[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]
الغضب نفخة من نفخات الشيطان الرجيم ـ نعوذ بالله منه ـليسيطر به على صاحبه ، فيفقده اتزانه ، فيقول ويعمل ما يوبقدنياه وأخراه ،
وكم من عاقل فقد عقله حال غضبه فأرداهالشيطان في داهية ، وألقاه في هاوية !
وكم من رجل غضب في لحظة شيطانية ، فتكلم بما يوجب له النار ،وكان الغضب سبب تلك الخطايا والأوزار !
وكم من رجل حليم ، غضب فظلم ، وسخط فحرم ، وتكلم فندم !
وكم من زوج محبٍ لزوجته ، ملكت عليه لُبَّه ، وتمكنت من قلبه ،فوقعت فيما يسخطه ، فغضب منها غضبة أوقعته فيما كان يحذر، فمدَّ يده عليها بغير حق ، وتكلم عليها بباطل ، وربما طلَّقهابغير جرم ، فندم يوم لا ينفعه الندم ، فخرجت من بيته وهو لهامحب ، وفرَّق بينهما الغضب !
وكم من والد غضب من ولده ، فضربه ضرباً مبرحاً ، حتى أعطبه وأرداه ،وأوقع به من العطب في بدنه ، ما جعل الوالد الحزين يندم على ذلك مدى عمره ،ولو تأمل بعقله لوجد أن السبب لا يستحق هذا الغضب !
وكم من رجل عاقل تعرض له بالأذى أو الخطأ رجل آخر ،فنفخ الشيطان في قفاه ، فتقاتلا كالأعداء ، فقتله أو جرحه ،فكانت السجون من بعد بيته موطن سكنه وحزنه ،أو كان السيف الأبتر الذي دُقَّت به عنقه ثمرة من ثمرات الغضب !
وكم ، وكم ، وكم ...
مواقف حزينة ، وكلمات مشينة ، وكربات جسيمة ، ونكبات عظيمة ،كان الغضب سبباً فيها ، وقائداً إليها ، وربما تعرض المرء للحظةغضب أردته في الدنيا قبل الآخرة ، وعرضته لمساخط اللهوحلول عقابه عليه ،
ولعل عاقل أن يسأل :فما الحل ؟ وما وسائل كبح جماح الغضب ؟ وكيف نتخلص منه ؟ونبتعد عنه ؟ وأيُّنا لا يغضب !
ولطرح حلول عملية في هذه القضية جاءت هذه الرسالة ،بلفظ سهل ، وعبارة ميسورة ، وكلمات سهلة ، فعسى الله أنينفعني بها وإخواني المسلمين ، وبالله نصول ونجول ونستعين :
****
* فمنها ؛أن تعلم أن الغضب إنما هو نفخة من نفخات الشيطان على الإنسان ،فلتحذر من عدوك ، فإنه يريدك أن تغضب ليتكلم على لسانك ،ويبطش بيدك ، ويسحق بقدمك .فعن سليمان بن صرد ـ رضي الله عنه ـ قال : كنت جالساً معالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورجلان يستبان ، فأحدهما احمرَّ وجهه ،وانتفخت أوداجه ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم :" إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ،لو قال : أعوذ بالله من الشيطان . ذهب عنه ما يجد " .فقالوا : إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" تعوذ بالله من الشيطان " فقال : وهل بي جنون ؟ " [1].هل رأيت ماذا قال ؟!جربها أنت مع من تراه يخاصم ويهاجم ، وقل له : استعذ بالله من الشيطان ،فهل تراه يقولها من أول وهلة ؟ جرِّب لتعرف الجواب .
****
* ومنها ؛ أن تدرك الأجور العظيمة التي أعدها الله تعالى لمن كتمغيظه وكف غضبه ، ولو شاء لأنفذه ، ولكنه تركه لله تعالى .فعن معاذ بن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله عليه وسلم :" من كظمَ غيظاً وهو يستطيعُ أن ينفِذَه ، دعاه الله يوم القيامةعلى رؤوس الخلائق ، حتى يُخيره في أي الحور شاء " [2]وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ما من جُرعةٍ أعظم أجراً عند الله من جُرعة غيظٍكظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله " [3]وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ... ومن كفَّ غضبه ، ستر الله عورته ، ومن كظم غيظاًولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ..." [4]
****
* ومنها ؛ أن تفارق المكان الذي غضبت فيه إلى حين ، فيخسأ الشيطان ،ويعود إليك الاتزان ، فإذا غضبت من زوجتك فلا تقعد معها في البيتبل اخرج من المنزل لبضع ساعات ، لتعود إليه وقد ذهب غضبك ،وأمعنت الفكر في المشكلة التي وقع عليها الخلاف ومن أجلها الشجار ،وكذلك الحال عندما يحدث بينك وبين غيرك شجار أو عراك أو خصومة ،اخرج ؛ لتنجُو .فعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمـ بيتَ فاطمةَ ـ رضي الله عنها ـ فلم يجد عليّاً ـ رضي الله عنه ـفي البيت ، فقال :" أين ابنُ عمِّكِ ؟ " فقالت : كان بيني وبينَهُ شيءٌ ، فغاضبني ،فخرج فلم يَقِل عندي ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم لإنسانٍ :" انظُر أين هُو ؟ " فجاء ، فقال : يا رسول الله ! هو في المسجدراقدٌ ، فجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو مُضطجعٌ ،قد سقطَ رداؤُهُ عن شِقِّه . فأصابَهُ تُرابٌ ، فجعلَ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلمـ يمسَحُهُ عنهُ ، ويقولُ :" قُم أبا التُّرابِ ! قُم أبا التُّرابِ ! " [5]
*****
* ومنها ، أن تستعيذ بالله من شرِّه وتلبيسه وتوهيمه وغمزهولمزه ، فإنه القادر ـ سبحانه ـ أن يحميك من شرِّ وضُرِّه .قال تعالى :[ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الْشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِالْلَّهِ إِنَّهُ هُوَ الْسَّمِيْعُ الْعَلِيْمُ ] [6]وقوله تعالى :[ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوْذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الْشَّيَاطِيْنِ وَأَعْوَزَ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُوْنِ ] [7]
****
* ومنها ؛ أن تجلس إذا كنت قائما ، وتضطجع إذا كنت جالساً ،وهو خلاف ما يريده منه عدوك .وتأمل حالك عندما تغضب ! تنتفخ أوداجك ، ويحمرّ وجهك ،ويتشنَّج بدنك ، وتضطرب أطرافك ، وتزداد خفقات قلبك ،فتقوم من جلستك ، وتقعد من رقدتك ، وتستعد للعراك والنزال ،فعليك بعكس مراده ، ومخالفة مقصوده ، وهي وصية نبويةمن خير البرية ـ صلى الله عليه وسلم ، وهي عسيرة إلا على منيسَّرها الله عليه .فعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لنا :" إذا غَضِبَ أحدكم وهو قائم فليجلس ،فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " [8]
*****
* ومنها ؛ أن تطفئ الغضب بالوضوء ، فالشيطان مخلوق من نار ،ولا يطفئها إلا الماء ، فعليك به تنجو من شروره ـ بإذن الله .فإنه يُروى أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ،وإنما تُطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " [9]
******
* ومنها ؛ أن تصمت حال غضبك فلا تتكلم حتى لا تندم ،فغالب الكلام في وقت الغضب لا يسر ، ولذلك أرجو أن تقوم بهذهالتجربة أو تطلبها من غيرك ، فإذا غضبت يوماً من الأيام أدرجهاز تسجيل الأصوات ليسجل كلامك ، لتسمع بعد ذلكما يسوؤك ولا يسرك !عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" علِّموا ويسِّروا (ثلاث مرات ) ، وإذا غضبت فاسكت ( مرتين ) " [10]فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من كفَّ غضبه كفَّ الله عنهُ عذابهُ ،ومن خزن لسانهُ ستر الله عورته ،ومن اعتذر إليه عذره "[11]وعن أبي وائلٍ عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـأنَّه ارتقى الصَّفا ، فأخذَ بلسَانِه ، فقال : يا لسانُ ! قُل خيراً تغنَم ،واسكُت عن شرٍ تسلَم ، مِن قَبلِ أن تندَمَ . ثمَّ قال :سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول :" أكثرُ خطايا ابن آدم في لسانِه " [12]
* ومنها ؛ أن تحذر من دواعيه الجالبة له والمتسببة فيه ،فإذا علمت من نفسك أنك غالباً ما تغضب في بعض الأماكنفلا تذهب إليها ، وإذا كان في العادة لقاؤك ببعض من تعرفسيثير غضبك ، فلا تلقاه إلا في وقت الضرورة أو فيما وجبعليك من الصلة .
****
* ومنها ؛ أن تسيطر على نفسك ، وتتحكم في قولك وفعلك ،وهل الشديد إلا من حكم نفسه قبل أن يحكم غيره ؟!فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ::" ليس الشديدُ بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب "[13]
فنفسك ميدانك الأول ، ومن سنة القتال :[ قاتلوا الذين يلونكم ]
*******
* ومنها ؛ قراءة القرآن بصوت مسموع ، فإن الشيطان يفرُّ منالقرآن ، ويهرب من الذكر ، ويولي عند رفع شعائر الله كالأذان .قال تعالى :[قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4) ] [14]والخناس هو الشيطان يخنس أي يختبئ ويهرب عند ذكر الله ،فإذا غفل العبد عن الذكر حضر العدو فوسوس ،والشيطان لا يقرب بيتاً يُقرأ فيه بالبقرة وآل عمران .
*******
* ومنها ؛ احرص على استقرار حالتك الطبية والنفسية ،فإن لبعض الأمراض العضوية تأثير بالغ في الحالة النفسيةللمصاب بها ، كمرض السكر والضغط ، فإن لها أعظم الأثر فيكثرة الغضب والتهيج النفسي ، فحاول أن لا يرتفع منسوبالسكر وكذلك الضغط في الدم ، لتسلم !
****
* ومنها ؛ انظر بعين فاحصة لأسباب الغضب ، فلعل بعضهالا يستحق هذا منك ، فهل يحق لك أن تغضب من أجل أمرٍ تافه ؟!أعتقد أنك أكبر من هذا !وربما تجد أنك غضبت غضباً يُغضب الله عليك !!فتدبر ! حتى لا تخسر .
*******
** سؤال أخير : هل تغضب لله تعالى ؟ وهل غضبك لله كغضبكلنفسك ؟ فإذا رأيت حدود الله تنتهك ، وحمى الله يستباح ،وفرائض الله تضيَّع ، تمعَّر وجهك غيرة وغضباً ، وفارت دماءالحمية الإيمانية في أوردتك ، أم أن الأمر لا يعنيك ،ولا يمتُّ بصلة إليك ؟!--------------------[1] صحيح البخاري (6/337 ) ( 3282 ) .[2] صحيح سنن الترمذي ( 2/197 ) ( 1645 ) وصحيح سنن أبي داود (3/908 ) (3997 ) .[3] صحيح سنن ابن ماجه ( 2/407 ) ( 3377 ) .[4] رواه الطبراني في الكبير ، انظر : السلسلة الصحيحة ( 2/608) ( 906) .[5] صحيح مسلم (2/1495) (2409 ) .[6] فصلت : 36[7] المؤمنون : 97[8] صحيح سنن أبي داود (3/907) (4000) .[9] ضعيف سنن أبي داود ص (475 ) رقم (1025 ) وضعيف الجامع ، رقم (1510) .[10] صحيح الأدب المفرد ـ ص (501 ) رقم (991 /1320 ) والسلسلة الصحيحة () (1375 ) .[11] أخرجه أبو يعلى والدولابي ، انظر : السلسلة الصحيحة (5/475 ) (2360 ) .[12] رواه الطبراني وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي ، انظر : صحيح الترغيب والترهيب (3/93) (2872) .[13] صحيح البخاري (7/130 ) (6114) .[14] الناس :

رد مع اقتباس