النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الوظيفة عبودية القرن العشرين

العرض المتطور

#1
نبذه عن الكاتب
 
البلد
الصومال
مجال العمل
أعمال ادارية
المشاركات
4,822

الوظيفة عبودية القرن العشرين

يسكن دبي منذ أكثر من عام إلا أن شقته الجميلة التي تطل على البحر لا تحوي غير سرير صغير (مؤقت) فقط في الغرفة التي ينام فيها ، وهي الغرفة الوحيدة التي يعرفها ، أما باقي البيت فلم يجد الوقت الكافي لاستكشافه بعد.


عندما سألته عن سبب ذلك قال لي إنه لم يستطع أن يتفق مع شركة الأثاث - الذي دفع قيمته قبل أكثر من عام - على وقت مناسب ليوصلوا له الأثاث إلى البيت ، فعمله يفرض عليه أن يكون متواجداً في المكتب طوال النهار... وطوال الليل أحياناً.


أمثاله كثر ممن يظنون أن العمل الشاق والمنهك هو وسام يعلقه الموظف على صدره ، أو ميدالية ذهبية يفوز بها الموظف الذي لا يعلم أنه يعيش تماماً مثلما كان العبيد يعيشون أيام الفراعنة ..




فعلى الرغم من


أن كل من شارك في بناء الأهرامات كان يجب عليه أن يشعر بالعز والفخر لأنه كان يبني أعظم بناء في تاريخ البشرية إلا أنه في كل الحالات كان يعلم أنه عبد ليس إلا.



كلما عدت من العمل متأخراً - لأنني أحد هؤلاء العبيد أيضاً - يقول لي ابني سعيد : "بابا لا تذهب إلى المكتب مرة أخرى"

وكلما أتذكر كلماته وأنا في عملي أوقن أنني أغتال أجمل أيام عمري وعمره معاً.


يقضي الموظف منا معظم حياته في الوظيفة إلا أن ذلك قلّما يؤثر إيجاباً على حياته ..


فما هي حقيقة العمل ؟

والأهم من ذلك ما هي حقيقة الحياة ؟


معظم الذين يعيشون الوظيفة يشربون قهوة سوداء (دون سكر) كل صباح ، ليس لأنهم مرضى بالسكري بل لأنهم يعلمون أنهم سيصابون به حتماً في يوم ما ... يشربونها سوداء لينعشوا ذاكرتهم التي خانتهم عندما حاولوا أن يتذكروا من هم أو بالأحرى ما هم .. يفتخرون بأنهم يتحدثون الإنجليزية .. والإنجليزية فقط ، وإذا استرقت النظر إلى ملاحظاتهم التي يدوّنونها خلال الاجتماعات الطويلة تجدها بالإنجليزية أيضاً ، حالهم في ذلك حال الغراب الذي حاول أن يقلد مشية العصفور فلم يفلح ، وعندما أراد أن يعود غراباً لم يفلح أيضاً ..


عندما دخلت التكنولوجيا حياة الإنسان تفاءل الجميع بها وراهن الخبراء أنها ستكون الأداة التي تنقل الإنسان من الشقاء إلى السعادة ، وأن كل شيء سيكون ممكناً (بضغطة زر ) ..إلا أن أحداً لم يتوقع أن تسيطر هذه الأزرار على حياتنا وعلى موتنا أيضاً ..


أصبح الموظف الناجح محكوماً عليه بحمل أجهزة الاتصال المباشر بالبريد الإلكتروني
( Black Berry)..


وإذا ما سافر فإنه مجبر (اختيارياً) على التأكد من أن غرفته بها خط للاتصال بالإنترنت ، بل إن البعض لا يسافر على طائرة إلا إذا كان بها اتصال بالإنترنت ...

ومن ملامح هؤلاء أنهم يجلسون في مكاتبهم حتى بعد انتهاء الوقت الرسمي للعمل لا لشيء إلا لأنهم يشعرون أنه ليس هناك مكان آخر يذهبون إليه ، ولو استطاعوا لاستأجروا غرفاً مجاورة تماماً لمكاتبهم حتى لا يفارقوها يوماً..

عانيت قبل فترة من اختلال في ضغط الدم ، فكان يهبط فجأة ومن ثم يعود للصعود المفاجئ تماماً كسوق الأسهم إلا أنني كنت أخسر في كلتا الحالتين ..


فعند الهبوط كنت أشعر بأن روحي تخرج من جسدي وعند الارتفاع كان جسدي يرتعش وكأن أحداً قد أوصله بتيار الكهرباء.. ركبت الريح على الفور وتوجهت إلى سنغافورة للعلاج - تأكدت قبل الحجز أن غرفة الفندق بها خط إنترنت - وبعد الفحوصات قال لي الطبيب إن جسمي سليم وليس به شيء ومشكلتي هي في عملي وقال أيضاً :


"إذا كنت تعمل لكي تعيش فاعلم أنك تعمل لتموت "


ونصحني بقراءة بعض الكتب المتعلقة بإدارة ضغوطات العمل ..


لكل منا أسبابه الخاصة التي تدفعه إلى الاستماتة في العمل ، و في دراسة قام بها مركز دراسات "موازنة الحياة مع العمل" الأمريكي تبين أن هناك خمسة أسباب لذلك :


أولها : أن يكون لدى الإنسان تحدٍ في عمله يريد أن يتغلب عليه ..

وثانيها : أن يكون عمله مصدر إلهامه وحماسه في الحياة .
وثالثها : أن تكون العوائد المادية من عمله عالية جداً أو مرضية ..
ورابعها : أن يحب الموظف زملاءه حباً جماً لدرجة أنه لا يستطيع أن يفارقهم ساعة .
وآخرها : هو تحقيق الموظف لذاته من خلال إنجازه لمسؤوليات العمل ..

وأياً كانت هذه الأسباب فإنها تؤدي إلى (اشتراكية الوظيفة) أي إشراك الحياة في الوظيفة وسيطرة الأخيرة على جميع جوانب الإنسان ..


إن الهدف الحقيقي من الحياة - في رأيي - هو السعادة ..


فحتى عبادتنا لله سبحانه وتعالى تنبع من شعورنا بالرضى النفسي تجاه أنفسنا عندما نقوم بذلك ، فنحن نعبده لندخل الجنة وبالتالي لتحقيق السعادة ، ونؤدي فرائضه لنشعر بالطمأنينة والراحة النفسية ولنعقد سلاماً داخلياً مع نفوسنا.. أي لنحقق السعادة .


وإذا كان كل شيء نقوم به في حياتنا هدفه تحقيق السعادة فلماذا إذن نستميت في أعمالنا التي (يخيّل) لنا أنها ستسعدنا في يوم ما وهي تزيدنا شقاءً يوماً بعد يوم؟


كلما أتذكر هذه الحقيقة أقول في نفسي :

"سأجلس مع أبنائي وأتفرغ لهم أكثر عندما أحصل على ترقية" وها أنا حصلت على مجموعة من الترقيات ولم يزدني هذا إلا بعداً عن أسرتي وعائلتي... وعن نفسي أيضاً فبت لا أعرف من أنا ولا ما أريد أن أحققه في حياتي القصيرة .


قبل عدة سنوات قامت شركة
IBM
بتخصيص مبلغ 50 مليون دولار لطرح برامج توازن بين حياة الموظف وبين وظيفته، وكان أحد هذه البرامج هو العمل بالإنجاز أو مؤشرات الأداء وليس بالحضور إلى مكاتب المؤسسة ، فلا يهم المؤسسة إن كان الموظف على مكتبه في الوقت المحدد أم لا وكل ما يهمها هو أن ينجز عمله في الوقت المحدد حتى أصبح أكثر من 40% من موظفي
IBM
يعملون اليوم خارج مكاتب الشركة ، سواءً من منازلهم أو من مقاهي الإنترنت أو أي مكان في الدنيا .


أما شركة
AmericanCentury Investments
فلقد خصصت ميزانية لشراء أدوات للرياضة المنزلية لكل موظف - دون استثناء - ليستطيع الموظف أن يحافظ على لياقته البدنية وبالتالي يعيش بصحة جيدة ، وكلتا هاتين الشركتين تقولان إن إنتاجيتهما ارتفعت بعد تطبيق هذه البرامج التي تسعى لطرح توازن بين حياة الموظف وبين وظيفته .


إذا كنت ممن يطيلون الجلوس في مكاتبهم بعد العمل فأنت عبد جديد ..

وإذا كنت حين تضع رأسك على وسادتك تفكر بأحداث يومك في العمل فأنت عبد جديد ...
وإذا كان أعز أصدقائك هو أحد زملائك في العمل فأنت لا شك عبد جديد..


الفرق بين العبيد الجدد والعبيد القدماء


أن القدماء كانوا مرغمين على طاعة أسيادهم وتنفيذ أوامرهم ...

أما العبيد الجدد فإنهم يظنون أنهم مرغمون على تنفيذ أوامر أسيادهم (مديريهم) إلا أنهم في الواقع ليسوا إلا عبيداً لهذه الفكرة فقط، ...وهم أيضاً عبيد لأوهامهم التي تقول لهم إنهم سيكونون يوماً ما عبيداً أفضل !!!

#2
الصورة الرمزية ezdihar iraq
ezdihar iraq غير متواجد حالياً محترف
نبذه عن الكاتب
 
البلد
الإمارات العربية المتحدة
مجال العمل
مدير موارد بشرية
المشاركات
76

رد: الوظيفة عبودية القرن العشرين

مقال جميل فعلا نري ان العمل قد يطغى على كل اوقاتنا

#3
الصورة الرمزية عبد الرحمن تيشوري
عبد الرحمن تيشوري غير متواجد حالياً مشرف منتدى المرصد الإداري
نبذه عن الكاتب
 
البلد
سوريا
مجال العمل
أعمال ادارية
المشاركات
1,027

رد: الوظيفة عبودية القرن العشرين

شكراابو عبد العزيز على هذا المقال الجميل والرائع
وانا اقول ان الادمان على العمل مثل الادمان على الكحول كلاهما يدمر الروح
والنجاح على حساب الاسرة والاصحاب هو الاخفاق الحقيقي لذا لا بد من التوازن ومنح كل امر حقه
لك مودتي وتقديري

إقرأ أيضا...
إدارة الموارد البشرية في القرن الحادي و العشرين

بيانات الكتاب العنوان إدارة الموارد البشرية في القرن الحادي في القرن الحادى و العشرين المؤلف أد/ عبد البارى إبراهيم درة - زهير نعيم الصباغ الطبعة الأولى 2008 الناشر دار وائل للنشر و التوزيع ... (مشاركات: 9)


مدارس (نظريات) الفكر الإداري خلال القرن العشرين(1900-2000)

ترجع بدايات تطور علم الإدارة إلى أوائل القرن العشرين ففي العصر الثامن عشر ظهرت الثورة الصناعية وظهرت المصانع وظهرت العديد من المشكلات والإدارية والتنظيمية والعمالية. كان الهدف البحث عن حلول للمشكلات... (مشاركات: 3)


"الوظيفة عبودية القرن العشرين"

"الوظيفة عبودية القرن العشرين" مقال أكثر من رائع !!!!! يسكن دبي منذ أكثر من عام إلا أن شقته الجميلة التي تطل على البحر لا تحوي غير سرير صغير (مؤقت) فقط في الغرفة التي ينام فيها ، وهي الغرفة... (مشاركات: 16)


القلق مرض القرن الواحد و العشرين

قرات هذا الموضوع في احدى المواقع .. و اتمنى من المشرفين او من القراء التعليق بالاخص على النقطة التالية : 1. الانتقال للعيش في مكان آخر . 2. الزواج أو التفكير به أو الاستعداد له. 3. كذلك عندما... (مشاركات: 2)


أبرز عمالقة الإرادة في القرن العشرين.. نيلسون مانديلا المشاغب

بعيدا عن الإثارة والرغبة في الكسب السريع ، وبمنحى آخر غير تدوين الاعترافات وتصفية الحسابات مع النفس والغير ، أو تطهير الذات من شرورها وإبراء الذمة أمام التاريخ أو أمام الله تأتي السيرة الذاتية لزعيم... (مشاركات: 2)


دورات تدريبية نرشحها لك

برنامج جمع و تحليل و عرض البيانات التجارية

تركز هذه الدورة التدريبية على الممارسات الجيدة لأبحاث الأعمال وجمع البيانات، بما في ذلك نصائح لطرح الأسئلة الصحيحة وطرح الأسئلة بشكل صحيح. ثم ننتقل إلى مناقشة أدوات تحليل البيانات الشائعة وتطبيقها في مواقف تجارية محددة. و يركز القسم التالي من الدورة التدريبية على تحليل الخيارات وتطوير التوصيات العملية. الهدف من القسم الأخير من الدورة التدريبية هو تزويد المشاركين بالمهارات والمعارف اللازمة لنقل معلومات العمل وتقديم العروض التقديمية للأعمال والتقارير ذات التأثير الحقيقي


دبلومة التأهيل لشهادة محترف إدارة سلاسل الإمداد - CSCP

برنامج تدريبي متخصص في شرح منهج الشهادة الدولية لمحترف ادارة سلاسل الامداد CSCP يتناول تصميم سلاسل الامداد وتخطيطها وتنفيذها و إدارة المخزون وتخطيطه ومراقبته ويهتم بتطبيق أفضل الممارسات في هذا المجال


Mini MBA في المحاسبة والادارة المالية

برنامج تدريبي متقدم يهدف إلى تأهيل المحاسب تأهيلا علميا شاملا، حيث يغطي البرنامج موضوعات المبادئ والفروض المحاسبية والدورة المحاسبية وتصميم نظام محاسبي متكامل بداية من شجرة الحسابات وحتي اعداد الحسابات الختامية وإعداد القوائم المالية للشركات التجارية والصناعية وتحليل وتفسير القوائم المالية وضريبة القيمة المضافة وضريبة الأرباح التجارية والصناعية ثم الدورة المستندية في الشركات الصناعية والتجارية بالتطبيق علي برنامج الاكسل وورشة العمل التطبيقية في المحاسبة وبرنامج المحاسبة المتخصصة والمحاسبة في شركات المقاولات والمحاسبة في المستشفيات والمراكز الطبية والمحاسبة في الجمعيات الأهلية وبرنامج المحاسبة الإلكترونية حيث شرح استخدام برنامجي الاكسل والبيتش تري في المحاسبة.


كورس الأساليب الحديثة في بناء شخصية الطفل

هذا البرنامج موجه للاباء والامهات والمربين، يهدف الى تدريب المشاركين على طرق وأساليب بناء شخصية الطفل. وما هو الدور المطلوب منهم القيام به لبناء شخصية الطفل بشكل سليم


دبلومة ممارسات التصنيع الجيد GMP

برنامج متخصص في ممارسة التصنيع الجيد يتناول شرح كامل لممارسات التصنيع الجيد GMP وقواعده ومبادئه التوجيهيه في الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاخرى حول العالم ثم التطبيق العملي ل GMP والمواد الواردة لإصدار المنتج ثم GMP ونظام إدارة الجودة


أحدث الملفات والنماذج