري والتأكيد على الأهداف - لإيجاد مستوى من الوعي والالتزام - وتسهيل التفاعل بين الأفراد، مع التأكيد على العلاقات الشخصية ورعاية الأنشطة الاجتماعية.
ولتحديد الأدوار والمسئوليات لابد من مراعاة أشياء، لعل أبرزها الانسجام بين الدور والخلفية العلمية والمهارية لكل فرد، ثم وضوح الدور المُسند للفرد بدقة، ثم وضع ملامح للنتائج المتوقعة، ثم توضيح معايير النجاح والإخفاق، وأخيرا وضع برامج إشرافية وآليات متابعة.
إن المسئولية الاجتماعية - فهما واهتماما ومشاركة - هي مسئولية أخلاقية في صميمها، وهي مسئولية أخلاقية في عناصرها ومكوناتها، في محركاتها وبواعثها.
5- وجود آليات لإدارة الخلافات:
وجود الاختلافات والخلافات شيء متوقع، بل شيء حتمي في أي تجمع بشري، فالخلاف والتنوع طبيعة جِبلّية من طبائع البشر، لكن لم يزل – للأسف - في الشرق كثير من الناس يحاولون القضاء على المخالفين لهم بالرأي، معتقدين أنهم بذلك يقضون على الخلافات والفتن، ولو عقلوا لعلموا أنهم في الفتنة سقطوا!.
إن في مُكنة كل مختلفين في الآراء أن يتعايشوا، بل أن يتعاونوا بالمعروف، ولقد أباح ديننا أن يتعايش دينان أو عقيدتان في بيت واحد! وذلك بالزواج من الكتابيات.
ووظيفة الحكيم أو القائد الماهر - عند تصاعد الخلاف - أن يبحث عن مواطن اللقاء بتحديد النقاط المسلّمة، وتعميق التفاهم بين الأطراف المتصارعة، ليعلموا أن الآراء المختلفة قد تؤدي إلى الإبداع ما دام ذلك لا يعيق تقدم المجموعة في عملها، فينشر ثقافة أن آراء الآخرين قد تكون مفيدة.
ودراسة المواقف من الآليات المهمة، فلا يمكن الحكم على المواقف نفسها حتى نتبين من أسبابها، لذا من الواجب أن نحدد - وعلى وجه الدقة - مواقف وحُجج الأطراف المتنازعة، وإشراك مزيد من الأعضاء لدراسة الموقف يؤدي لمزيد من الأفكار والحلول.
ومن آليات حل الخلافات كذلك الابتعاد عن الحلول العنيفة، وكذا من الضروري مواجهة صاحب الخطأ مهما علا قدره ومطالبته بالاعتذار لمن أخطأ في حقه.
ومن الضروري مواجهه الأطراف وجها لوجه، وتقليل حل الخلاف عن طريق الهاتف، مع الوعي الكامل لأهمية البيئة المكانية في حل الخلاف، فالمكان الملائم - ويفضل أن يكون حفلا أو وليمة - يجعل الحل ميسورا، فالسيارة مثلا أو المكان الضيق ليسا المكان المناسب.
ودور الأفراد هنا هو تجنب الجدال ما استطاعوا لذلك سبيلا، مع التمتع بدرجة من المرونة الفكرية التي تهشّ لمواطن اللقاء، وهذا يحتاج لتربية طويلة المدى، لتوسيع مجالات السعة والمرونة العقلية، وترسيخ المعاني الأخلاقية العالية.
* محددات تأثير الجماعة على الفرد:
لكن لا يمكن ترسيخ معاني الانتماء والتعاون دون قناعة تامة بالسمات أو بالخط العام للمجتمع الذي أنتمي إليه، فإنما يتحدد انتماء الأفراد لجماعتهم – سواء كانت أمة أو حركة - بما يسمى "أدوات تأثير الجماعة على الفرد"، ولعل أهمها "جاذبية الجماعة عند الأفراد"، ولا تأتي تلك الجاذبية إلا بتوفير منظومة من العناصر المتكاملة، ومنها:
* القدرة على إشباع ما يحتاجه الأفراد عقليا ووجدانيا وماديا، وبقدر إشباع الجماعة للفرد، بقدر تعاظم جاذبيتها في نفسه، وعدم إشباع العقل معناه الحرمان الفكري، وهذا يؤدي إلى غياب الوعي والعيش على الهامش.
وهناك ما يسمى بالجوع العاطفي، أي الحرمان الوجداني الذي تربى عليه الفرد في مؤسسات لا تجيد إلا أساليب السحق، وعلاج ذلك لا يكون إلا بالحياة الدافئة داخل المؤسسات التربوية لإشباع وجدان الأفراد وصيانة ذواتهم.
* توفير فرص الوصول إلى مراكز عليا في الجماعة، فكلما ارتفع مركز الفرد كلما زاد انتماؤه.
* توافر عنصر التقبّل للفرد وحفظ كرامته، فكلما زاد إدراك الفرد بأنه موضع تقبل واحترام من المجتمع، كلما ربَى انتماؤه.
* وضوح الأهداف التي يسعى إليها المجتمع، وكذا الأساليب المستخدمة للوصول لتلك الأهداف، فكلما اتضحت تلك الأهداف، كلما اتضح دور الفرد وموقعه في المجتمع.
* توفير نماذج للاقتداء، فتستطيع الجماعة أن تؤثر على أفرادها إيجابيا من خلال النماذج المعجَبة، فالبارزون أصحاب الشخصيات الأخلاقية يقتدي بهم الأعضاء، حيث أن أحد مصادر التعلم هو الاقتداء ومحاكاة الغير.