وفـى أنفسكـم أفـلا تبصـرون " ( الذاريات - 21 )
الذكــاء الانفعالى
Emotional Intelligence
د. محمد سمير فرج
" الذكاء الانفعالى " عنوان جديد فى العالم كله سواء فى مجال علم النفس (*)[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]أو فى مجال علم الإدارة ، ومن ثم نتطلع جميعاً للتعرف عليه والإفادة منه .

وحـدة الشـخـصـيـة :

ينظر علم النفس إلى شخصية الفرد كوحدة ، تستقبل وتتفاعل وتستجيب بكلٌيتها ، فبرغم أن جـزءاً معينـاً هـو الـذى يتبــدٌى لنا أنــه المعنـِى بدور معين ، فالعين ترى والأذن تسمع واليد تكتب والشفــاه تتحـدث ، إلا أن واقع الأمر أن الفرد بكليته - جسماً ونفساً - يرى ويسمع ويكتب ويتحدث .

ومع وضوح هذه الحقيقة أمام علماء النفس إلا أنهم قد تعودوا على دراسة وقياس الذكاء كقــدرة عقليـة مستقلة ، والانفعال أو العاطفة كسمة مستقلة أيضاً ، ومن هنا جاءت النتائج أحياناً مضللة . فقـد تـجد شخصـاً ذكيـاً بكل مقاييس الـذكاء المعروفة أكاديمياً إلا أنه فاشل فى عمله بل وفى منزله أيضاً . كما قد تجد شخصاً متوسط الذكاء بالكاد إلا أنه يتمتع بجاذبية كبيرة ويحقق إنجازات متميزة .

لعل السبب فى خطأ التقدير هذا أننا ينبغى أن نتخلى عن النظرة الأُحادية التى تفصل بين الذكاء والانفعالات والعواطف ، وأن نتبنى نظرة كلٌية جامعة ، تجمع بينهم فى منظومة واحدة ، وترصد التفاعل فيما بينهم - إيجابياً كان أو سلبياً .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ
(*) Daniel Goleman , Emotional Intelligence , Bantam Books, 1997 .
(*) Hendrie Weisinger , Emotional Intelligence at Work , Jossey - Bass , 1998 .

الذكـاء الانفعـالى :

إن ترجمـة كلمــة Emotionalهى " إنفعال " أو " عاطفة " ، ومن هنا فإننا حين نترجم مصطلح Emotional Intelligenceإلى " الذكاء الانفعالى " أو إلى " الذكاء العاطفى " فإننا فى الحالين نسير على نفس الدرب .

وإذا كان " الذكاء " Intelligence يتجلى فى القدرة على إدراك العلاقات والقدرة على التعلم والقدرة على حل المشكلات ، فإن " الذكاء الانفعالى " يتمثل فى قدرة الفرد على استحضار ذكائه فى مجال انفعالاته وعواطفه ، والتأليف بينهم فى قوة أعظم تساعد على الإدراك والتعلم وحل المشكلات بمهارة ويُسر .

وهنــا نستحضـر مقـولـــة أرسطـــو : " يستطيــع أى إنسـان أن يغضــب ، فذلك سهل للجميع ، ولكن أن يغضب مع الشخص الذى يستحق غضبه ، وبالدرجة المناسبة ، وبالطريقة المناسبة ، وفى الوقت المناسب ، لسبب مناسب ، فتلك مسألــة ليست سهلــة للجميــع " .

وإذن فالذكاء الانفعالى يعنى قدرة رباعية الأبعاد :

1- القدرة على التأليف بين الذكاء والانفعال فى جُماع واحد Synthesis .
2- القدرة على الوعى بالذات ( من منظور هذا الجماع الواحد ) .
3- القدرة على الوعى بالآخرين ( من نفس المنظور ) .
4- القدرة على التواصل البناء مع الآخرين لتحقيق أهداف مفيدة ونبيلة .

ويمكن تشبيه منظور " الذكاء الانفعالى " بالنظارة الطبية الصحيحة التى تؤلف بين صورة العين اليمنى للفرد وهو ينظر إلى موضوع معين ، وصورة عينه اليسرى لنفس الموضوع على مركز البصر فى المخ . ولنفترض أن العين اليمنى هى للرؤية الانفعالية - عين القلب - والعين اليسرى للرؤية المنطقية - عين العقل - فإن نظارة الذكاء الانفعالى هى التى تجمع بين كلتا الصورتين وتؤلف منهما صورة واحدة لنفس الموضوع المرئى ، فتيسٌر للفرد القدرة على استبصار جوهر الموضوع والنفاذ إلى باطنه بعد رؤية ظاهرة .


الـوعـى بالــذات / الـوعـى بالآخـر :

1- المنظور الفسيولوجى :

إن الجهاز العصبى للإنسان هو وعاء الحياة النفسية وصانعها كلها ، ويتألف من الجهاز العصبى المركزى ( المخ والنخاع الشوكى ) ، والجهاز العصبى الفرعى ( كل الأعصاب خارج المخ والنخاع الشوكى .. والجهاز العصبى الذاتى أو اللاإرادى أو المستقل : السمبثاوى والباراسمبثاوى) ، ولابد من الاشارة هنا إلى الهيبوثلاموس Hypothalamus أو " المهيد " ( ويقع فى الدماغ الأوسط ) نظراً لأهميته واتصالاته المتشابكة بأجزاء المخ المختلفة ووظائفه المتعددة ومنها التحكم فى وظائف الجهاز العصبى اللاإرادى والتحكم فى وظائف الفص الخلفى للغدة النخامية التى تسيطر على الغدد الصماء . ويعتبر الهيبوثلاموس هو مركز التعبير عن جميع الانفعالات والعواطف .

ويحتــوى الجهاز العصبــى للإنسـان علـى حـوالى (10) بليون خلية عصبية ، ويولد الإنسان بكل خلاياه العصبية ، فهى غير قابلــة للتعـويض إذا فقـد جزءاً منها بسبب حادثة أو مــرض أو إدمــان . ولاتتصـل الخليــة العصبيــة بجارتها اتصالاً مباشراً ولكن عبر ما يسمى " بالمشتبك العصبى " والذى يتولى نقل النبضة الكهربية فيما بين الخليتين ، تلك النبضة التى تتضمن تفكيراً معيناً وانفعالاً معيناً فى وقت معين .. " فتبارك اللــه أحســن الخـالقين " .

ويبلغ وزن المخ حوالى 1250 - 1350 جم ، ويقل وزنه بمقدار 6% فى النساء عنه فى الرجال ، كما أن كلا من فصٌى أو نصفى كرة المخ يضطلع بمهمة رئيسية مختلفة ، حتى أن البعض يقول بأن لكل منا عقلان . فالنصف الأيسر من المخ ( السائد أو الطاغى ) يختص بالتفكير المنطقى أو التحليلى ، وبالمنهجية العلمية أو السببية فى إدراك الموضوعات وحل المشكلات ، فهنا يكون مركز الكلام والذكاء المجرد ، أما النصف الأيمن من المخ فمهمته الخيال والابتكار والإدراك الكلى ( القلب ) والرؤى الفنية ( والعكس هو الصحيح بالنسبة لمخ الفرد الأعسر ) .

نخلص من هذا أن كلا منا قـادر بالمخ الأيســر على التفكير العلمى فالأسباب تؤدى إلى نتائج وقـادر بالمخ الأيمن على الاستبصــار والنفـاذ إلى الجوهـر ، أى أن بـداخل كل منا عالم وفنان .


ويتحقق الإنجاز الجميل بالتكامل بين وظائف نصفى المخ ، ويتحقق هذا التكامل بالقصد والإرادة والتعلم . ولاشك أن مبتكر طريقة العصف الذهنى Brainstorming فى عمليات اتخاذ القرارات الاستراتيجية كان واعياً بعمل نصفى المخ ، فتداعى الأفكار يتم من خلال النصف الأيمن ، وتقييم الفكرة وصقلها يتم بواسطة النصف الأيسر ، ومن ثم فقد سعى بهذه الطريقة إلى الإفادة من التكامـل بين خصـائـص نصفــى المـخ ، فتعاظمت الفعاليــة على مستــوى الفـرد والجماعة وعلى مستوى المنظمة .

2- مسـتويات الــوعـــى :

يُحسب لنظرية التحليل النفسى ( فرويد Freud ) أنها أكدت على الجانب اللاشعورى Unconscious من نشاط المخ فى مقابل الجانب الشعورى conscious الذى نعيه جميعاً ، كما أكدت على الأهمية الكبيرة للاشعور فى تحديد سلوك الفرد بصفة عامة والسلوك المرضى والقلق المرضى بصفة خاصة الذى يسبب المعاناة واضطراب التفكير والمشاعر . كما يُحسب لنظرية علم النفس التحليلى ( يونج Jung ) أنها أكدت على الطاقة الإيجابية الكبيرة للاشعور إذا ما نجح الفرد فى استظهارها على مسرح الشعور خاصة فى مجال الابتكار والاستبصار . فكأن للشعور ذكاؤه وللاشعور ذكاؤه ، وحبذا لو استطعنا أن نجمع بين الذكائين ، قل بين الحُسنيين .






+
-
-

اللاشعور .. اللاوعى

استبصار
مبــاشر

الشعور .. الوعى



انفعالات
ودوافـع
واضحة



-
+

ذكـاء















إن الاتصـال الخفـى علينا بين اللاشعور والشعـور يمكن أن يحقق نتائج إيجابيــة أو نتائج سلبيـة . فهو اتصال إيجابى يُعظم طاقتنا وقدراتنا إذا ما كان كل من المخزون اللاشعورى من ناحية ، والإدراك الشعورى من الناحية الأخرى جيداً وذكياً . ويكون اتصالاً سلبياً إذا ما كان المخزون اللاشعورى يتضمن خبرات خاطئة ومشاعر عدوانية من شأنها أن تولٌد دوافع مشوهة ، وذلك نتيجة التراكمات المترسبة منذ الطفولة المبكرة ( وهنا تبرز أهمية التربية السليمة والصحة النفسية للوالدين ) ، أو أن الإدراك الشعورى يتضمن تحريفاً للواقع بفعل التحيزات الشخصية أو كان مبنياً على قصور فى المعلومات .

كيف نعظـم ذكـاءنـا الانفعالى :

مع التسليم بحقيقة الفروق الفردية بين البشر ، أى أن كل فرد يختلف عن الآخر فى بناء شخصيته وما تتضمنه من قدرات وسمات ، إلا أن وعى الفرد بإمكاناته الذهنية وعاداته الانفعالية ، وسعيه لاستثمار الجوانب الإيجابية مع تغيير أو تقليل الجوانب والعادات السلبية لديه ، من شأنه أن يزيد من فعاليته وفرص نجاحه فى حياته كلها ، ولاشك أن نجاحه هذا يتوقف إلى حد كبير على ما لديه من ذكاء انفعالى - كماً وكيفاً .

فإذا شئنا أن نعظم ذكاءنا الانفعالى ونزيد من فعاليته كان علينا إذن النظر فى المخزون اللاشعورى ( التأمل الباطنى Introspection ) وتطهيره Catharsis وإعادة بنائه - وهذا صعب وممكن ، وأيضاً النظر فى إدراكنا الشعورى للموضوعات وترشيده وحسن توجيهه - وهذا أيسر وممكن . وعلى قدر نجاحنا مع أنفسنا فى إعادة تحقيق التكامل الجميل بين الشعور وما فيه من ذكاء منطقى وعواطف واضحة ، واللاشعور وما فيه من قوة دافعة وبصيرة نافذة ، يتجسد هذا التكامل الجميل فيما نسميه الآن " الذكاء الانفعالى " .






[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]