جوهر التنمية الرشيدة – النمو والتنمية -
عبد الرحمن تيشوري
تقديم
لعل من اكبر مفارقات هذا العصر ان التنمية اصبحت سيئة السمعة الي حد كبيربحيث صار يصح القول ان التنمية كلمة حق يراد بها باطل لان مخططي التنمية في سورية وعدوا كل فرد بعربة مرسيدس وعلى الاقل بعربة داسيا ثم تبين انهم لم يستطيعوا انجاز هذا الوعد الا بالنسبةلانفسهم وبالنسبة لاقلية متميزة هي اقاربهم واخوتهم واصدقائهم
وبشكل عام نلاحظ انواع كثيرة من النمو والتنمية في العالم تشهدها البشرية هذه الايام وهي:
1- النمو عديم الشفقة اي النمو الذي يؤدي الى زيادة غنى الاغنياء وزيادة فقر الفقراء
2- النمو بلا مستقبل اي النمو الذي ياكل الاخضر واليابس ويستنزف الثروات الطبيعية ويحرم الاجيال القادمة دون وجه حق من نصيبها من الميراث
3- النمو الاخرس فالثروة القومية والوطنية تزداد والقمع يزداد وغياب المشاركة يزداد
4- النموبلا جذور حيث تضمحل الهويات الثقافية للشعوب وتهمش الثقافات الوطنية
5- النمو بلا فرص عمل فالدخل القومي يزداد والبطالة تزداد حيث تشير الارقام الى ان العولمة تلقي ب80% من البشر على قارعة الطريق

جوهر التنمية السليمة المستدامة الرشيدة السديدة


لقد صدر عن المنظمة الدولية اعلان الحق في التنمية1996 ويعتبر هذا الاعلان في مادته الاولى ( الحق في التنمية حق من حقوق الانسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل انسان ولجميع الشعوب المشاركة والاسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية و سياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها اعمال جميع حقوق الانسان والحريات الاساسية اعمالا تاما)
اذا انطلاقا مما جاء في الاعلان انا ارى ان التنمية السليمة الرشيدة هي التغيير نحو الافضل لان التغيير نحو الاسوا ليس الا عملية تخريب مع سبق الاصرار والترصد ومن يحسب راتبه في سورية الذي يتقاضاه الان ويقارنه مع الراتب الذي كان ياخذه عام 1980 يجد ان الذي حصل ليس تنميةو بشكل عام يجب ان نفرق بين النمو والتنمية لانه يوجد فروق بينهما لابد من التوقف عندها حتى لانوصف بالجهل وقصر النظر علما اننا اصحاب علم ومعرفة ونسعى لمعرفة المزيد وهذه صفات دائمةلنا ولم نقل يوما اننا نفهم ونعرف اكثر من غيرنا
النمو التنمية
- يتم بدون قرارات - التنمية مقصودة هادفة
- النمو نموبالوزن والطول - تغييربنيان المجتمع كليا
- النموبالدخل ليس تنمية - التنمية اعم واشمل
- النمويحصل بدون تنمية - التنمية تحصل في الهيكل الانتاجي لكن بدون نمو في الاقتصاد القومي
- التنمية جهد قصدي بينما النهضة هي طور مجتمعي ينشا في مجتمع ما نتيجة لتفاعل ظروف موضوعية تلقائيا اما التنمية هي عملية انهاض اذا شئنا
- التنمية شيء اكثر تعقيدا وشمولا وعقلانية وعدالة من النمو فالنمو يكاد يقتصر على الجانب الاقتصادي الذي يقاس عادة بمعدل النمو السنوي للناتج المحلي اما التنتمية لاتقاس والتنمية السليمة الصحيحة الطيبة تعني عدالة توزيع الدخل تعني اشباع حاجات كل الناس مع الحفاظ على التوازن البيئي والاستقلال الوطني الحقيقي
-
التنميةعلاجا للتخلف

التنمية هي عمليات تغير احوال المجتمع من احواله السيئة المتخلفة الي احوال متقدمة متطورة حديثة وبشكل عام ان المعنى الاساسي للتقدم هو السيطرة الذاتية للمجتمع على مقدراته
في هذه الحالة يكون التخلف عجز المجتمع عن السيطرة على مقدراته
وللتخلف معايير ووجوه هي فضائح وماسي من وجهة نظري وهي
1 – الفضيحة الاولى هي ماساة الحاضر بالقياس الي الماضي كنا سادة الدنيا او سادة على الاقل لكننا اصبحنا نثير الرثاء والاشفاق والخجل ولنتصور ان احد القدماء امثال هارون الرشيد او عمر بن الخطاب قد عادوا لكي يروا ما صنع الدهر بامتهم واحفادهم انا واثق انهم سيفضلون العودة الي القبر مباشرة ويقولون ان هؤلاء ليسوا احفادهم
2- الفضيحة الثانية هي ماساة حاضر امتنا بالنسبة لحاضر الامم المتقدمة المعاصرة فاين نحن واين هي ؟ وكم الفرق بيننا وبينها على كل مستوى وعلى كل صعيد ؟
3- الفضيحة الثالثة اي ماساة الواقع بالنسبة الي الممكن فواقع العرب فقير جدا لكنهم يملكون اكبر ثروات الدنيا فتقارير الامم المتحدة تقول ان العرب هم اقل الناس قراءة واكثر الناس امية وافقر الناس مائيا واكثر الناس الذين يضربون زوجاتهم ويعنفون اطفالهم ويضهدون نسائهم واقل الناس استخداما للانترنت واقل الناس استهلاكا للطاقة واقل الناس ترجمة للكتب واقل الناس انفاقا على البحث العلمي والتعليم 000000
من المستفيد من التنمية في بلداننا ؟
لعل تحديد الفئات المستفيدة او المستهدقة في عملية التنمية من اكبر المشكلات التي تواجه المهتمين بشؤون التنمية ويرى الكثيرون ان التنمية السليمة النظيفة الطيبة هي التي تستهدف الفقراء وللفقر نوعان هما
1- فقر مطلق حسب البنك الدولي اي ان الفقير هوالذي لايتجاوز دخله السنوي 370 دولار امريكي هذا الرقم يتغير من فترة الي اخرى شكل يلاءم تطورات الاسعار وقد كان هذا الرقم في اوائل السبعينات 50 دولارا فقط
2- فقر نسبي اي ان الفقراء نسبيا في بلد معين هم كل الافراد الذين يقل دخلهم السنوي عن ثلث المتوسط القومي لدخل الفرد في ذلك البلد ومن الواضح ان خط الفقر النسبي يتغير من سنة الى اخرى في البلد المعني ويختلف من بلد الى اخر
وبشكل عام نلاحظ زيادة الاغنياء غنى وزيادة الفقراء فقر وموت الطبقة الوسطى حاملة التنمية حيث نقرا ان 1% من الامريكين يملكون 60 % من ناتج امريكا البالغ حوالي ثلث الناتج العالمي كمايوجد في العالم 358 ملياردير يملكون ثروات توازي ثروات 3 مليار انسان في العالم فلا بد اذا من ترتيبات جديدة ليستفيد الجميع من ثمار التنمية وخدماتها اي يجب ان نعرف من يخسر ومن يكسب

اوهام حول التنمية


الوهم الاول: كثرة السكان نقمة دائما: ان هذا الكلام غير دقيق لان الفقراء ليس لديهم سوى هذا الاختيار الوحيد في حياتهم لان الفقراء لا يختارون حكوماتهم ولا يشاركون في وضع خطط التنمية التي يستفيد منها الاثرياء ويعانون من التهميش في كافة مجالات الحياة ويتحملون عبا الضرائب ويسمعون باذانهم كل عشرات الفضائح المالية والسرقات المخيفة وبعد كل هذا نطلب منهم ان يلزم مواقعهم كمتفرجين دعهم ينجبون لكن لنحزرهم من الابوة الشقية
الوهم الثاني : التنمية تعني مزيدا من الاستثمارات وهذا وهم متعارف عليه حيث يعتقد الكثيرين ان التنمية تتطلب استثمار موارد مالية علما ان هناك نمط اخر للتنمية لا يتطلب الكثير من المال وهو نمط التنمية الراسية اي التنمية القائمة على زيادة انتاجية الوحدات النتاجية القائمة فعلا اي دون الحاجة لانشاء وحدات انتاجية جديدة
الوهم الثالث : التقانة المتقدمة المستوردة هي الحل يراهن البعض على ان التقانة المستوردة هي العلاج الشافي من مرض التخلف لكننا نقول لهؤلاء ان الالات يمكن استيرادها لكن الروح العلمية لا يمكن استيرادها ونحن بحاجة الي تقانة تقوم على اعادة الاعتبار للتقانة المحلية تقانة وظيفية بمعنى انها تقانة ذات فائدة عملية مباشرة في تلبية الحاجات الاجتماعية الحقيقية تقانة تحقق اكبر كفاءة اقتصادية ممكنة في الظروف المحلية وتركز على حاجات الاكثرية الفقيرة 0

جرائم باسم التنمية ؟!!

قيل قديما كم من الجرا ئم ترتكب باسم الحرية وانا اتقول اليوم كم من الجرائم ترتكب باسم التنمية فمن الواضح ان كثيرا من الجرائم ترتكب تحت راية التنمية وابرزها الجرائم ضد الفقراء وضد الشعوب وضد الاستقلالية وضد القيم الاجتماعية وضد البيئة وفي مايلي اقدم تفصيلا سريعا في ذلك
1- ضد الفقراء يحصل الخمس الاغنى في العالم على 95% من ثروات العالم ويحصل الخمس الافقر من البشرية على 2% من ثروات العالم ونسبة حصة الخمس الاغنى الي حصة الخمس الافقر تساوي 70 الى واحد
فانقسم الناس في العالم الي قسمين بعضهم غارق في بحر البارفان والاخرون غارقون في بحر المجاري
2- ضد الشعوب الفقيرة ان الذين يشربون الشاي في الغرب الساعة الخامسة يوميا والذين يطعمون الكلاب والقطط لحما اكثر ممما يحصل عليه مليار انسان في هذا العالم لما استطاعوا ذلك لولا نهب الشعوب الفقيرة وان الغرب يحصل الان على برميل النفط بسعر اقل مما كان يحصل عليه في السبعينات وان امريكا تاخذ منا برميل النفط ب20 دولارا وتبيعنا برميل الكوكاكولا ب100 دولار !!!
3- ضد الاستقلالية كل ما يجري في العالم هو تبعيه وتغريب لنا نحن العرب لاننا نتبع ماليا ونتبع ثقافيا ونتبع سلعيا انه مشهد دراماتكي حيث يفرض علينا ما نشاهد ويفكرون لنا وعنا ويردوننا ان نشغل الحاسوب على ظهر الجمل وان نسمع زعيق مايكل جاكسون واذا لم نسمع قد نتهم بالارهاب الدولي ؟!
4- ضد القيم الاجتماعية لم يتركوا لنا خصوصية ثقافية ولقد شنوا حربا غير مقدسة على ثقافتنا وقيمنا وتقاليدنا هذا استلاب واحتلال للذاكرة الوطنية حيث ممنوع على العربي ان يفكر بابطاله واجداده وانما عليه ان يحضر افلام سلفستر ستالون والمراة الخارقة ومسلسل الفتاة الحسناء كاسندرا
5- ضد البيئة لعل من اكبر حقائق هذا العصر ان التنمية تتم في معظم الحالات على حساب البيئة وعلى حساب الاجيال القادمة وهذا ادى الي مشاكل بيئية خطيرة ابرزها التصحر والتلوث وفقدان التنوع البيولوجي 0

خطايا تم اقترافها في الماضي نرغب
ان تبتعد عنها حكومتنا الرشيدة

1- الافتتان بالارقام لا سيما الفائض الوهمي ويجب قياس كل شيء والاعتماد على الارقام الدقيقة بصدق كما هي
2- ان تخطيط التنمية لا يعني فقط تشجيع القطاع العام الخاسر بل يعني تشجيع كل القطاعات في البلد ليصبح البلد ورشة عمل كاملة
3- عدم الانشغال الدائم بمستويات الاستثمار بل زيادة الاستثمار في الموارد البشرية
4- عدم ادمان موضات التنمية الموجودة في الخارج بل استحداث انماط ملاءمة لاقتصادنا وشعبنا وبيئتنا وتاجرنا وموظفنا وعاطلنا
5- عدم الانفصال التام بين التخطيط والتنفيذ لان التخطيط مسؤولية المخططون اما التنفيذ هو مسؤولية النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي باسره
6- العمل دائما لانهاء التفاوت في الدخول والقضاء على الفقر المطلق والنسبي ودعم وخلق الطبقة الوسطى وتحريك المليارات النائمة والمكدسة في المصارف واعادة ضخ دماء جديدة شابة مؤهله في القوى العاملة جامعيين ومهندسين عبر احالة الافكار القديمة الي التقاعد واحالة كل موظف اتم الثلاثين التقاعد والاستراحة الطويلة 0

مقترحات وتوصيات واساسيات للوصول
الى تنمية سليمة طيبة تحقق التطوير والتحديث لسورية

1- العدالة الشاملة العدالة في الثواب والعقاب العدالة في الاجور العدالة في تبادل السلع والاموال والعدالة في توزيع المواد الاقتصادية والدخل
2- المشاركة الشعبية في التخطيط والتنفيذ والتقييم مشاركة طوعية حقيقية مؤسسية وفاعلة عبر تطوير ووضع قانون احزاب وقانون انتخابات جديدين
3- الا عتماد على الذات والتعاون مع العرب لانتاج تقانة تنسجم مع مجتمعنا وظروفنا وتشبع الحاجات الاساسية للاكثرية الفقيرة من شعبنا
4- ترشيد الاستهلاك والحد من الهدر بحيث ينسجم نمط الاستهلاك مع الموارد المتاحة فان تستغني عن شهوة من شهواتك يعني ان تدمر سلاحا من اسلحة العدو
5- التركيز على التعليم والتدريب والحوافز المعنوية والمادية كمفاتيح جديدة للتنمية وكبدائل تغطي عجز الموارد وذلك من خلال دعم وتفعيل المعهد الوطني للادارة العامة والمعهد العالي لادارة الاعمال وتحفيز الناس للاقبال على التحصيل العلمي العالي والتمكين المعلوماتي لنستطيع تحقيق التطوير والتحديث
6- اعتماد نظام التعاون والمصالحة والتشارك في الانتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك فهو النظام الوحيد الذي يحقق مصالح الفرد والجماعة والمجتمع جميعا
7- اعادة تقييم تجربة المعهد الوطني للادارة لجهة استثمار الخريجين

هذه مقترحات واساسيات يمكن طرحها لتكون اساس لحوار شامل ومعمق يساهم فيه كل من يهمه مستقبل سورية ولقد صرح اكثر من مرة رئيسنا الشاب الدكتور بشار الاسد ان الفكر يتسع للجميع وان البلد للجميع وان الوطن سقف الجميع وان الوطن بحاجة الي جهود الجميع ولكل منا دور والجميع يتكاملون من اجل سورية حديثة متطورة مزدهرة
عبد الرحمن تيشوري