يلجأ بعض باحثي الوظيفة إلى المبالغة في إنجازاتهم المهنية، ولكن صائدي الأدمغة (Head Hunters) تنبهوا لذلك. لذا يجرون فحصا دقيقا عليها في الوقت الراهن.

عندما وظفت شركة تايلندية مشهورة "صديقا للعائلة" كي يتقلد منصبا مرموقا وحساسا، أصيب زملاء الرجل بالحيرة من ضيق صدره وغدره ومن تهديداته، لم يكن يبدو سويا أن نجما مفترضا دخل إلى الشركة متهاديا عبر الباب، وهو يحمل سيرة ذاتية مدهشة تثبت مثل هذه المقدرات، و في النهاية حينما كلف المالكون شركة خارجية لفحص وتدقيق خلفيته المهنية، وجدت أنها مليء بالثغرات.

أن حياة مهنية متحجج بها في شركات ذات أسماء رنانة فيما وراء البحار، إتضحت أنها إسمية فقط، إذ يبدو أنه حصل على الوظائف ولكنه تركها جميعا بلا إستثناء، محاطا بإستهجان زملائه.

يحمل الشهادات الأساسية ولكن التزيينات الإضافية اللافتة للنظر في سيرته الذاتية (مساعد خاص لمدير المشروع هذا أو ذاك..إلخ إلخ) جميعها تقريبا خيالا محضا.

يقول أحد أعضاء مجلس إدارة شركة: أفضل ما تفعله شركات تايلاندية قليلة الان ،هو التدقيق بشان كل مدير تفكر بتعيينه في الشركة .

و يضيف قائلا ان التزكية الشخصية البسيطة لم تعد عاملا حاسما في هذا الشان .

و الواقع ان الشركة العائلية ذات الطراز القديم قد تستطيع توفير اماكن للاصدقاء الذين لا يحملون الخبرات الضرورية غير ان نظرتنا الان هي ان السوق باتت منافسا للغاية ، الى درجة انه ليس مسموحا لنا ارتكاب اخطاء بشان توظيف الكوادر المطلوبة.

دفعت هجمات 11 سبتمبر على الولايات التحدة وتداعياتها المؤلمة، العديد من الشركات الأمريكية للشروع في إجراء عمليات فحص دقيقة للغاية، في الخلفيات المهنية للمرشحين المحتملين للوظائف والموظفين في الغالب.

الإجراءات اللازمة لسبر أغوار الموظفين المنضمين بكشف الرواتب تعززت بسبب فضائح المحاسبة التي طالت شركات مثل "إنرون"، بدا فيها تنفيذيون يتمتعون بأياد نظيفة، ولكن إتضح في النهاية أنهم غير أمينين. والنسبة للعديد من الشركات الغربية، فإن تدقيق السير الذاتية وإجراء إختبارات وظيفية مصممة من أجل إكتشاف العيوب الشخصية، بات إجراء روتينيا في الوقت الراهن.

كذلك فإن العديد من المجموعات الأمريكية تفترض أن إجراءات التدقيق بمثابة "وقاية سريعة" ضد أي دعاوى قضائية، قد تواجهها بسبب توظيف مديرين غير جديرين بالثقة.

طفرة الاستمرار الاسوي تولد ملايين الوظائف ، غير ان العديد من الخريجين الاسويين يفتقرون الى الخبرة اللافة للنظر ، او المؤهلات التي تميزهم عن المجموعات الاخرى .
غير ان باحثي الوظائف الذين يلجؤون الى تجنب او تنميق الجوانب الاقل جذبا واغراءا في حياتهم المهنية، يواجهون صعوبات جمة مع مدققي السير الذاتية .

ويقول مراك دافي الاداري لـ"فيرفاي ليمتد" فرع جديد لشركة هيل اندا سويتش للإستشارات الأمنية والمخاطر، التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها، لقد تزايد الإهتمام بسياسات الفحص والتدقيق. ولا سيما وسط الشركات متعددة الجنسيات، التي تقول أننا نريد النزاهة في مؤسستنا، واذا لم تكن احد هؤلاء الناس لا تحمل نفسك عناء الانضمام الينا ، لاننا سوف نكتشف ذلك. انها تضع معايير للاستقامة والنزاهة .

تزيين الماثر خطيئة ربما تكون قديمة قدم الانسان ، ولكن الوضع السائد في اسيا حاليا بات مصدر قلق للجميع .

ويزعم بعض الباحثين الأن أن ما بين 25 و 35% من السير الذاتية في الهند والصين ملفقة بطريقة أو بأخرى. والواقع أن بيئات الأعمال الأسيوية الحديثة مرنة، ومستحدثة وسريعة التقلب في الغالب. وبذلك توفر أماكن إختباء محتملة مثالية لحياة مهنية ملوثة أو شخصية معيبة.

ويتساءل دافي قائلا: الثقة تدخل في صميم كل شركة أو مؤسسة. وإذا لم يكن لديك ثقة بشخص ما في تقديم نفسه بامانة هل يمكنك توظيفه لديك؟ أم أنك تضع الاساس للمشكلات في المستقبل؟

ويقر مدير فرفاي بأن الشركات الأسيوية بدات الأن فقط في الإهتمام بإجراء تدقيقات شاملة على الخلفية المهنية للموظفين. وما زالت تشكك في الإختبارات النفسية والتي تعد شرطا لازما في عدد من الشركات الغربية.

و يقول أيضا أن شركات الفحص و التدقيق المتخصصة تقول ان صائدي العقول الذين يحصلون على المديرين ، غالبا ما يفشلون في اجراء فحص دقيق للمرشحين للوظيفة الذين يدفعون بهم اليها .

ومن الطبيعي أن ينفي صائدوا الأدمغة هذه الإتهامات، يقول أدوين سيم الذي يدير "هيومان كابيتال أليانس" في بانكوك، إن أصعب مهمة بالنسبة له هو تحديد نوعية الأداء المهني لمرشح لوظيفة عالية، غالبا عن طريق الإستقصاء الدقيق، وليس تدقيق السجلات الأكاديمية أو القانونية للشخص ذاته.

ويستطرد سيم قائلا: من الغريب أن إحدى المشكلات التي أعاني منها مع التايلانديين، هي أنهم غالبا متواضعون أكثر من اللزوم وربما لأسباب ثقافية لا يميلون إلى مدح أنفسهم، إلى حد أنني عندما أشاهد سيرة ذاتية لاذعة فعلا مقدمة من تايلاندي، أشك فورا في محتوياتها.

ويضيف المسألة ليست قاطعة هكذا، فهناك بعض الناس يطاردون السلطة وبوسعهم العمل في الأوضاع غير المسقرة وأخرون يتحايلون عليها ويؤدون أفضل في البيئة المستقرة. هذه هي نوعية المعلومات الحاسمة التي لا تكشف عنها السيرة الذاتية غالبا.

وينصح سيم المرشحين المحتملين لوظيفة ما، التاكد من ان شبكة الاشخاص الذين يتم الرجوع اليهم بشانهم على علم بجهود مخلصة و مثمرة في وظيفتهم الحالية. مشيرا الى ان السيرة الذاتية هي ليست المكان الذي يجب ان تبدا به حياتك المهنية مجددا .

و مع ذلك فان شركة التوظيف بي ار تي ار ، بدات خدمة مستقلة لتدقيق الخلفية المهنية العام الماضي، و لم يعد الا عدد اقل من الشركات مستعدا الان لتعيين الموظفين بناء على الثقة .

ان خدمتنا الجديدة ليست قطعا استجابة لرغبة العميل، حسبما يقول بانجوث جارا باك المدير في الشركة التي مقرها في بانكوك، مضيفا أن هناك نقصا في التنفيذيين الموهوبين الذين يتم تنميتهم محليا في تايلاند، مثلما هو الواقع في الكثير من مناطق أسيا الأخرى، ما يجعلها أكثر أهمية بالنسبة لأصحاب الأعمال، لمقاومة الإغراءات البراقة لمرشح الوظيفة الكامل الأوصاف، ولا سيما أن شركات التوظيف ذات الخبرة تعلم بأن السيرة الذاتية ممكن أن تكون صحيحة تماما أو مضللة بالكامل.

وبنسبة الى انديرز لوند كويست رئيس شركة باسيفيك 2000 التيلادية للتوظيف ، فان الاختبار الرئيسي لاستقامة طالب الوظيفة تاتي عندما يسال صاحب العمل السابق، اذا كانت لديهم الرغبة في اعادته او اعادتها الى الشركة مرة أخرى.

الإجابات عن هذا السؤال غالبا تكشف أكثر مما هو مطلوب "هناك بعض الأحيان نوع من التردد قبل أن يجيبوا عن السؤال" أو في بعض الاحيان تصبح نغمة الحديث ضرورة إلى حد كبير، ومن ثم تبدأ بالشك في ان هناك خطا ما.