لماذا قد يكون المؤمن بخيلا أو جبانا ولا يكون كذابا





عن صفوان بن سليم أنه قال: "قيل لرسول الله: أيكون المؤمن جبانا فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن بخيلا فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن كذابا فقال لا".

رواه مالك في الموطأ ووصفه السخاوي في المقاصد الحسنة والعجلوني في كشف الخفاء بكونه مرسلاً أو معضلاًورواه المنذري في (باب: الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب)

هذا الحديث ليس حجة للجبناء والبخلاء ولكن صفة الجبن قد تجعلك تفعل شيئا وداخلك خوف شديد دون أن تحول بينك وبين إقامة حدود الله، فقد تواجه ما يغضب الله وأنت خائف ولكنك تواجه. كذلك البخل، فالإنسان يستطيع أن يخرج زكاة ماله وهو بخيل، وقد يؤدي حقوق الآخرين كاملة ولكنه يجد في نفسه ثقل لتأثير الصفة عليه ولكن هذا الثقل لا يمنعه من إخراج الحقوق. أما الكذب فلا يمكن أبدا للإنسان أن يتصف به وفي نفس الوقت يظل محافظا على حدود الله لأنه بمجرد أن يكذب فقد تعداها.



لذا يُظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن المؤمن قد يعاني من صفة مذمومة داخله ولكن طالما هي تحت السيطرة ويستطيع معها القيام بما أمره به الله فإنه يظل تحت مظلة الإيمان. أما الصفات الأخرى التي لا تكون موجودة إلا بمخالفة شرع الله فهي تخرج الإنسان من مظلة الإيمان ولا تستقيم معه.



وعلى ذلك تستطيع أن تصنع جدولا فيه خانتين لتكتب تحت البخيل والجبان صفات أخرى شبيهة بعد أن عرفت ما هو سر هذه الصفة التي لا تؤثر على الإيمان وفي الخانة الأخرى تضع الكذب وتحته أيضا ما يشابهه من صفات لا تستقيم معها حدود الله.



ويعطي الحديث أملا لمن يتصفون بالصفات الشبيهة بالبخل والجبن (ولنقل العصبية مثلا) أن تقويم هذه الصفة بإكراه النفس على حدود الله يلغي تأثير الصفة ولا يمنع الإنسان من التمتع بالإيمان. ويحذر من أن الصفات الشبيهة بالكذب على الإنسان أن يتخلص منها تماما لأنها غير مقبولة وتمنع صاحبها من الوصول إلى درجة الإيمان.



ظهرت هذه الحدود بوضوح في غزوة بدر وأُحُد على سبيل المثال حيث بيَّن الله لنا كيف أن بعض الصحابة الذين حضروا بدر كانوا يريدون القافلة ولا يريدون القتال، قال تعالى في سورة الأنفال: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)، وسواء كان ذلك خوفا من القتال أو حبا في خير الدنيا فهي صفة لم تؤثر في الإستجابة لأوامر الله، حتى أن أحدا من الصحابة لم يشعر أن هناك بينهم من يريد ذلك وكان نصر الله.



وقد بيَّن الله لهم ما حدث حتى لا يشعر الصحابة في داخلهم أنهم خارج الحسابات وأنهم غير جديرين بالآيات التي نزلت في من حضروا بدر، وأنهم مهما فعلوا فلن يصلوا لمكانة الآخرين من حولهم. هذه المشاعر تؤدي إلى طاقة سلبية تمنع الشخص من توجيه قدراته لفائدة المجتمع والأمة. فالمؤمن إذا لم يستمد قوته من الله وكان على يقين بموقعه من حدود الله وحافظ على المعادلة الصعبة التي تزن ما بين الخوف والرجاء ما استطاع أن يقيم الحق والعدل ونشر كلمة الله في الأرض.


نقيض ذلك ما حدث في غزوة أحد حيث طغت الصفة الداخلية على الأفعال فكانت مخالفة صريحة لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم مما أدى إلى أحداث مأساوية.

بقلـم دالـيا رشـوان