نظرية الحقيقة التقنيةLa théorie de la réalité technique
بإختصار ، يستلهم أصحاب هذه النظرية و على رأسهم MICHOUD أفكارهم من النظريتين السابقتين ، فوفق منظور هذا الإتجاه ، أن الشخصية المعنوية تمثل فعلا حقيقة ، إلا أنها ليست حقيقة مجسدة ، فالمصالح الجماعية و الجماعات ليس لها نفس طبيعة الشخص الطبيعي ، أنها تفترض فقط الإعتراف القانوني أي القابلية لأن تكون موضوعا للحق، فلشخص المعنوي ليس وهما قانونيا بل هو حقيقة نابعة من المجتمع و من التقنية القانونية و يرى غالبية رجال القانون أن هذه النظرية هي الاقرب للإقناع .
كنتيجة لما سبق قوله نقول أن الموقف الأكثر واقعية و الاقرب للمنطق القانوني يكمن إعتبار أن الإعتراف بالشخصية القانونية له هدف دقيق ألا و هو الإعتراف ببعض النتائج منها الإعتراف بكل الحقوق بإستثناء ما تعلق منها بالشخص الطبيعي .
موقف المشرع الجزائري :
تنص المادة 49 من التقنين المدني الجزائري على ما يلي :
" الأشخاص الإعتبارية هي :
- الدولة ، الولاية ، البلدية ،
- المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري ،
- الشركات المدنية و التجارية ،
- الجمعيات و المؤسسات ،
- الوقف ،
- كل مجموعة من الأشخاص أو أموال يمنحها القانون شخصية قانونية ، "
و تنص المادة 51 من التقنين المدني الجزائري على ما يلي :" يعين القانون الشروط التي يجب توافرها لتأسيس مؤسسات الدولة و المنشآت الإقتصادية و الإجتماعية و المجموعات مثل الجمعيات و التعاونيات و غكتسابها الشخصية القانونية أو فقدها ".
من خلال إستقرائنا لهذه النصوص و غيرها في القانون الجزائري نجده يعترف صراحة بفكرة الشخصية المعنوية نظرا لأهميتها القصوى و الفعالة و دورها الكبير كأدات فنية و قانونية في التنظيم الإداري الجزائري و يبدوا من مضمون النصين السابقين ، و كذا من طريقة الصياغة و العبارات المستعملة مثل إستعمال مصطلح "الأشخاص الإعتبارية" و كذلك "كل مجموعة من الأشخاص أو أموال يمنحها القانون شخصية قانونية" بالإضافة إلى عبارة "يعين القانون" ، أن المشرع الجزائري يميل للأخذ بنظرية المجاز أو الإفتراض القانوني في تكييف طبيعة فكرة الشخصية المعنوية.
نتائج فكرة الشخصية المعنوية :
يترتب على وجود الشخص المعنوي و الإعتراف به من قبل المشرع عدة نتائج ، كما يترتب على الإعتراف بالشخصية المعنوية العامة لبعض الوحدات و الأجهزة و المجموعات الإدارية نتائج خاصة لاشخاص القانون الإداري .
النتائج العامة لمنح فكرة الشخصية المعنوية :
يترتب على منح الشخصية المعنوية و الإعتراف بها نتائج حددتها المادة 50 من التقنين المدني الجزائري بنصها على ما يلي :
" يتمتع الشخص الإعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان ، و ذلك في الحدود التي يقررها القانون .
يكون لها خصوصا :
- ذمة مالية .
- أهلية في الحدود التي يعينها عقد إنشائها أو التي يقررها القانون .
- موطن و هو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته .
- الشركات التي مركزها الرئيسي في الخارج و لها نشاط في الجزائر يعتبر مركزها ، في نظر القانون الداخلي في الجزائر .
- نائب يعبر عن إرادتها .
- حق التقاضي ."
إذا اعترف بالشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازماً لصفةالإنسان الطبيعي ، وذلك في الحدود التي قررها القانون فيكون لها ، ذمة مالية و أهلية قانونية و حق التقاضي و موطن مستقل كنتائج عامة .
النتائج الخاصة لمنح فكرة الشخصية المعنوية :
إن من بين النتائج الخاصة التي تنجم عن تمتع الوحدات و الهيئات الإدارية بالشخصية المعنوية يمكن إجمالها في الآتي :
- إن تمتع المؤسسات و المجموعات الإدارية بالشخصية المعنوية و تمتعها بإستقلالها الذاتي عن الدولة ، لا يعني أنها مستقلة إستقلالا كاملا في مواجهة الدولة بل إن إستقلالها مقيد الحدود في النطاق الذي رسمه المشرع لهذا الإستقلال في القانون المنشئ لهذه الهيئة أو الوحدة الإدارية ، بحيث تضل خاضعة لرقابة الدولة و إشرافها عن طريق نظام الوصاية.
- إن منح الشخصية المعنوية لبعض الهيئات و الاجهزة الإدارية يؤدي إلى تجزئة السلطة الإدارية و تفتيتها و توزيع مظاهر السلطة العامة و إمتيازاتها بين الدولة و هذه الأجهزة و الهيئات و الحدات اللامركزية المستقلة .
- إن موظفي الأشخاص المعنوية موظفون أو عمال عامون بعلاقة تنظيمية مع الشخص المعنوي إلا إذا نص القانون علىخلاف ذلك، ولا يمنع ذلك من أن يكون لبعض الأشخاص المعنوية نظام خاص لموظفيها ولوائحخاصة بتأديبهم .
- تعتبر أموال الأشخاص المعنوية الإدارية هي أموال تسير بأسلوب الإدارة العامة عن طريق القانون العام و تتمتع بحماية خاصة تسمى بحماية المال العام .
- تمارس الأشخاص المعنوية العامة جانباً من سلطةالدولة باعتبارها من أشخاص القانون العام فتتمتع بامتيازات السلطة التي يقررهاالقانون للجهات الإدارية فتعتبر قراراتها إدارية ، ويجوز تنفيذها جبراً دونالالتجاء إلى القضاء ، كذلك تملك حق نزع الملكية للمنفعة العامة أو الاستيلاءالمباشر كما يجوز لها إبرام العقود الإدارية ، وحيث توجد هذه السلطة توجد مسؤوليةالشخص المعنوي عن أفعاله الضارة التي قد يتسبب بها موظفيه .
- نتيجة لتمتع الشخص المعنويالعام بامتيازات السلطة العامة وبالتالي اعتباره شخصاً من أشخاص القانون العام ،فإن القضاء الإداري يكون هو المختص في نظر المنازعات الناشئة عن ممارسة نشاطه ،ويخضع كذلك للقيود التي يفرضها القانون الإدراي من ضرورة إتباع إجراءات خاصة فيالتعاقد أو الطعون في القرارات الصادرة منه وغير ذلك من أمور تفرضها الطبيعة الخاصةبنظام القانون العام .
أنواع الأشخاص المعنوية :
من خلال نص المادة 49 من التقنين المدني الجزائري ، نلاحظ أنها عددت أنواع الأشخاص المعنوية في النظام القانوني الجزائري و هي الدولة ، الولاية ، البلدية ، المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري ، الشركات المدنية و التجارية ، الجمعيات و المؤسسات ، الوقف ، كل مجموعة من الأشخاص أو أموال يمنحها القانون شخصية قانونية .نستنج من العبارة الأخيرة لنص المادة 49 أن المشرع الجزائري أورد في هذا النص الأشخاص المعنوية على سبيل الميثال لا الحصر .
التمييز بين الاشخاص المعنوية العامة و الأشخاص المعنوية الخاصة :
تنقسم الاشخاص المعنوية تقسيما رئيسيا إلى أشخاص معنوية عامة يحكمها القانون العام مثل الدولة و الولاية و البلدية و المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري كالمستشفيات ، و أشخاص معنوية خاصة يحكمها القانون الخاص مثل الشركات المدنية و التجارية و الجمعيات و المؤسسات و الوقف .
و تبقى أهم مشكلة تواجه الدارس في هذا السياق تتمثل في إيجاد معيار دقيق للتفرقة بين الأشخاص المعنوية العامة و الأشخاص المعنوية الخاصة كما تظهر أهمية هذا التمييز فيما يلي :
- إن تحديد طبيعة الشخص المعنوي كونه شخصا معنويا خاصا أو عاما لها أهميتها في تحديد طبيعة النظام القانوني الذي ينظم أحكامها و نشاطها .
- إن التمييز بين الأشخاص المعنوية الخاصة و العامة له أهميته في تحديد طبيعة الأعمال و التصرفات و كذلك تحديد طبيعة أموال و موظفي الأشخاص الإدارية .
معايير التمييز بين الاشخاص المعنوية العامة و الأشخاص المعنوية العامة :
هناك عدة معيير للتفرقة بين ما هو شخص معنوي خاص و ما هو شخص معنوي عام ، يمكن إجمال أهما فيما يلي :
فكرة المنشأة العامة :فإذا كان هذا الشخص من إنشاء الدولة فهو شخص عام و إذا كان من إنشاء الأفراد فهو منشأة خاصة .
غير أن هذا المعيار لا يحقق التفرقة لأن هناك أشخاص معنوية تتدخل الدولة في إنشائها و لكنها لا تعد شخصا معنويا عاما مثل الجمعيات ، كما أن هناك أشخاص معنوية خاصة تنشأها الدولة مثل الشركات ذات رأسمال مختلط عام و خاص .
فكرة الهدف :وفقا لهذا المعيار فإن الأشخاص المعنوية العامة تستهدف تحقيق المنفعة العامة ، أما الأشخاص المعنوية الخاصة فهي تستهدف تحقيق المصلحة الخاصة .
غير أن هذا المعيار يبقى رغم وجاهته غير جامع مانع ، لأن هناك أشخاص معنوية خاصة تستهدف تحقيق المصلحة العامة مثل المشروعات الخاصة ذات النفع العام كالمدارس الخاصة .
معيار طبيعة النشاط :وفقا لهذا المعيار فإن الشخص المعنوي العام هو الشخص الذي يقوم بنشاط عام ، بينما الشخص المعنوي الخاص يقوم بنشاط خاص .
غير أن هذا المعيار يبقى في الواقع غير دقيق نظرا لكون أشخاصا معنوية عامة تقوم باعمال ذات طبيعة خاصة.
معيار الانضمام الإجباري :الأشخاص المعنوية العامة هي التي يكون الإنضمام إليها إجباري أي ملزما ، أما الأشخاص المعنوية الخاصة يكون إختياريا .
غير أن هذه المعايير جميعها تبيقى عاجزة إلى حد ما عن التفرقة بين الشخص المعنوي العام و الشخص المعنوي الخاص، و يبقى المعيار الراحج في التمييز بينهما يتمثل في المعيار المركب أو المزدوج ، و الذي يقوم على عنصرين ، هما :
- عنصر ذاتي ، يتمثل في إرادة المشرع التي تتضمنها النصوص القانونية المنشئة للشخص المعنوي المراد تحديد طبيعته ، فالوقوف على إرادة المشرع و الكشف عنها يساعد على تحديد نوعية الشخص المعنوي ، هل هو عام أم خاص .
- عنصر موضوعي ، يتكون من المعايير الستة السابق الإشارة إليها كدلائل على نوعية الشخص المعنوي هل هو عام أم خاص .
أنواع الأشخاص الإدارية المعنوية :
يوجود نوعين رئيسيين من الأشخاص المعنوية هي : الأشخاص المعنوية العامة ، والأشخاص المعنوية الخاصة، مع ما تتمتع به الأشخاص المعنوية الخاصة من أهمية في نطاق القانون الخاص فتظهر بشكل الشركات والمؤسسات و الجمعيات التي تنشأ
بمبادرات الأفراد لتحقيق الربح أحياناً وتحقيق النفع العام أو المصلحة العامة في أحيان أخرى.
و الشخصية المعنوية العامة تحتل أهمية أكبر بكثير في نطاق القانون العام الذي لا يعرف غير هذا النوع من الأشخاص المعنوية رغم أن نظرية الشخصية المعنوية نشأت في ظل القانون الخاص .
و قد درج الفقه والقضاء على تقسيم الأشخاص المعنوية العامة إلى ثلاث أنواع :
أولاً : الأشخاص المعنوية الإقليمية
و هي الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية التي يتعلق اختصاصها في نطاق جغرافي معين من الدولة وهي تشمل الدولة والوحدات المحلية الأخرى كالولاية و البلدية .
1- الدولة : و هي أهم الأشخاص المعنوية على الإطلاق ولهذا فقد ورد النص عليها في القانون المدني على أن الدولة هي أول الأشخاص الاعتبارية و هي الشخص المعنوي العام الذي تتفرع عنه الأشخاص المعنوية الأخرى وهي التي تمنح الشخصية المعنوية الخاصة للأفراد والهيئات الخاصة وتمارس الرقابة عليها .
و الدولة باعتبارها شخص معنوي عام تشمل سلطات الدولة الثلاث : السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، باعتبارها شخص معنوي واحد . إلا أن هذه الوحدة في شخصية الدولة لم تكن أمراً مسلماً به فقد اختلف الفقه في شأنها .
فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الاعتراف بالشخصية المعنوية العامة للدولة يقتصر على مجال معين من نشاط الدولة وهو الحقوق المادية والتصرفات التي تندرج في القانون الخاص ، أما بالنسبة لتصرفات الدولة التي تحمل طابع السلطة وامتيازاتها فما هي إلا اختصاصات يمارسها ممثلوا الدولة في الحدود التي رسمها القانون تحقيقاً للمصلحة العامة و لعل الدافع وراء تبني هذا الرأي الخشية من تعسف الدولة وجورها على الحريات العامة إذا ما اعتبرت تصرفات الدولة حقاً من حقوقها , بينما ذهب رأي آخر إلى ثنائية شخصية الدولة ، فتكون شخصاً معنوياً خاصاً إذا ما تصرفت في مجال الحقوق المالية أو الحقوق الخاصة المشابهة لتصرفات الأفراد وينطبق عليها القانون الخاص وتعتبر شخصاً معنوياً عاماً إذا قامت بعمل بدخل في ضمن نطاق السلطة العامة وهنا تخضع تصرفاتها لأحكام القانون العام .
إلا أن هذه الآراء لم تلبث أن انتهت ، وأصبح الرأي السائد فقهاً وقضاءً أن شخصية الدولة وحدة لا تتجزأ وهي تشمل جميع تصرفات الدولة و أعمال الخاصة منها و التي تتسم بطابع السلطة العامة و هو رأي يتماشى مع المنطق القانوني السليم .
2- الوحدات الإقليمية و المحلية : ترتبط فكرة الأشخاص المعنوية العامة المحلية بالديمقراطية التي تسمح لكل إقليم من أقاليم الدولة أن يدير شؤونه المحلية من خلال ممثليه من سكان الإقليم في الولاية و البلدية .
ثانياً : الأشخاص الاعتبارية العامة المرفقية
يطلق عليها أيضاً الإعتبارية الفنية أو المصلحية ، وتنشأ لتحقيق مصالح عامة للأفراد تحت رقابة الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية التابعة لها، و تسمى هذه الأشخاص بالهيئات أو المؤسسات العامة قد لجأ المشرع إلى إنشاء هذه الأشخاص لتباشر إدارة المرافق العامة التي تتطلب نوعاً من الاستقلال الفني عن الحكومة المركزية لضمان فاعلية وكفاءة الإدارة ، و تختلف هذه الأشخاص عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في أنها مقيدة بالهدف الذي أنشأت من أجله، في حين تكون الأخيرة مقيدة بالحدود الجغرافية للإقليم الذي تمثله حيث أن الأشخاص الاعتبارية المرفقية تهدف إلى تحقيق أغراض متنوعة منها ما هو إداري أو اجتماعي أو اقتصادي، فإن هذا الاختلاف يقود إلى اختلاف أنظمتها القانونية حسب النشاط الذي تتولاه ، أما الأشخاص الإقليمية فالقاعدة العامة أنها تتمتع بذات التنظيم القانوني .
كذلك تفترق الأشخاص الاعتبارية المرفقية عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في أن الأخيرة تقوم على فكرة الديمقراطية التي تؤكد حق سكان الوحدات المحلية بإدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم ، بينما تقوم فكرة الشخصية الاعتبارية المرفقية على ضرورة ضمان الكفاءة الإدارية وحسن إدارة المرافق العامة ذات الطابع الفني ولا علاقة للديمقراطية في ذلك ، كما هو الحال في الجامعات و المستشفيات.
ثالثاً : الأشخاص المعنوية المهنية
بسبب التطور المستمر في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مختلف الدول وتأثير هذا التطور على القانون الإداري وأحكامه ظهرت فكرة جديدة لأشخاص معنوية أخرى تتمثل في المنظمات والاتحادات ذات الطابع المهني ، تتولى إدارة مرافق عامة ينشأها المشرع لتحقيق مصالح عامة ، ومن ذلك الاتحاد الأدباء والكتاب ، تتمتع هذه الأشخاص بالاستقلال ولها إصدار اللوائح الخاصة بتأديب أعضائها وممارسة المهنة التي تشرف عليها .