الفقر الابداعي والفقر المعرفي
ان المكون الاول لثروات الامم والذى تقوم عليه نهضتها , رأسمالها الفكرى المكون من مجموعه من المبدعين فى شتى المجالات , وعلى ذلك فأن الامم التى اهتمت بهذا العنصر استطاعت ان تأخذ باسباب التقدم , لكن دائما كان هناك سدا منيعا يقف حائلا بين استغلال رأس المال الفكرى لدى الامم يمكننا ان نطلق عليه " الفقر الابداعى " ويتمثل فى عدم وجود طاقات ابداعيه بالمجتمع يمكن ان تبتكر او تخترع او تحدث نظريات جديده تؤدى الى تقدم العلوم او الاداب وبالتالى الى تقدم الامه , وظاهرة الفقر الابداعى يمكن ان نتأملها على مدار التاريخ بامتداد الحضارات المختلفه , بدءً من الحضاره الفرعونيه مرورا بالحضاره اليونانيه والفينيقيه والاشوريه والفارسيه والصينيه والرومانيه والاسلاميه ثم عصر النهضه الحديثه , فغالبا ما كان الفقر الابداعى يصاحبه – بل احد اسبابه – الفقر المعرفى , والذى يتمثل فى نقص او تشوه المعارف لدى الامه فيما يخص العلوم المختلفه , وظاهرة الفقر المعرفى تبدأ تتنامى فى فترات ضعف وتراخى الامم على المستوى الفردى والجماعى , وقد تمتد باتجاه جيل او جيلين او اكثر , حتى تنطفئ شعلة الابداع رويداً رويداً , و تغرق الامه فى ظلام الفقر المعرفى الشبه تام ويمتد فى الاجيال التاليه ضاربا بجذوره بامتداد تاريخا طويلا , ويصاحب الفقر المعرفى جميع انواع الفقر الاخرى - اقتصاديه واجتماعيه وصحيه ودينيه وسياسيه – ونتيجه لذلك كله تصاب الامه بالفقر الابداعى التام.
ومما يجدر ذكره ان مصطلح ادارة المعرفه ظهر على يد كارل ويج وذلك في ندوة لمنظمة العمل الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة عام 1986م , ولا يعنى ذلك ان ادارة المعرفه موضوع جديد , بل انه مفهوم قديم , حيث ان ممارسة إدارة المعرفه من الامور المتداوله على مر العصور , وادارة المعرفه هى مجموعة من الاجراءات التي تساعد فى الحصول على المعرفة واختيارها و تنظيمها واستخدامها ونشرها ، وتحويل المعلومات والخبرات والمهارات التي يمتلكها الافراد الى منظومه جماعيه تمثل الامه , حيث تكون الاساس الذى يبنى عليه الابداع الفردى والجماعى اللازم لصنع التقدم فى شتى مجالات الحياه , وتنقسم المعرفه الى قسمين احدهما المعرفة الضمنيه والاخرى المعرفة الظاهرية , وفى حين تهتم المعرفة الضمنية بالمهارات والتي هي مرتكزه في عقل وقلب الشخص , وهى معارف يصعب اكسابها أو تحويلها للآخرين , كما انه يصعب وضع المعرفه الضمنية في كلمات منطوقة وهناك مقوله معروفه: " أننا نعرف أكثر مما يمكننا أن نقول" , و تتعلق المعرفه الضمنية بالمهارات والخبرات الفنية والادراكيه , اما المعارف الظاهرية فتتعلق بما هو مدون فى الكتب او فى القصص المتوارث وغالبا ما يتمكن غالبية الأفراد من الاطلاع عليها او سماعها أو استخدامها , وتمثل القيم والصور الذهنية والحدس والاستعارات ونفاذ البصيرة جانبا مهما من جوانب المعرفه التي ينبغي الاعتناء والاهتمام بها لأنها تشكل جزءا مهما من الابداع , وفى مجال المعرفه يمكننا ان نفرق بين : نظرية المعرفه وعلم المعرفه , فنظرية المعرفة تتناول عملية تكون المعرفة الإنسانية من حيث الطبيعه والقيمه والحدود والعلاقه بالواقع، وعلى ذلك فانها تركز على الاتجاهات الاختبارية والعقلانية والمادية والمثالية , اما علم المعرفه ويطلق عليه " الإبستيمولوجية " وهو مصطلح إغريقي يتألف من كلمتين: epistemo وتعني المعرفة و logos وتعني علم , ويعني عند البعض " علم المعرفة أو علم العلم " , كما يعنى عند البعض: الدراسة النقدية للمعرفة العلمية , والإبستيمولوجية عملت على تحديد الأسس التي يرتكز عليها العلم ، والخطوات التي يتكون منها، وكذلك نقد العلوم والعودة إلى مبادئه الاساسيه , وقد حض على ذلك التقدم العلمى السريع والمتنامى، وظهور مبدأ التخصص كاساسا ثابتا فى الاعمال ، وكذلك تلك التغيرات الجوهريه في بنية منظومة العلوم , لكن موضوع الإبستيمولوجية ينحصر في دراسة المعرفة العلمية فقط دون سواها, كما انها تنظر فى وسائل إنتاج المعرفة , و تدرس المعرفة العلمية في وضع محدد تاريخياً، من دون أن تنزع نحو إجابات مطلقة , فى حين تنزع نظرية المعرفة الى تقديم اجابات مطلقة وعامة وشاملة , ان المعرفه سواء على مستوى النظريه او مستوى العلم تحتاج الى بيئه حاضنه مبنيه على اسس صحيحه وسليمه يمكن من خلالها ان تتشكل معارف الامه وبالتالى ينمو الوعى , والذى لابد ان يؤدى الى ولادة الابداع الذى لا محيص عنه للتقدم .

أ . محمود أبو الوفا