يعرّف الفساد الإداري بأنه الاخلال بشرف الوظيفة ومهنتها وبالقيم والمعتقدات التي يؤمن بها الشخص، ويعتبر الفساد الإداري مدخلاً ونواة للفساد المالي الذي ينتشر بسبب ضعف الرقابة الداخلية في مؤسساتنا الحكومية.
وقد صدر عن صندوق النقد الدولي تعريف للفساد الاداري بأنه : استغلال: السلطة لأغراض خاصة سواء في تجارة الوظيفة أو الابتزاز او المحاباة او إهدار المال العام أو التلاعب فيه وسواء كان ذلك مباشراً أو غير مباشر.
والفساد الاداري يتمثل في انتشار الرشوة والمحسوبية بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وقد كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن الفساد في بلادنا سواء عبر وسائل الاعلام او عبر الندوات والمؤتمرات.. لكن هل حققنا شيئاً او نفذنا القرارات او التوصيات التي تصدر نهاية كل مؤتمر وندوة تجاه الفساد والفاسدين وما اكثرهم في بلادنا؟ هل تم تقديم مسؤول او موظف ما أثبتت التقارير أنه فاسد الى العدالة في اتجاه جاد للقضاء على منابع الفساد والمفسدين وخولنا وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية أن تقوم بواجبها بكل حرية دون فرض أي رقابة عليها ليتسنى لها فتح ملفات الفساد في كل مؤسسة دون ان نفرض عليها أي قيود أو رقابة لكي نثبت للرأي العام أننا جادون في القضاء على الفساد ومستمرون في متابعته أينما حل وحيثما وجد حتى ننظف مؤسساتنا الحكومية من واقعها المؤلم الذي تعيشه؟
إن الاستمرار في تنظيم المؤتمرات والندوات الخاصة بالقضاء على الفساد دون تطبيق وتنفيذ ما يصدر عنها من قرارات وتوصيات يعتبر فساداً مالياً وإدارياً في نفس الوقت كون هذه المؤتمرات والندوات تنفق عليها المبالغ الباهظة دون أن تستفيد البلد منها بشيء! ويبدأ الفساد الإداري من خلال اساءة استخدام السلطة واللامبالاة في عدم الحفاظ على المال العام وانتشار الرشوة او المحسوبية أو التزوير وعملية توظيف الاشخاص غير المؤهلين في وظائف مهمة وهم غير جديرين بهذه الوظائف في حين يتم تجاهل الموظف المؤهل في الوظائف التخصصية واعطاؤها لمن لا يستحقها.
ولو تأملنا كيف كانت تسير عليه امور مؤسساتنا الحكومية في الماضي حيث كان ينظر الى الشخص الذي يرتكب جريمة الرشوة او التزوير بأنه موظف فاسد حيث كان الفساد في ذلك الوقت يمر بثلاث مراحل.
الأولى: مرحلة القيم حيث كان ينظر الى كل من يخالف القيم بأنه ارتكب جريمة فساد، الثانية: مرحلة النظم والقوانين حيث اصبح كل من يخالفها سواءً في الاعمال أو في الممارسات أو في الادارة انه يرتكب جريمة فساد اداري، الثالثة: وهي مرحلة الخلط مابين القيم والانظمة حيث ان الشخص عندما يدخل بيئة الفساد فإنه يدمن الفساد وبالتالي انعدمت لديه القيم والمعتقدات التي يؤمن بها وكذلك تعرف على الطريقة التي تمكنه من كيفية اختراق النظام وبالتالي أصبح الفساد منهجاً مستمراً لهذا الشخص.
ومن صور الفساد الاداري المستشري في معظم مؤسساتنا الحكومية مايلي:
1- الأزدواج الوظيفي حيث أثبتت التقارير الاخيرة وجود ثلاثة عشر الف حالة إزدواج وظيفي في مؤسساتنا الحكومية ويعتبر الإزدواج الوظيفي من أهم صور الفساد الاداري في بلادنا حيث ان المزدوجين وظيفياً يمارسون العمل في أكثر من مرفق حكومي ويستلمون راتبين او اكثر من مرفق حكومي بينما خريجو الجامعات يبحثون عن وظائف ولايجدونها.. أتمنى من وزارة الخدمة المدنية والتأمينات سرعة تصفية تلك العناصر المزدوجة وظيفياً حتى نستطيع استيعاب أبنائنا وبناتنا خريجي الجامعات والمعاهد المتخصصة.
2- إزدواجية التعامل بين الموظفين في مؤسساتنا الحكومية التي تنمي ضعف الولاء لهذه المؤسسة او تلك، حيث يلاحظ ان معاملة بعض الموظفين تختلف عن معاملة الموظفين الآخرين المؤهلين والمشهود لهم بالكفاءة من رؤسائهم مما يتسبب في احباط الكثيرين من الموظفين نتيجة إزدواجية المعايير في هذه المؤسسات مما يؤدي الى سوء في أداء الاعمال وضعف في الولاء لهذه المؤسسة وتأخر في عملية الانتاج.
3- استمرارية الفاسدين في مؤسساتنا الحكومية في أعمالهم رغم وجود الاثباتات الدامغة على فسادهم وتلقيهم الرشاوى والعمولات مما يدل على استمرارية الفساد والفاسدين في هذه المؤسسات.
4- تفشي الوساطات والمحسوبيات في كثير من اجهزة الدولة.
5- عدم الاخذ بمبدأ التخصص في العمل ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
6- استمرار الانطفاءات الكهربائية بصورة مستمرة دون ايجاد حل لهذه المشكلة والمستمرة منذ سنوات طويلة رغم القروض والمساعدات من الداخل والخارج يعتبر فساداً ادارياً ومالياً يستلزم مساءلة المسؤولين الحاليين والسابقين عنه.
وللقضاء على الفساد يجب علينا القيام بالخطوات التالية:
1- إقامة الحدود ضد كل من تثبت عليه جريمة الفساد وإعلانها والتشهير بمرتكبيها بعد محاكمة عادلة تنشأ مع صدور قوانين تتعلق بالقضاء على الفساد مع بث وقائع المحاكمات وهذا امر ضروري جداً كي يصبح رادعاً لكل من يفكر في ممارسة الفساد الاداري.
2- التوعية من قبل علمائنا الافاضل في المساجد والمجالس والمدارس والجامعات بأهمية الامانة الوظيفية والبعد عن الفساد وضرورة المحافظة على المال العام.
3- تغيير ثقافة المجتمع وذلك بزرع مفهوم الشفافية والوضوح لدى الافراد والمسؤولين من خلال القوانين والاجراءات المبسطة وكذلك تفعيل الاعلام بجميع فروعه لطرح مثل هذه القضايا.
4- تشجيع ومكافأة كل من يقوم بأبلاغ السلطات المختصة عن كل من يمارس وينتهج الفساد.
5- تطبيق مبدأ الثواب والعقاب بحيث نقول لمن أحسن أحسنت ولمن أساء أسأت بحيث نكافئ من تفانى وأخلص وكان اميناً في عمله ونحاسب من تقاعس وأساء في استخدام سلطته.

بقلم:
يحيى محمد الكستبان