اختيار القادة.. ومعايير التقييم

الدكتور: فتوح أبو العزم

رقم المجلد/السنة : 1988 رقم العدد : 103 / يوليو 1988 تاريخ العدد : 26/05/2004 3:08:18 pm
عميد أكاديمية السادات بالإسكندرية

أود أولا أن أشكر جماعة الخريجين على دعوتهم لي للاشتراك في هذه الندوة.. والموضوع الذي سوف نتناوله هو موضوع "اختيار القادة ومعايير تقييم الأداء" واعتقد أن هذه المشكلة تواجه ليس فقط الإدارة العليا في شركاتهم بل تواجه أيضا أعلى مستوى سياسي في الدولة. فالاختيار يكون قائما على أسس- والمفروض- أن تكون موضوعية وليست أسس شخصية.
بادئ ذي بدء عندما أناقش موضوع اختيار القادة.. وهل هو اختيار قادة أم اختيار رؤساء؟ لأن هناك فرقا كبيرا بين اختيار القائد واختيار الرئيس. لأن القاعدة عادة لا يختار من القمة وإنما يختار من المجوعة. حيث أن القائد هو الشخص النابع من الجماعة بواسطة الجماعة ويستمد سلطته من أفراد هذه الجماعة أما الرئيس فهو الشخص المعين أو المختار أو المفروض على أفراد الجماعة بواسطة سلطة عليا يستمد سلطته من هذه السلطة العليا.. وأعتقد أن الجميع- وليس الأغلبية- يختارون بواسطة سلطة عليا.. فعلى هذا الأساس فالاختيار هو اختيار رؤساء، ولكن إذا كان الاختيار سليما فمن الممكن أن يتحول هذا الرئيس إلى قائد ويستمد سلطة أخرى- إلى جانب السلطة المستمدة له من أعلى- وهي سلطة القاعدة التي هو منها وبذلك يتحول من رئيس إلى قائد.. والسؤال كيف نختار هذا الرئيس ليتحول إلى قائد. وبذلك يكون موضوع محاضرتنا هو القائد الفعلي؟
إنه طالما كانت هناك جماعة لها هدف معين فلا بد أن يكون لها قائد يقودها، فمن العبث أن تكون هناك جماعة لها هدف ولا تختار لها قائد.. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المجال: إذا سافر ثلاثة فليؤمروا أحدهم" فالثلاثة مجموعة من الأفراد، والسفر هدف من الأهداف، يؤمروا أحدهم أي يختاروا قائدا يسير هذه الجماعة. ومن ثم فالقيادة ضرورية.. ولكن كيف تختار؟ وهل الموجود لدينا في مجتمعنا اختيار حقيقي؟
أسباب عدم الاختيار السليم للقادة:

لقد أجمع جميع من شملتهم الدراسة التي قمت بها على أن هناك عدم اختيار سليم للقادة ترجع إلى الأسباب التالية:
1- أنه لا توجد معايير موضوعية لعملية الاختيار، وانه يتم على أساس شخصي. وإذا تدخل العامل الشخصي في الاختيار فمهما كان الشخص موضوعيا فإن التحيز والمجاملة تتدخل في هذا المجال. أو أن يتم هذا عن طريق الأقدمية المطلقة.. وبالتالي فإن الترقيات تتم بالطابور والذي يأتي عليه الدور في الترقية يرقى.. بعض الأفراد يقولون أننا نختار أحسن الوحشين بافتراض أن كل الذين يعملون عنده وحشين.. وهناك بعض آخر يقول: بأنه لا يوجد عندي أفراد أستطيع أن اختار منهم- وبالقطع هذا الرأي مردود عليه- لأنه لا يمكن بحال من الأحوال بأن توجد مجموعة من الأفراد لا يكون بها فرد كويس وآخر وحش.
وعلى هذا الأساس بعض الأفراد- وهم أكثر واقعية- يختارون التنفيذي الناجح عندهم.. وهذه النقطة تحتاج إلى بحث، لأنه ليس بالضرورة أن التنفيذي الناجح يصلح لأن يكون مديرا ناجحا.. وعند اختياره نفقده كتنفيذي ممتاز ونخسره كمدير غير ممتاز. وللأسف نجد أن كثيرا من عمالنا في المصانع عندما رقوا تطبيقا للقوانين الأخيرة فقدوا كفنيين ومتخصصين نتيجة لهذه الترقية الإجبارية وأصبحوا يجلسون على المكاتب. وبذلك فقدناهم كتنفيذيين وفقدناهم كإداريين.
2- عدم اختيار القائد المناسب في المكان المناسب.. وإذا رجعنا إلى ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم نجد أنه قد اختار عمر للقضاء، واختار عليا للجند، وعندما جاء إليه أبو ذر الغفاري يطلب إمارة- وهو قمة من قمم المسلمين- رفض الرسول هذا الطلب وقال: أنت ضعيف لا تصلح للإمارة وإننى يوم القيامة سأحاسب على هذا. ومن ثم فإن التشريع الإسلامي هو المجال الخصب لقراءة اختيار القيادات السليمة.
وسوف أطرح تجربة سريعة يمكن لأي فرد أن يجريها على نفسه الآن.. فلو أعطى كل واحد لنفسه درجة من عشرة في مجال عمله، ثم أعطى درجة لمرؤسيه من عشرة، ثم أعطى درجة لرؤسائه من عشرة.. فإنه سيفاجأ بنتيجة عجيبة هي أنه هو الأحسن من كل مرءوسيه وليس من كل رؤسائه.
3- عدم وجود صف قيادي ثاني. لقد قيل أنه في خلال السنوات العشر القادمة سوف تفقد الأغلبية الغالبة من رجال الإدارة العليا لخروجهم على المعاش ولا يوجد صف قيادي ثاني.. وهذه مشكلة نظام لأن الكثيرين من القادة لا يحاولون تنمية الصف القيادي الثاني لسبب أو لأخر. إذ من الممكن أن تكون مخيفة لدرجة أنه يخاف أن يفوض في هذه السلطات لأي فرد لأنه هو الذي سيحاسب عليها- وكثير من الأفراد يقولون بان على المدير أن يفوض سلطاته- وهذه يجب أن نضع عليها علامة استفهام، لأن تفويض السلطة من الرئيس وإذا فوضها فهو أولا وأخيرا مسئول عمن فوضه. لذلك فإن بعض الأفراد يخافون من تفويض سلطاتهم لمرءوسيهم حتى لا يحاسب على أخطاء الآخرين.. وهناك البعض الذين يخافون من تابعيهم، لدرجة أنهم يخافون أن يقوموا بإجازات، وإذا أخذ إجازة فإنه يغلق مكتبه حتى لا يتخذ قرارا أثناء غيابه ويتراكم العمل- وهذه صورة موجودة توضح عدم إعطاء الرؤساء فرصة لمرءوسيهم- فلو حاسب كل قائد ذاته على هذا العمل لأمكننا إيجاد صف ثاني يحل محل الصف الأول عندما يغيب أو يحال إلى المعاش.
فمثلا هناك حالة طرحت على كثير من المديرين تقول بأنه يوجد اثنان من المرؤوسين التابعين لك مباشرة وتريد أن ترقى أحدهم لمنصب قيادي أحدهما يقول لك نعم باستمرار والثاني لا يقول نعم باستمرار فمن تختاره منهما لكي يرقى؟ الإجابة كلها كانت أننى أختار الرجل الذي يقول نعم باستمرار حتى لا يوجع دماغه مع الشخص الآخر وبذلك فإنه يختار الشخص الأقل قيادية له، أي الشخص التابع له، الشخص الذي يقول تمام يا فندم وعلى هذا الأساس فإن المستوى القيادي منخفض باستمرار.
كذلك نجد بعض الأفراد يمتنعون عن تنمية صف قيادي ثاني لأهمية المنصب ليكون هو الأوحد والمرجع الوحيد لكل صغيرة وكبيرة، ويكون سعيدا جدا لأن كل قرار يتخذه ملئ بعاملات الاستفهام لكي يرجعوا إليه لذلك فإنه لا يجعل أحدا ينافسه في هذا المنصب.. وعمليه المنصب هذه تمتد تاريخها إلى أيام الفراعنة وتوارثناها على مر الزمان.. ومن ثم يجب أن نفكر جديا فيمن يخلف هؤلاء القادة.
هناك جدل باستمرار بين رجال الإدارة وغيرهم حول هل المدير يكون فني تخصصي أن إداري بحت؟ للإجابة على ذلك سوف أذكر تجربة شاهدتها بنفسي في التأمين الصحي.. فقد وجدت أن أغلب الذين يعملون على الكمبيوتر أطباء وفوجئت بأن الأطباء يعملون في نظم المعلومات والحاسب الآلي مثل خريج كلية الهندسة قسم الكمبيوتر.. وأن هذا الشخص فنيا عارفا كل ما يعن للطب متخصص فالمشكلة ليست مشكلة فني أو إداري وإنما هي مشكلة الفرد نفسه.. هل يصلح لهذا المنصب أم لا؟ وهل يستطيع أن يقود أم لا؟
معوقات الاختيار السليم للقادة:

معوقات الاختيار كثيرة جدا فإذا رجعنا إلى سنة 1956 مثلا نجد أن الشركات الكبيرة لم تكن كثيرة، وأن قاعدة اختيار القيادات كانت بسيطة وعند عملية التأميم كان الصف الأول من القيادات أما صاحب شركة مؤممة وأما أجانب سافروا إلى بلادهم. فكان اختيار القيادة السياسية للقادة الإداريين لهذه الشركات نابع أساسا من ثلاث قطاعات: إما من رجال الجيش، وإما من أساتذة الجامعات، وإما من القطاع الحكومي وخاصة المجال المالي.. ولا أود القول بأن أي قطاع من هذه القطاعات الثلاث نجح أو فشل ولكنني أقول بأن الاختيار نفسه هو الذي صادف أن هذا الشخص الذي لديه المقومات الإدارية أن ينجح فنجح وأن شخصا آخر ليست لديه هذه المقومات الإدارية ففشل.. ومن ثم فإن نجاح الأول كان عشوائيا وأيضا فشل الثاني كان عشوائيا لأن اختيار كلا منهما كان عشوائيا، ولذلك فإننى لا أستطيع القول بأنه كانت توجد في هذه الفترة أسس لهذا الاختيار. كذلك لم يكن هناك نظام لوجود بيانات عن الأفراد حتى يمكن أن تكون أساسا للاختيار ولهذا فإنه بالرغم من أن القاعدة الإدارية كبيرة جدا ولكن الاختيار من هذه القاعدة الكبيرة محدود جدا لأن الاختيار سيتم في حدود من نعرف وهذا ليس له دخل في موضوعية الاختيار.
نصادف عادة عند عملية الاختيار جملة غريبة وهي "أن لديه خبرة ثلاثين عاما" ويجب أن نفرق بين الخبرة والممارسة إذ من الممكن أن يكون الشخص لديه ممارسة لمدة ثلاثين عاما ولكن ليس لديه أية خبرة بهذا العمل لأن الممارسة تكون قد قامت على أساس فاشل فأصبحت بعد ثلاثين عاما تمثل ركاما من الفشل فلا نستطيع أن نحكم على ذلك بأنها خبرة.. وهناك مشكلة أخرى على الاختيار، البعض عندما يصل إلى ما يعتقد في نفسه أنه أصبح قمة في الهرم الإداري أو أنه قمة ما يصبوا إليه إداريا، فإن هذا الشخص باعتقاده هذا يكون قد وصل إلى بداية النهاية له كإداري لأنه سيجد في هذا المجال- وكثيرون من المديرين للأسف يعتقدون هذا- بعض الناس تقول بأنه كلما ازدادت توقعات الفرد كلما ازداد طموحه وقدرته على العطاء بشرط أن تكون هذه التوقعات متمشية مع استعداداته ومع الواقع الذي يعيش فيه.
ثم أن إعداد القيادات ليس أمرا صعبا ولكن لا بد أن يسبق ذلك الاختيار السليم، لأنه من
الحكومة هي السبب

يقال أن هناك قانونا جديدا للإسكان هل بهذا القانون ستنتهي مشكلة الإسكان وندرة المساكن.. طلب واحد يمكن أن نطلبه حتى تحل المشكلة هو أن ترفع الحكومة يدها نهائيا من موضوع الإسكان هذا هو الحل.
المستحيل أن نطلب تطويل قزم طوله متر إلى متر ونص إذ من الممكن أن يكون التطويل نصف سنتي، ومن المستحيل أيضا أن يتحول شخص معتوه إلى شخص ذكي ونابغة فالاختيار السليم يأتي أولا يليه الإعداد. إذ لا يمكن تنمية أي فرد إلا إذا كان لديه الاستعداد لهذه التنمية.
اختيار القادة.. ومعايير التقييم

الدكتور: فتوح أبو العزم

رقم المجلد/السنة : 1988 رقم العدد : 103 / يوليو 1988 تاريخ العدد : 26/05/2004 3:08:18 pm
معايير الاختيار:

هناك عدد من معايير لاختيار القادة من أهمها ما يلي:
1- التأهيل العلمي، وهذا أمر ضروري حتى يكون الشخص لديه حد أدنى من المعلومات في المجال الذي يعمل فيه.
2- الإعداد الإداري وهو لا يقل أهمية عن التأهيل العلمي.. ولكن هل هذا الإعداد الإداري يكون طويل الأجل- عشرة أشهر أو سنة- أم قصير الأجل- أسبوعين أو ثلاثة أسابيع؟ وانه من واقع خبرتي الكبيرة في مجال التدريب فإن رئيس الشركة لا يرسل الشخص المناسب ليتدرب لمدة سنة أو ثلاثة أشهر بل أنه يرسل الشخص الذي يريد التخلص منه.. أما إذا كانت مدة الدورة التدريبية أسبوعين أو ثلاثة فإنه يمكن أن يرسل الشخص الذي يريد إعداده إداريا. هذا الكلام أذكره من تجارب الواقع، اللهم إلا إذا وضعت قواعد وقوانين بأنه لا يمكن الترقية إلا بعد أن يجتاز دورة تدريبية مدتها سنة فإنه للضرورة سيحضر هذه الدورة حتى يمكن أن يرقى.. الدورات التدريبية لمدة أسبوعين هي بمثابة لقاءات مع الزملاء لتبادل الرأي، وان المدرب لا يعطى معرفة لأن المعرفة يمكن اكتسابها من الكتب، وقد لجأت الجامعات إلى عدم الأسئلة في نص القانون لأنه موجود بالكتاب.
3- ضرورة معرفة مواصفات هذا الفرد الشخصية والسلوكية. لأنه من المستحيل أن أحضر فردا مريضا نفسيا ولديه انفصام في الشخصية وأسند إليه منصب إداري.. فكيف يعن له وهو ليس متوازنا نفسيا أن يتعامل مع بشر، والإدارة ما هي إلا عملية إدارة بشر؟ وكيف يستطيع هذا الفرد أن يحقق الأهداف التي تبغيها؟ فهذا فارق كبير بين الإداري والتنفيذي حيث يعتقد البعض عندما يعمل بنفسه هو إداري ناجح وهذا خطأ.. وهناك عدد من الاختبارات نستطيع من خلالها أن نعرف مواصفات الفرد الشخصية والسلوكية.
4- ضرورة الإعلان عن الوظائف. فمنذ عدة سنوات كنت مسئولا عن عملية اختيار الأفراد في إحدى الشركات. وكانت هناك لجنة خارجية محايدة تجلس مع الشخص لمدة ساعتين لاختيار الصالح لهذه الوظيفة وليس أحسن المتقدمين، وقد كررت نشر الإعلانات لأكثر من مرة لاختيار الصالح للوظيفة. ولا بد أن يكون الفرد المسئول عن العمل له حرية الاختيار الموضوعي ولا يفرض عليه أفراد.. وبعد أن تتم عملية الاختيار لا بد أن يتبعها دورة تدريبية سريعة ليعرف الشخص شكل المنظمة وإدارتها المختلفة. وذلك لأن التعلم لا يتوقف بالنسبة للفرد إلا بوفاته. فالشخص يتعلم من المهد إلى اللحد.
فهذه أهم المعايير التي يمكن مراعاتها عند اختيار القادة الإداريين وهناك عوامل أخرى وإننى اكتفي بهذا القدر حتى أتيح الفرصة لإبداء الآراء التي يمكن أن تضيف إلى الموضوع أبعادا ومعايير أخرى وشكرا.
العدل واجب

بمناسبة ما نشر عن المشروع الجديد لضريبة التركات والأيلولة.. وبرغم مطالبة الكثيرين بإلغاء مثل هذه الضرائب الظالمة وغير الشرعية.. فلا أقل من أن يضرب حد الإعفاء الحالي في مائة ولنأخذ سعر الذهب عام 1944 مقارنا بسعره الحالي أو سعر اللحم أو البيض أو حتى سعر السكن الشعبي